لا حاجة لذكر فضائل رياضة الشطرنج المذهلة في تنمية قدرات الأفراد الذين تتضافر جهودهم لتشييد المجتمعات والحضارات، يكفي أن حكومات بلدان متقدمة أدرجتها ضمن التعليم العمومي؛ لكن الوعي بما لها من أهمية، تتجاوز الرياضي إلى الإشعاع السياحي مثلا، يبدو أنه يغيب لدى الفاعل الحكومي المغربي؛ فالأكيد أن بنموسى، وزير التعليم والرياضة، لم يسمع بها في جولاته لتحديث نموذجنا التنموي، وربما لا يعرف تحريك البيادق، وأن موظفا له في قطاع الرياضة جعل تسيير اللعبة مسجلا باسمه رغم إدانته بالفساد. بهذا تظل رياضة الشطرنج في المغرب تئن تحت وطأة واقع فضائحي غريب، دون بروز حل ينتشل لعبة الملوك والأذكياء من القاع الذي لامسته سنين عددا، إذ يستمر الجمود في خنق المنافسات الرسمية والتكوينات، ما تضيع معه الجهود الفردية والأسرية التي يبذلها الناشئون وأولياؤهم بسبب غياب التحفيز والدعم؛ أما الأبطال القدامى فأسلموا الروح للإحباط أو اختاروا "اللجوء الشطرنجي" هربا مما يسد نفس الإبداع. حتى لا نطيل على القارئ الكريم بتفاصيل أزمة هو في غنى عنها مع يحيط به من كل جانب، دعونا نسرد بعض العناوين، لعل أبرزها أن مصطفى أمزال، الذي يتشبث بكرسي رئاسة الجامعة الملكية للشطرنج لقرابة عقدين من الزمن، أدين من أجل خيانة الأمانة العامة بعدما حول ملايين السنتيمات إلى حسابه الشخصي بعقوبة 6 أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها ألف درهم، وأدينت إلى جانبه المديرة المالية والإدارية للجامعة، وإطار محسوب على الوزارة الوصية على قطاع الشباب، بعقوبة شهرين حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها ألف درهم. ورغم هذه الإدانة من المحكمة في انتظار الحكم الاستئنافي الذي تأخر، مع الكثير من الوقفات الاحتجاجية والرسائل والشكاوى، يظل المتشبث بترؤس جامعة الشطرنج يكرر محاولات عقد جمع عام جديد لتكريس نفسه رئيس أبديا رغم اعتراضات الأندية والوزارة الوصية؛ ولم يكتف بذلك، بل نظم دوريا دوليا باسم الملك محمد السادس مؤخرا أصبح حديث العام والخاص في أوساط الشطرنجيين، إذ استدعى له أبطالا عالميين معروفين، منهم من انسحب أثناء الدوري احتجاجا على سوء التنظيم، كبطل العرب أحمد الخطيب، ومنهم من عبروا عن نقمهم على المغرب بعد عدم توصلهم بالجوائز، وأمطروا الاتحاد الدولي بالشكايات. في هذا الصدد قال عبد العالي كويش، أحد أبرز معارضي المكتب الجامعي برئاسة أمزال، إن "شطرنجيي المغرب يتوقون للتغيير، فالجامعة متوقفة لأكثر من سبع سنوات بسبب سوء التسيير المالي والنزاع الطويل الذي وصل إلى المحاكم وتسبب في شق الأسرة الشطرنجية الوطنية بين فريقين: فريق يؤكد تورط رئيس الجامعة في الاختلاس وخيانة الأمانة، وفريق يصطف إلى جانب الرئيس ويؤكد براءته؛ وأخيرا جاء الحكم من المحكمة بإدانة رئيس الجامعة بخيانة الأمانة والاختلاس". وأضاف كويش، في تصريح لهسبريس، أن "الحكم الذي أصدرته المحكمة مخفف جدا: السجن مع وقف التنفيذ وغرامة مالية بسيطة"، مشيرا إلى وجوب "تدخل المسؤولين عن الرياضة في المغرب لحل هذا الملف، وذلك بتعيين لجنة مؤقتة تعد لجمع عام ينتخب رئيسا للجامعة وينهي حقبة طويلة جدا تكاد تصل إلى عشرين سنة مليئة بالخروقات والانتهاكات والنتائج السلبية للشطرنج المغربي قاريا ودوليا"، وفق تعبيره.