وضعت جماعة العدل والإحسان وثيقة سياسية للجميع، في مبادرة للانخراط في المشهد السياسي الذي يعرف ازمة حقيقية، راجعة الى تغييب الفاعل السياسي وانحسار دوره في التأطير ،وخاصة بعد انتخابات 2021وظهور العوالم الجديدة ي عالم السياسة والاقتصاد ،ودخول المبيضين الجدد للمشهد السياسي ،وصراحة يجب ان تدخل العدل والإحسان الى المشاركة الفعلية في الحقل السياسي ولنعرف ميزان الاحتكاك المجتمعي وقوة الإسلاميين وصدق اقوالهم في تنزيل ما يوثقون انفسهم امام الراعي والرعية . السياق السياسي لإخراج الوثيقة : تأتي هاته الوثيقة في سياق سياسي متحول ،خاصة بعد فتور حزب العدالة والتنمية الذي اخفق في البقاء على رأس المشهد السياسي المغربي،بعد توليه حكومتين والذي يشكل في علم السياسة ادخال البعد الأخلاقي في المشهد السياسي ،لكن التجربة أظهرت اننا بحاجة الى انفتاح على جميع التيارات الأصولية التي تعتمد على التدافع الاجتماعي في أطروحة التغيير والإصلاح ،ولذلك تشكل العدل والإحسان نموذج سياسي يمكنه ان يكون بديلا للعدالة والتنمية ،خصوصا وان التجربة الجامعية أظهرت قدرة الفصيل السياسي الجديد في ان يكون له دور كبير في إعادة الثقة في السياسة واللعبة الديمقراطية في حدذاتها . ولذلك الميثاق السياسي هو دعوة للدولة لطي ملف الحصار السياسي للجماعة التي لم يزدها سوى قوة وتغولا في المجتمع . كما ان المشهد السياسي يحتاج الى انفتاح على الجميع وطي ملف التحكم في المشهد الديمقراطي ،على اعتبار ان الدولة بحاجة الى جميع القوى الحية لبناء المغرب الجديد،وفق النموذج التنموي الجديد. هزيمة حزب العدالة والتنمية : رغم ان الحزب لايعتبرها هزيمة بقدرما انها نوع من التقزيم السياسي لبنية سياسية قوية الى بنية تم الضغط جينيا عليها لتصبح قزما سياسيا في المجتمع ،رغم انها تمثل تيارا مجتمعيا وسياسيا كبيرا. كما ان الازمة التي يعيشها حزب العدالة والتنمية وخروج العديد من القادة الوزراء وتجميد عملهم به، بسبب البيروقراطية والتحكم الداخلي في القنوات الطبيعية للحزب . كما ان غياب رؤية سياسية واضحة للحزب جعله يفشل في موقف واضح وثابت في مجموع من القضايا ،كقضية التطبيع ،وكقضية الإصلاح الاجتماعي ،وقضية التعليم . وتحول الحزب الى حزب تقليلدي يسيره شيخ سياسي ،يجعل من الصعب خلخلة البنية ،وكذا مقاطع العديد من القادة للحزب ،يجعل الحديث عن توافق سياسي بعد المؤتمر القادم ،ينذر بإمكانية انشقاق الحزب وخروج تيارات جديدة ،تؤسس لمنطق التعددية في الإسلام السياسي بالمغرب . ازمة في المشهد السياسي يعيش المغرب على وقع ازمة في المشهد السياسي ،خاصة بعد إضرابات التعليم ،والتي جعلت العمل النقابي قاب قوسين او أدنى ،كما ان هذا انعكس علىثقة المواطنين في العمل السياسي ككل ،مما اثر بشكل عام على تتبع المواطن للشان السياسي ،على عكس في الفترة التي كانت التيارات الشعبوية مسيطرة على الرأي العام المغربي ،مع بن كيران والياس العماري وشباط. وامام هذا المشهد ،يجب البحث عن البديل او من يخلف المتهلف في المشهد العام . احتقان اجتماعي وأزمة اقتصادية بسب ارتفاع الأسعار ومانجم عنه من احتقان اجتماعي ،رغم ما يتخد من اجرااءت في المجال ،الا ان الدولة عجزت علىالوفاء بمطالب الطبقات الضعيفة والمتوسطة ،ممااثر على السلوك العام ،وهذا التأثير سيخلف نوع من عدم الرضى على الأداء السياسي . الانتصار الاستراتيجي للمشروع الإسلامي بعد7أكتوبر 2023 شكل انتصار حماس على الالة الاستخبارتية بإسرائيل ضربة لمشروع تجفيف الحركة الإسلامية على المستوى العالمي ،واعتبارها انموذج مرن للارهاب ،الا انها استطاعت ان تصبح امل الشعوب المقهورة من الامبريالية العظمى وهذا الامر سيجعل موجات عددية من التصعيد ستعرفها منطقة العالم ،بسبب تحيز الأنظمة لإسرائيل بسبب قوة معكسها الاستراتيجي الذي تقودم أمريكا . الوثيقة والنصيحة الاستراتيجية تشتغل الجماعة على فكر النصيحة للنظام السياسي القائم وللمجتمع بصفة عامة ،والوثيقة السياسية هي تحول في خطاب الجماعة من مذكرة خطها الامام امرشد الى مشروع سياسي متكامل تتفاوض عليه الجماعة بأسلوب النصيحة التي هي نصيحة علنية تشكل احراج سياسي للفرقاء ولمكونات المشهد السياسي ،وكذلك قناعة بان الجماعة تيار شعبي معتدل يمكن ان تطمئن الدولة لأن فيه حكماء يشتغلون بمنهج سياسي معتدل . النصيحة والقطيعة تستند الوثيقة في مدخلها على اعتبار **العدل والإحسان** قضيتين محوريتين في فكر الجماعة وقد أكد الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله على أهمية الجمع بين القضيتين في مشروع الجماعة قائلا: «نحمل إخوتي شعار العدل والإحسان ليكون لواؤنا بين الدعوات ثائرا خفاقا بخفقان حب الله في قلوبنا، وخفقان الحب في الله، والذلة على المؤمنين ،وحب المساكين، والجهاد في سبيل الله والمستضعفين، وليكون عنواننا في السياسة منشورا مشهورا، له أصالته من القرآن، وله واقعيته من غضبنا لما تنتهكه الطبقة المترفة المستكبرة من حقوق الله وحقوق العباد» وهذا التصورله صدى على مستوى الهيكلة التنظيمية للجماعة منذ بدايتها ،وفي مختلف محطات تجديد وتعديل تلك الهيكلة، كان أبرزها تأسيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان عام 1998، كما اشتغل أطرها على إعداد عدة أوراق ووثائق اقتراحية لإخراج بلادنا الحبيبة مما تعيشه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، بعضها عرف طريقه إلى النشر الخارجي مثل وثيقة حلف الإخاء الصادرة عام 2006، ووثيقة جميعا من أجل الخلاص الصادرة عام 2007وغيرهما، والبعض الآخر ظل رهن التداول الداخلي متتبعا لمستجدات كل مرحلة وتحدياتها، وعيا بأن التغيير لا يكون ضربة لازب، بل هو فعل جماعي عميق ومستدام ،يتطلب إعدادا مبكرا ومتواصلا في كل المجالات، ويتأسس على التربية، ويحتاج إلى إبداع مسارات تنزيلية تربط العلم بالعمل، والفكرة بالواقع، والتصور بالممارسة. على مستوى المضمون فقد حرصت الوثيقة على تناول جل قضايا الشأن العام مركزة أساسا على ما يهم المغرب، ومعتمدة على لغة مشتركة من حيث المصطلحات حرصا على التواصل والتفاهم. وقد تميزت باشتمالها على المبادئ الاستراتيجية الراسخة الممتدة زمنيا والتي تشكل أسس تصور الجماعة لقضايا الشأن العام في علاقة بمشروعها الشامل. كما تضمنت فقرات تشخيصية آثرنا عدم التفصيل فيها إلا بما يلزم الموضوع من تأسيس وتقعيد للأسئلة الملحة والقضايا المعروضة في مجال تدبير الشأن العام. كما شملت في جزء هام منها نَفَساً استشرافيا قريبا يمتد لبضع سنوات، أطرنا من خلالها حدود التغيير الممكن في ظل التحولات الإقليمية والدولية والأزمات المحلية التي تعيشها بلادنا. وتجلى هذا النفَّس في مبادرة اقتراحية تروم عرض توجهات عملية وواقعية. وبقدر