تتجه أنظار الباحثين، والعاشقين للمخطوطات العربية، إلى يوم الرابع من شهر أبريل من كل عام، حيث احتفى العديد من المؤسسات والهيئات العربية والأجنبية بيوم المخطوط العربي، وفي مقدمتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، ومؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالمغرب، واللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم، ومتحف المجاهد بالجزائر، وإدارة الملك عبد العزيز بالسعودية، ومركز عيسى الثقافي بالبحرين. وتم اختيار الرابع من شهر أبريل من كل عام، للاحتفاء بيوم المخطوط العربي، لأنه اليوم الذي يوافق إنشاء معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، قبل نحو 70 عامًا، وتحديدا في العام 1946م، في إطار جامعة الدول العربية، ثم ألحق بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في بداية سبعينيات القرن الماضي. وللمعهد علاقات قوية مع مراكز البحوث التراثية العربية والعالمية، وكان الهدف من إنشائه، هو جمع وفهرسة المخطوطات العربية التي هي أعظم تراث معرفي في تاريخ الإنسان قدمته الحضارة الإسلامية للبشرية. والمخطوطات الإسلامية، تأتي في المقدمة من حيث العدد والتنوع وقيمة محتوياتها، إذ تعد في الوقت الحالي، أهم تراث مكتوب في العالم، بل لعله التراث الوحيد الذي بقي محفوظاً بصورة كبيرة، قياساً بغيره من التراث في الحضارات الأخرى، غير الإسلامية، التي اندثرت معالمها. وبدأت عملية التدوين، من خلال علوم الحديث، إذ قامت حركة التأليف الإسلامي العربي، وتفرعت مناهج الكتابة في شتى أنواع العلوم والمعارف، ولم يمض قرنان على وفاة الرسول “صلى الله عليه وسلم”، حتى أصبحت صناعة الكتب ومهنة النسخ منتشرة، وتجارة الكتب قائمة في كل أنحاء العالم الإسلامي. وقد عبّر المؤرخ “وول ديوران” في مجلداته الضخمة المعنونة “قصة الحضارة”، عن ما بلغه الاهتمام بذلك في العصر العباسي بقوله، “لم يبلغ الشغف باقتناء الكتب والمخطوطات في بلد آخر من بلاد العالم، اللهم إلا في بلاد الصين، ما بلغه في بلاد الإسلام في هذه القرون، حين وصل إلى ذروة حياته الثقافية”. ومن أجمل المخطوطات العربية وأنفسها، نسخة من المصحف وجدت بالخط الكوفي وكتب عليها “إن هذا المصحف الشريف كتبه الإمام الشهيد ذو النورين، أمير المؤمنين، عثمان بن عفان، رضي الله عنه، إملاء من أفواه الصحابة القراء في عصره، الذين أخذوا القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”، بالإضافة إلى نسخة من بقية الأصمعيات التي أخلت بها المفضليات، تعود إلى القرن الثالث الهجري، وهي مختارات من شعر العرب الذي رواه الأصمعي. وكذلك نسخة من “المعلقات السبع” كتبها أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، وهي نسخة نفيسة جداً، كتبت العام 338 ه، وكذلك قطعة خشبية كتب عليها نحتًا، أوائل سورة النجم بالخط المدني (اللين) ترجع تقديرًا إلى القرن الثاني الهجري. وتعد ألمانيا، هي الدولة الوحيدة التي سعت للمخطوطات العربية بغرض العلم، وأعادت نشر العديد منها وطباعته وفهرسته وصيانته وترميمه، واعتمد الألمان في جمع المخطوطات على الإهداءات والشراء لا على الاستيلاء، لكون ألمانيا لم يكن لها أطماع استعمارية في العالم العربي. ويقدر عدد المخطوطات العربية والإسلامية، التي تحتفظ بها المكتبات والمجموعات الخاصة والعامة الألمانية، بأكثر من 40 ألف مخطوط، والقسم الأكبر منها مفهرس يعرفه الباحثون والعلماء المهتمون بدراسة التراث وتحقيقه. ومن أبرز المخطوطات التي تقتنيها ألمانيا وفقا لكتاب “أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم”، تتمثل في نسخة من كتاب “الجامع الصحيح” للبخاري، ويعود تاريخها إلى العام 425 ه، ونسخة من “تاريخ الرسل والملوك” لمحمد بن جرير الطبري، ويعود تاريخها إلى 447 ه، ونسخة من “ديوان أبي العلاء المعري” تعود للعام 475 ه. أما أقدم مخطوطة عربية في المكتبة البريطانية، فهي نسخة للمصحف الشريف مكتوبة على الرق بخط مائل، يرجع إلى أواخر العصر الأموي، كما تضم المكتبة نسخة من ديوان المتنبي يعود تاريخ كتابته للعام 393 ه، ونسخة من أقدم المخطوطات في الموسيقى، ومخطوطة “كتاب الأدوار والإيقاع” للأرموي، الذي كتب في العام 792 ه، ونسخة من العهد القديم “أسفار موسى الخمسة”، يعود تاريخها إلى العام 415 ه. وتمكنت إسرائيل من الاستيلاء على أكثر من 30 ألف كتاب ومخطوطة من المكتبات الفلسطينية في بيوت القدس، وأعلنت أنها تمتلك “مجموعة تيجان دمشق”، وهي مخطوطات عبرية سرقت من الشام قبل أعوام. وتضم المكتبة الوطنية الإسرائيلية مخطوطات إسلامية نادرة، من بينها مصحفان من القرن الثاني للهجرة، ويرجح أنها حصلت على مجموعة المخطوطات الإسلامية كهبة من العالم اليهودي “إبراهام شالوم يهودا”، وهو من أوائل الباحثين في الشأن الإسلامي في بدايات القرن العشرين.