في شتى مناحي الحياة المختلفة هناك ظاهرة من الظواهر قد تستحوذ انتباه واهتمام المجتمعات والشعوب، نذكر منها ظاهرة القوة الناعمة، هذه الظاهرة التي أصبحت سيمة العصر الحديث لأنها قادرة على التأثير في الآخرين وانبهارهم، لكنها تختلف من ناحية الإمكانيات وطريقة وكيفية استعمالها والنعم التي تظهر على صاحبها والمجتمع، وهل هي صادقة ام مصنعة بغية تلميع شيء غير حقيقي وواقعي، لأنه اذا كانت بالفعل حقيقية وتتمشى والظرفية الاجتماعية التي يعيشها صاحبها فهذا هو الأفضل، لأنه في هذه الحالة ستمكن التنشئة القادمة على تعلم العمل والفكر والبنية الجادة والقوية والمتطورة، اما اذا كانت عكس ما يروج لها أي مصنعة من أجل التزويق والابهار لإخفاء الواقع، فسوف يكون لها تأثير قوي وقاتل على مستعمليها في المدى البعيد وهذا ما ينطبق عليه مثال مقالنا هذا، المزوق من برا اش خبارك من الداخل. لأنه ما أكثر المجتمعات والأشخاص التي تزوق صورتها الخارجية وتترك بنيتها الداخلية تتخبط بالمشاكل والصراعات وخير ذلك على ذلك ما صبحنا نشاهد عبر مواقع التواصل وغيرها من الوسائل الإعلامية. إن مفهوم القوة الناعمة من المفاهيم الأساسية في علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي وهو الحاكم الأساسي ولو ظاهريا الأن وبشكل قوي في العلاقات بين الدول والشعوب اذ طبق بشكل وواقع الفرد بالمجتمع، كما أنها تعد بمثابة قوة معنوية للدولة من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ ثقافية من خلال دعم مجالات الثقافة والرياضة والفن والاعلام والترفيه، وكل وسائل التواصل التي لها القدرة على الجذب التلقائي للناس دون اكراه وترغيم وقهر او تهديد بشقيه العسكري والاقتصادي، كالقوة العسكرية أو القوة الاقتصادية اللتان عرفتهما سابقا الاستراتيجيات التقليدية لبعض الدول ابان الحرب العالمية الأولى والثانية وانهيار بعض القوى العسكرية المهيمنة أنداك من جهة، وبداية عصر العولمة والتبادل التجاري والاقتصادي الكبير والمعقد بسبب بعض الاتفاقيات الدولية المجحفة وغير المنطقية و حتى المنصفة لجميع الدول من جهة أخرى، هاتان القوتان العسكرية والاقتصادية على الرغم من ثقلهما وتأثيرهما السياسي الدولي اصبح يشهدان نوع من التقليص على الساحة الدولية اعتبارا من القرن العشرين حيث أصبحنا نشاهد أن بعض الدول اخذت تطرح مفاهيم جديدة للقوة الدولية والمتمثلة في القوة الناعمة الاجتماعية وأؤكد القوة الاجتماعية أولا والناعمة ثانيا هذه القوة التي أصبحت من أهمّ العناصر التي تعتمدها معظم الدول المتطورة وحتى الراغبة في النمو في استراتيجياتها وسياساتها الدولية والداخلية وتعتبرها من أولويات برامجها وفي سياق عملها السياسي والدبلوماسي. لأن القوة الناعمة بدون تلاحم مع القوة الاجتماعية فحسب رأيي الشخصي ليست بقوة لها تأثير سياسي قوي، لهذا ارجح مصطلح القوة الاجتماعية الناعمة بدل الاقتصار على كلمة القوة الناعمة، هذه القوة التي عرفت النور الحقيقي في مطلع القرن الحالي على الرغم من أن معظم المنظرين يعتبرها ملازمة للتاريخ الإنساني، والبعض الاخر يرى أن نواتها الاولى قد ظهرت بظهور الثقافية