ما هي مختلفة عن أي نزعة تنظيرية مجردة، فإنها بعيدة أيضا عن أي نزعة تجريبية أو برنامج انتخابي مباشر. فقد أردناها أن تكون وسطا شارحا يقع بين مستوى الخطاب الاستراتيجي العام والمستوى التنفيذي التفصيلي. لذلك اخترنا لهذه الوثيقة اسم «الوثيقة السياسية»، تمييزا لها عن الورقة المذهبية وعن البرنامج الإجرائي في الوقت نفسه . من الجدير بالتأكيد أن ما نطرحه من مداخل واقتراحات غير مفصولة عن بعضها ،وإنما يحكمها تكامل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في نسق واحد، إذا اختل أحد عناصره اختل النسق بكامله. كما لزم التأكيد على أن الإرادة السياسية الجماعية هي الشرط الأول لتفعيل هذه المداخل والاقتراحات، التي قد تلتقي في بعض خطوطها العامة مع ما يطرحه بعض الفضلاء والغيورين. لقد تم تقسيم مضامينها إلى أربعة محاور: يتعلق الأول بمحور تمهيدي يتضمن منطلقات وأفق الوثيقة، ويبرز الخلفية التي تستند إليها حتى لا ينظر إلى ما بسطته بشكل مفصول عن مشروعها العام الذي لا يشكل المجال السياسي إلا جزءا منه. وهكذا فقد تم التعريف بالمشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان، أساسه وأفقه وأهدافه وخصائصه .أما المحور الثاني الذي هو المحور السياسي، فقدتم تأطيره بشعار: «حرية وعدل وحكم المؤسسات»، وتم التطرق فيه للعديد من القضايا، من أهمها: الدولة والدستور والسلطات الثلاث، والعلاقات الخارجية، والأحزاب، والنقابات، والجمعيات ،وغيرها. وتم تخصيص المحور الثالث للسياسات الاقتصادية والاجتماعية تحت شعار: «عدالة وتكافل وتنمية مستدامة»، وشمل العديد من القضايا من قبيل النسيج الاقتصادي ،والتحول الرقمي، والسياسة الطاقية، والتجارة الداخلية والخارجية، والفلاحة والثروات المعدنية، ومنظومة التمويل، والصحة العامة، والحماية الاجتماعية، والتنمية الجهوية .أما المحور الرابع فهو المحور المجتمعي تحت شعار: «كرامة وتضامن وتربية متوازنة ،»وتم فيه طرق مجموعة من القضايا المجتمعية، كتدبير الشأن الديني والأسرة والطفولة والمرأة والشباب والتعليم والإعلام والثقافة والفن والرياضة . وتم العمل على إعداد هذه الوثيقة خلال الأربع سنوات الأخيرة، بمشاركة فاعلة لأطر الجماعة في مختلف التخصصات وواجهات العمل الدعوية والتربوية والسياسية ،فضلا عن الإسهام الكبير لمكاتب الدراسات والأبحاث التي تضم نخبة من خبراء الجماعة في ميادين متنوعة. كما حظيت بتشاور موسع شمل مختلف مؤسسات الجماعة بتنوع اختصاصاتها ومسؤولياتها محليا ووطنيا . وبإصدارنا لهذه الوثيقة فإننا لا ندعي لها الكمال، ولكنها تعكس إرادة صادقة لبناء مغرب جديد على هدى من الله وبمعية كل من له غيرة على هذا البلد. فقد كانت يد الجماعة منذ تأسيسها ممدودة لكل الصادقين، وستظل كذلك، وهو ما نعتبره واجباوليس منة على أحد. ومما يجعل ذلك أكثر إلحاحا هو حجم مشاكل المغرب التي تعقدت وتضخمت لدرجة أصبحت أكبر من أن يواجهها طرف واحد مهما بلغت قوته وحسنت نيته، مما يتطلب حلا جماعيا يتم قبله وخلاله وبعده حوار مسؤول وواضح .وهو أمر ممكن إن صفت النيات، وكانت مصلحة المغرب والمغاربة أسبق في الاعتبار ،وأبعد عن الحسابات الضيقة والدروب المعتمة مابعد الوثيقة السياسية ؟ تراهن فلسفة التدافع السياسي للجماعة على منهج التدافع الذي هو منهج معتدل ،ولذلك فالجماعة بحاجة الى ان تضع الدروس المستخلصة من نصيحتها الاستراتيجية للدولة منذ بدايات الصراع السياسي معها ،وهذا التحول النوعي في الخطاب ،يشكل تحفيز في المشهد السياسي العام ،وكذا القبول الضمني بانخراط أبناء الجماعة الذي هم منخرطون في المشهد السياسي لكن بأسلوب المقاطعة والنصيحة الاستراتيجية ،وعليه فان السيناريوهات الممكنة تتمحور في ثلاث منها : السيناريو الأول :المشاركة في الانتخابات المقبلة ان الإسلاميون انخرطوا في التدافع الاجتماعي في الجامعة ،وكان صداه يصل الى المجتمع ،خصوصا ابان الصراع المحتدم حول المواقع بين اليسار والإسلاميين ،مما شكل فترة من الانتقال السياسي للدولة ،وإقرار الحريات وتعليق القوانين الاستثنائية ،ودخول الإسلاميين الى البرلمان وانخراطهم في الأحزاب ،وتاسيس حزب –حزب الامة والبديل الحضاري المحظور –ولذلك فقد ترفض الدولة تأسيس حزب على أساس مرجعية دينية ،رغم ان الدستور ينص على الميز الذي ينجم على اسيس الحزب على أساس ديني وليس تأسيس حزب يحمل اسم ما بحمولة دينية كحزب العدالة اوحزب العدل والحرية ... ولذلك يمكن ان تشهد الانتخابات الجديدة دخول وافد جديد بقوة جديدة وبخطاب قوي وبرؤية وميثاق سياسي منفتح على الجميع. ولذلك ستشهد العملية السياسية مشاركة افراد من الجماعة في الانتخاابت التشريعية والجماعية سواء في أحزاب أو على شكل لوائح مستقلة او التحالف مع اشخاص قريبين من المشروع السياسي لها ،والتصويت عليه . وهذا التحول في الممارسة مؤشر إيجابي وصحي ،خصوصا وان التحول العام في المشهد السياسي المغرب يعرف بداية تشكل اقطاب سياسية كقطب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وتشكل قطب الوسط المسير للحكومة والإسلاميين كقطب وافد جديد على المشهد ،والذي قد يشكل قوة توازن ملامح المشهد السياسي الجديد في الانتخابات المقبلة . السيناريو الثاني: التفاوض على تأسيس حزب سياسي قوة الجماعة وصدق مشروعها ربما يعطي لها الحق على تأسيس حزب سياسي قد تواق عليه الدولة ،اذا استطاعت الجماعة ان تضع في الحسبان انها القوة السياسية الصامتة في المشهد العام ،والذي يحتاج الى طاقاتها للخروج من ازمة منتصف العمر السياسي للدولة ،والتي تشكل إعادة ترتيب الأوراق الداخلية والبيت العام للدولة ،مما يتوجب احترام القوانين والحريات واطلاق المشهد الحقوقي ،وخاصة وان الدولة تؤسس لثقافة سمو الاتفاقيات على القوانين وتوجهاتها. السيناريو الثالث: تشكيل جبهة العمل الإسلامي بالمغرب شكل تأسيس جبهة للعمل الإسلامي بالمغرب ،حلما يراود اسلاميي المغرب ،خصوصا بعد تجربة الوحدة التي شكلت بين تيار رابطة المستقبل الإسلامي وحركة التوحيد والإصلاح ،وهذا التحول في العمل الإسلامي التكاملي والالتقائي ،باركه متتبعي العمل الإسلامي بالمغرب في العالم الإسلامي . ورغم ان تأسيس الجبهة سيفهم منه انها ستشكل خصما سياسيا ،الا ان التجربة المغربية ،تدل على اعتدال توجه التنظيمات الإسلامية وثقة المؤسسة في التجربة الصادقة لحزب إسلامي رغم تحفظها على الاسم ،الا ان الواقع فهو حزب إسلامي بكل المعايير ،رغم ان خطابها ليس فيه تمييز على أساس الدين أو اللغة او الجنس . ولذلك وجود جبهة تنسيق للعمل الإسلامي من شأنه ان يساهم في طي الصراع الغريب بين الدولة والإسلاميين ،وسيعجل بالديمقراطية الدستورية وفق المبادئ الأساسية . * خبير استراتيجي بالمعهد العربي للتخطيط