في حوار خصّ به موقع "أثير" القطري، زعم وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، بأن الجزائر هي "الأكثر ميولاً للإسراع بإيجاد حل مع المغرب" وأضاف بأنه" يحلم باليوم الذي يعاد فيه بناء الاتحاد المغاربي ويعود فيه التآخي.." وقال بأنّ "مسؤوليتنا أن نهيئ الأرضية (لذلك)، ونحن مستعدون"! نحن أمام تصريحات تتنافى جملة وتفصيلاً مع السياسة العدوانية التي تتبناها الجزائر تجاه المغرب، وتُترجمها عملياً إلى حرب لا هوادة فيها على كل الجبهات الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية وحتى الإنسانية ضد كل ما هو مغربي. ولم يسلم من هذه الحرب الشاملة لا تراث المغرب ولا تاريخه ولا مزارعوه ولا شبابه ولا رياضيّوه، فبالأحرى أن تسلم منه وحدة المغرب وسلامة أراضيه التي هي في قلب هذا الصراع المفروض على المغرب منذ نصف قرن. لذلك لا يمكن أن نقرأ هذه التصريحات إلا من زاوية البروبكاندا الإعلامية لدفع التهمة عن النظام الجزائري، خاصة وأنّ الموقع الإعلامي الذي أطلّ منه هذا الدبلوماسي المخضرم، هو منبر عربي تابع لواحدة من كبريات القنوات الفضائية، والمستهدف هو جمهور عريض من العرب الذين ليسوا بالضرورة على اطلاع بتفاصيل الحرب التي تشنها الجزائر على المغرب، وبالتالي فهم عرضة وفريسة للتضليل الممنهج الذي تعتمد عليه الدبلوماسية الجزائرية في تحركاتها لمعاكسة المغرب. ومساهمة في إجلاء الحقيقة سأستعرض فيما يسمح به هذا الحيز أحد عشر دليلاً يفند مزاعم سعي الجزائر إلى حلّ أزمتها مع المغرب، وهي كالآتي: أولاً: الجزائر هي التي قطعت العلاقات مع المغرب من جانب واحد، وهي التي ترفض اليد الممدودة للمغرب والتي عبر عنها العاهل المغربي في أربع خطابات رسمية منذ 2018، ووصفت الخارجية الجزائرية المبادرةَ الملكية بأنها "لا حدث"، وفي ذلك وقاحة وقلة أدب، فضلاً عن أنها تنم عن نية عدوانية مُستحكمة. ثانياً: الجزائر هي التي عرقلت مشاركة العاهل المغربي في القمة العربية المنعقدة في الجزائر شهر نونبر2022، رغم إعلان المغرب رسمياً مشاركة جلالة الملك، ولكن الجزائر نقضت كل الأعراف المرعية والقواعد الدبلوماسية، وأفشلت عمل الوفد المغربي، من مستوى رفيع، الذي ذهب للتحضير لزيارة العاهل المغربي. ثالثاً: الجزائر هي التي رفضت كل المبادرات العربية والدولية للوساطة بين البلدين لحلّ الخلافات ومنها الوساطة السعودية قُبيل القمة المنعقدة في الجزائر سنة 2022، والوساطات الإماراتية والكويتية، والتركية منذ 2013، والتونسية على عهد المنصف المرزوقي، وغيرها كثير. وأكثر من ذلك صرح نذير العرباوي، المندوب الدائم للجزائر لدى الجامعة العربية، في الاجتماع التحضيري للقمة العربية أن حكومة بلاده لا تقبل أي وساطة بينها وبين المغرب، ولا تقبل إدراج المصالحة بين البلدين في جدول الأعمال، في تناقض صارخ مع شعار "جمع الشمل" الذي رفعته الجزائر شعاراً للقمة. وهذا ما أكدته أكثر من مرة تصريحات وزير الخارجية رمطان العمامرة والرئيس عبد المجيد تبون، وفي ذلك أكبر دليل على غياب أي إرادة للمصالحة مع المغرب. رابعاً: الجزائر هي التي قتلت الصيف الماضي ثلاثة شبان لم يتجاوزوا سنّ السابعة عشر ربيعاً، وهو يلعبون بدراجات مائية في شاطئ السعيدية. ولم تكتف بتلك الجريمة بل قامت باحتجاز جثة أحد القتلى ولم تسلمه إلاّ هذا الأسبوع، أي بعد أربعة أشهر من اغتياله برصاص الجيش الجزائري، دون مراعاة للقوانين أو لمشاعر والديه. وفي المقابل لم يثبت أن أطلق الجيش المغربي أو الدرك الملكي رصاصة واحدة على جزائري اخترق