يبدو أن الكثيرين لا زالوا لم يدركوا طبيعة المعركة وقرروا الاستسلام التام لخطاب التطمين والتنويم وآثروا كبح جماح التفكير الذي سيفضي لا محالة إلى زوال الغشاوة ووضوح الرؤية. الهدف الواضح من هذه الهجمة الشرسة هو: التخلص من كتلة الأجور وطرد 70 ألفا من مهنيي الصحة خارج المشافي العمومية عبر تفويت هذه المشافي في مرحلة أولى للخواص ومن بعدها إعلان الإفلاس المرتقب والحتمي. هذا السيناريو الشيطاني يقوم على جعل المشفى العمومي يظهر بمظهر العاجز عن تقديم خدمات وبالمشفى الموبوء الذي يعج بالفساد وعليه وجب التخلص منه ولهذا كان التحرك على ست محاور : أولا : إفراغ المشافي من الأطباء وخصوصا المفتاحيين وعلى رأس اللائحة أطباء التخدير والأشعة والنساء والتوليد والجراحة والأطفال وغيرهم وذلك عبر إقرار قانون الإلزامية أو قانون الاغتصاب كما أسميه وأيضا التحرشات التي لا تنقطع من المسؤولين وأيضا خطورة الممارسة في ظل عدم وجود التجهيزات والتحاليل والدم فيصبح الأطباء يفاضلون بين خيارات قد ترسلهم وراء القضبان ( طبيبة نساء وتوليد ليس عندها دم والجنين وجب أن يخرج بعملية قيصرية مستعجلة ومشفى المستوى الأعلى يوجد على بعد ساعة ونصف والمرأة الحامل عندها فقر دم شديد ولا يوجد دم ولاخيوط جراحية كافية..... أحلى الخيارات طعمه مر). دون أن ننسى الراتب الصغير والتعويضات الهزيلة عن الحراسة الإلزامية : 67 درهم صافية نظير يوم عمل شاق نهاية الأسبوع قد تجري فيه أكثر من سبع تدخلات جراحية كما يحدث مثلا في تخصص النساء والتوليد في مقابل 270 اورو في فرنسا نظير حراسة مدتها 12 ساعة يوم الأحد مثلا. ثانيا : تعمد الإبقاء على حالة التردي الحاصلة: مشافي مهترئة ؛ لا تجهيزات ولا أدوات ولا مستلزمات ولا شيء.... الممارسة الطبية العادية حرفيا غير ممكنة أو صعبة للغاية. ثالثا : نقص فادح في الأطر الطبية والتمريضية ومن يحال للتقاعد لا يعوض رابعا : الأموال التي كان من الواجب رصدها لمشافي القطاع العام من أجل تطويرها أهدتها الحكومة لمشافي الباطرونا عبر تمويل التأمين الصحي الإجباري لقسم من الفقراء بالقطاع الخاص خامسا : الاتجاه نحو توحيد التعريفة الوطنية وبالتالي الحكم على المشفى العمومي بالاغلاق والافلاس سادسا : إطلاق الصحافة الصفراء من أجل الإمعان في تشويه المشفى العمومي ومهنييه ما هي العقبة الوحيدة التي كانت أمامهم لاتمام المخطط الشيطاني؟ صفتنا كموظفين مرسمين خاضعين لنظام الوظيفة العمومية الحل الشيطاني اللاقانوني واللادستوري كان : 1 – إنشاء مؤسسات عمومية لها شخصية اعتبارية واستقلال مالي سيتم بيعها في مرحلة مقبلة كما فعلوا في مرحلة سابقة بخمس مشافي جامعية والتي تم تحويلها بالمناسبة قبل عملية البيع إلى مؤسسات عمومية لها شخصية اعتبارية واستقلال مالي ( الأثر الحقيقي لعملية البيع سيظهر بعد إتمام بيع كل المشافي العمومية وظهور المالكين الحقيقيين الجدد وهم بالمناسبة ليسوا الا الباطرونا..... ههههه) 2 – إخراجنا من النظام الأساسي للوظيفة العمومية 3 – نقلنا نحن الموظفون العموميون والمرسمون إلى هذه المؤسسات العمومية كي نصبح مستخدمين ظلما وعدوانا وبشكل استفزازي ما حصل أقل ما يقال عنه إنه جريمة نكراء من ساعد في هذه الجريمة النكراء التي تقودها الحكومة الموازية ؟ 1 – الفساد النقابي و الامتيازات التي لا تعدو أن تكون الا رشى مقنعة والنقابيون المتواطئون ( تصوروا أن من يتحدث باسم مهنيي الصحة في هذه الأزمة الخطيرة ليسوا في نفس وضعيتهم المهنية فإما هم متقاعدون أو تابعون للمديرية المركزية أو تابعين لوزارة أخرى أي أنهم غير معنيين بكل هذا). 2 – خطاب التنويم والتطمين الفارغ الذي يطلقه أشباه النقابيين والوزير والمسؤولون المركزيون 3 – سذاجة مهنيي الصحة والتي وصلت حد البلادة في بعض الأحيان والثقة العمياء في بعض النقابيين وإلغاء العقول والخوف من مغادرة منطقة الراحة إلى مرحلة إدراك حجم المصيبة والتحرك القوي من أجل تدارك ما يمكن تداركه. ختاما ؛ أود التأكيد أن القوانين واضحة ورغم هذا أخذنا عددا من الاستشارات؛ ظاهرة وباطنة؛ بحكم أن عددا من الطبيبات أزواجهن محامين ودكاترة في القانون وقضاة وقد أجمعوا كلهم أن وضعنا صعب وأننا طردنا من الوظيفة العمومية تمهيدا للطّرد الأكبر وأنه لا مخرج لنا من هذا المأزق إلا النضال بكل أشكاله المشروعة. إن العقبة الوحيدة التي لا زالت تواجهنا قبل الإنتقال إلى مرحلة رد الفعل الحقيقي والموجع والذي قد يقلب المشهد رأسا على عقب هو أن أعداد المغيبين لا زالت مرتفعة رغم أنها تناقصت بشكل كبير عما كانت عليه في بداية الحرب.... بعبارة أخرى.... سذاجتكم تقتلنا وتبطئ تحركنا. رسالة أخرى للإنقلابيين هنا وهناك ؛ أذناب النقابات والوزارة والموعودون بمناصب مركزية والذين لا يدخرون جهدا في سبيل تضليل المهنيين وصرفهم عن الخطر المحدق بهم ؛ خبتم وخاب مسعاكم.... لن نتوانى عن فضحكم وفضح ألاعيبكم وحيلكم. رسالة أخيرة لوزارة الصحة.... لا تقلقوا علينا... سنلتقي قريبا وسيبدأ الحفل الكبير. * طبيب جراح