على الرغم من التحولات الهائلة في طبيعة العلاقات الإقليمية والعالمية، وتصاعد الأزمات والصراعات في السياسة الدولية، إلا أن المغرب وإسبانيا حافظا على علاقات وثيقة ومستقرة ومتنامية على جميع المستويات، ويمكن القول حتى إن العلاقة الاستراتيجية بين البلدين كانت ركيزة للتوازن في المنطقة، وقد قدمت ضمانا حقيقيا في مواجهة العديد من التحديات والمخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية. وتأتي زيارة رئيس الوزراء الإسباني إلى المغرب في وقت حاسم ومناسب للغاية، حاملة عدة دلالات ومؤشرات هامة للمستقبل في ظل التطورات المتتالية في مسار العلاقات الطويلة والتاريخية بين البلدين. وبالتالي، ستكون لهذه الزيارة تأثيرات كبيرة على مستوى العلاقات الثنائية، وتحمل العديد من المعاني وتمثل قفزة نوعية في ظل التقارب الاستراتيجي المعلن بين الرباطومدريد؛ حيث تعد الزيارة تتويجا لجهود دبلوماسية مكثفة بين البلدين، وتبعث برسائل بالغة الأهمية للمستثمرين الإسبان الراغبين في الاستفادة من الفرص الاستثمارية في المغرب، وإقامة مشروعات صناعية كبرى، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. ولعل توقيت هذه زيارة، يمثل في جوهره أهمية بالغة، خاصة مع إعادة تشكيل التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وهو ما يعكس رغبة مشتركة من الجانبين للارتقاء بمستوى العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية، في ضوء إدراكهما للأهمية الكبيرة والتأثير الذي تحظيان به، ليس فقط على المستوى الإقليمي، وإنما أيضا على المستوى الدولي، في ضوء مكانة المغرب الكبيرة، والثقة في قدراته الدبلوماسية، وهو ما بدا بجلاء عبر إشادة وتأكد اهتمام إسبانيا بالمبادرات الاستراتيجية التي أطلقها الملك محمد السادس، خاصة مبادرة البلدان الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكذا أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي نيجيريا – المغرب. دلالات مهمة: شهدت أجندة محادثات بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الإسباني العديد من الملفات التي باتت تشكل أولوية وترتبط بمتغيرات اللحظة الدولية والإقليمية الراهنة التي أفرزت معطيات جديدة التي تستوجب إعادة تقييم الشراكات والتحالفات الإقليمية. وجاءت هذه الزيارة في إطار سعي الدولتين لتعزيز علاقاتهما الثنائية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وحملت هذه الزيارة في طياتها عدة دلالات سياسية واقتصادية مهمة، ويمكن استعراض أبرز الملفات على أجندة الزيارة كالتالي: * تعزيز العلاقات السياسية:جاءت زيارة الرئيس الوزراء الإسباني للمغرب في إطار حرص الدولتين على تعزيز العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما، وذلك تنفيذا لمخرجات اللقاء الذي جمع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ورئيس الحكومة الإسبانية في أبريل 2022، والذي توج باعتماد البيان المشترك بين البلدين، حيث تم الاتفاق على تطوير العلاقات الثنائية بينهما لتصل إلى حد الشراكة الاستراتيجية في المجالات كافة، خاصة السياسية والاقتصادية منها. مع تجديد التأكيد على موقف إسبانيا بخصوص ملف الصحراء، معتبرا المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف. * الارتقاء بمستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية:يعد التعاون الاقتصادي بين المغرب وإسبانيا، بذرة مهمة لتحقيق ما يمكننا تسميته ب"التحالف التنموي"، والقابل للاتساع، سواء على النطاق الإقليمي خاصة على المستوى الإفريقي، أو ربما يتجاوزه جغرافيا، في ظل علاقات قوية التي تربط البلدين، بحكم موقعهما الجغرافي، وهو ما يبدو في عمق الرباط الإفريقي، والعمق مدريد الأوروبي، وهو ما يعزز قدرتهما على اقتحام الأسواق في العديد من مناطق العالم. كما تمثل هذه الزيارة أهمية كبرى خلال الفترة الراهنة، وتساهم في تعزيز الشراكة الاقتصادية الثنائية بين الدولتين، بما يحقق التكامل الاقتصادي ويترتب عليها تدفق استثمارات الإسبانية جديدة إلى المغرب، ما يعزز من الاستثمار الأجنبي المباشر. * بلورة توافق مشترك:تعتمد كلتا الدولتين على ما لديهما من رؤى ومواقف مشتركة تجاه عدد من القضايا المثارة في المنطقة خاصة تجاه الإحداث التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء لتعزيز العلاقات السياسية بينهما. * تنسيق الجهود المغربية الإسبانية لإنجاح تنظيم كأس العالم 2023: من أجل تقديم نسخة مشتركة ناجحة من هذه البطولة العالمية سيدفع الدولتين إلى الرفع من مستوى التنسيق بينهما أكثر من أي وقت مضى، مما سيكون له انعكاس إيجابيا على علاقة إسبانيا بشريكها المغربي. أن العلاقات المغربية الإسبانية تمر اليوم بأحسن أحوالها، بفضل ما تحقق من مكاسب جديدة تعزز الشراكة الاستراتيجية. إن التعاون المغربي الإسباني يعتبر نموذجا ناجحا ومثالا رائعا للتعاون بين الدول الشمالية والجنوبية، ويعكس هذا التعاون بذاته التزاما قويا ومسؤولا بين البلدين تجاه مختلف القضايا الاستراتيجية. وعليه؛ يمكن اعتبار الشراكة المغربية الإسبانية من أنجح الشراكات على مستوى المنطقة المتوسطية في الوقت الراهن، وقد وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بالإرادة السياسية القوية لدى الجانبين. وتعد أهم العوامل التي تساهم في تميز العلاقات هي الإيمان المشترك بضرورة تنمية التعاون في مجالات متعددة، لاسيما في الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن، والرؤية المشتركة للمخاطر والمصالح التي تدفعهما نحو زيادة التعاون مستقبلا.