الحدود المغربية. خامساً: الجزائر لم تتورع عن استعمال الرياضة سلاحاً لزيادة منسوب الكراهية بين الشعبين، حيث منعت سنة 2023 المنتخب الوطني المغربي للشبان من التوجه من المغرب نحو الجزائر بخط مباشر للمشاركة في البطولة الإفريقية "شان"، ومنعت رفع العلم المغربي فوق أرضية الملعب كما تقتضي ذلك قواعد "الكاف" و"الفيفا"، وبَتَرت النشيد الوطني أثناء عزفه. كما أنها سمحت بالتهجم على لاعبي المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة بمدينة وهران أثناء البطولة العربية 2022، أمام أعين السلطات والأمن الجزائري، في فضيحة مدوية تتنافى مع رسالة السلام بين الشعوب التي من أجلها تنظم المنافسات الرياضية. وقع ذلك الهجوم رغم أنّ المنتخب المغربي لم يفز بالمباراة، فكيف به لو فاز!؟ سادساً: في أبريل 2023، وصفت وزارة الخارجية الجزائرية الاتحاد المغاربي بأنه "أصبح كيانا ميتا وغير موجود"، وتهجمت على الأمين العام المغاربي، وكان السيد أحمد عطاف على رأس الجهاز الدبلوماسي، وهذا ما يجعل كلامه عن الحلم المغاربي، وعن تهييئ الأرضية لقيامه، واستعداده لذلك" ضحكاً على الذقون ليس إلاّ. سابعاً: الأمين العام للاتحاد المغاربي، السيد الطيب بكوش وهو تونسي الجنسية، أكد في بيان رسمي بأنّ "الجزائر توقفت عن دفع مستحقاتها لاتحاد المغرب العربي منذ 2016، وأنها سحبت ممثليها منه بشكل تدريجي، إلى أن سحبت آخرهم في 2022. وهو ما يعني أنّ النية كانت مُبيتة لدى النظام الجزائري لعرقلة الاتحاد المغاربي مع سبق الإصرار والترصد، وذلك قبل قطع العلاقات مع المغرب بخمس سنوات، وهو الفعل الملموس الذي ينقض دعاوى السيد عطّاف. ثامناً: الجزائر هي الدولة المغاربية الوحيدة التي تنتهك ميثاق الاتحاد المغاربي الذي يُنصّص بشكل واضح في مادته 15 على امتناع كل دولة عن احتضان "أي نشاط أو تنظيم يمَسّ أمنَ أو حرمةَ تراب دولة أخرى في الاتحاد أو نظامَها السيّاسي" !، فهي التي تمول وتحتضن ميليشيات ما يسمى جبهة "البوليساريو" وتدربها في مدارسها العسكرية، وتزودها بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وتسمح بمهاجمة المغرب من أراضيها، وتضع رهن إشارة الانفصاليين إذاعة وتلفزيوناً لبث سمومهم ضد المغرب منذ خمسين عاماً.. تاسعاً: الجزائر هي الدولة المغاربية الوحيدة التي عرقلت كل محاولات عقد القمة المغاربية، وآخرها كان سنة 2012 بمبادرة من الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، وهذا ما أكده هو بنفسه في تصريحاته بعد تحلّله من واجب التحفظ الذي يفرضه منصب الرئاسة. عاشراً: موازاة مع تصريح السيد عطاف، كانت الجزائر تواصل اعتداءاتها العسكرية المتكررة على المواطنين المغاربة في السعيدية شمالاً وعلى التراب الوطني في المحبس جنوباً، مروراً بواحة العرجة بمدينة فكيك التي طردت ملاكها الأصليين سنة 2021 من أرض أجدادهم التي توارثوها لعدة قرون. حادي عشر: الجزائر قاطعت المنتدى العربي الروسي المنعقد في العشرين من دجنبر 2023، أي بعد الحوار الذي أجراه السيد عطاف بعشرة أيام فقط، لا لشي إلا لأنه انعقد في المغرب، كما قاطعت لنفس السبب حفل توزيع جوائز الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم "الكاف"، يوماً واحدا بعد تصريحات الدبلوماسي "المُحنك". لذلك سأهمس في أذن "معالي" الوزير الجزائري أنّ هناك فرقاً شاسعاً بين "الخارجية" و"الخرجات" الإعلامية، وأنّ الكذب حبله قصير، وقلب الحقائق لن يجدي النظام الجزائري في شيء، لأنّ الزمن كشاف وذاكرة الشعوب لا يطالها النسيان. —