للرأسمالية وذلك من خلال المؤسسات الاجتماعية كالمدارس التعليمية والمعاهد العليا الخاصة والصحف والتلفاز والمسرح والسينما والانترنت وغيرها من الوسائل الإعلامية الثقافية الأخرى التي خلقت صورة جيدة لدى العامة عن النخبة الرأسمالية بهدف السيطرة على عقول البعض وضمان عدم خروجهم عن سياق المجتمع الرأسمالي، وهذا ما نهجته سابقا بعض الدول ونجحت فيه بسبب بنتيها الاجتماعية الحقيقية، كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدةالامريكية من خلال مدارسها التعليمية الخاصة أو من خلال افلامها السنيمائية وبرامجها الإعلامية والتواصلية كالأنترنيت مثلا حيث مكنتها من خلق صورة سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية وثقافية جيدة وقوية عنها في ذهن الشعوب والمجتمعات التي تتلقاها، وذلك للدور والقدرة الهائلة التي لعبتها في الدخول الى كل المنازل بمختلف الفئات العمرية وتأثيرها وميول وانجذاب الكل لها حتى صناع الرأي العام، الا من توغل وعاشر حقيقتها عن قرب خصوصا اذا كانت في بعض الأحيان غير واقعية، على عكس الأفلام الهندية مثلا وتأثرها على الرغم من انتشارها مقارنة بالأخرى لأن بنية مجتمعها لم تكن بنفس الاهتمام والواقعية التي شهدتها افلاها. حقيقة أنه قد يُخطئ الكثيرون منا عندما يحصرون القوة الاجتماعية الناعمة في المجالات الثقافية والفنية فحسب، على غرار مصطلح القوة الناعمة، إذ انها تندرج تحت المفهوم كل الأفكار والمبادئ والأخلاق الناتجة عن التفاعلات الاجتماعية لكل المجالات، بدءًا من المجالات الضرورية كالبنية التحتية، والسكن والتعليم والصحة والتامين والاستقلال الاقتصادي بشقيه الصناعي والزراعي والعمل والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان والمساواة بين الافراد وتوفير كل المستلزمات الضرورية لحياة الفرد والمجتمع وإرتكازه على جملة من المبادئ والقواعد والقيم، أهمها مبدأ التضامن، إلى جانب جملة مبادئ أخرى مثل حسن الجوار والشراكة، وغيرها من المبادئ الثابتة التي تؤطر الممارسة الدبلوماسية وتوجه سلوكها السياسي الخارجي، وبعدها مرورا بالترفيه والفنون والرياضة وغيرها من الأمور الاخرى، ووصولًا حتى لسياسات الدول وممارسات السياسيين. لهذا فإنني لست متفق مع حصر القوة الناعمة سياسيا فقط بل يجب ان ترتكز الدول والشعوب بالنهوض بالشق والقوة الاجتماعية دون اغفال القوتين الاقتصادية والعسكرية، بشتى جوانبها حتى تصبح فعالة وصادقة ولكيلا ننخدع منها كما ينخدع البعض وهذا ربما ليس بسبب عدم ذكائه بل ربما لأنه أصبح لا يستطيع تحمل الحقيقة وعبء وطأتها، فيضطر لتقبلها ولو بشقها الناعم فقط وليس الاجتماعي والناعم، مثلما أصبحنا نشاهده في أيامنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي واخبار المشاهير من خلال التزويق والكذب والتلميع في علاقاتهم والسعادة التي يعيشونها، التي لا يعلم حقيقتها وألمها الداخلي المر الا هم. وهذا الخطأ الشنيع الذي لا يجب ان ترتكبه المجتمعات والدول من خلال تلميع سياساتها الاستراتيجية الخارجية على واقعها المر الداخلي. عبد العالي بن مبارك بطل الرباط 27/01/2024م