أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استيائه من مقطع فيديو ألماني ساخر ينتقده لقمعه الحريات وبنائه قصرا رئاسيا فخما، وحملته ضد الأكراد. وعلى خلفية الحدث، استدعت وزارة الخارجية في أنقرة السفير الألماني مارتن إردمان، وطلبت منه تفسيرا لمحتويات الفيلم القصير، الذي أنتجه برنامج "إكسترا-3"، والذي يحظى بشعبية كبيرة في ألمانيا. وقال دبلوماسي تركي لوكالة "فرانس برس" طالبا عدم الكشف عن هويته: "طالبنا بأن يتم حذف البرنامج." وعلى ما يبدو، فإن الأغنية التي بثتها قناة NDR الألمانية بعنوان "Erdowie, Erdowo, Erdogan" (المستوحاة من اسم الزعيم التركي واسم أغنية ألمانية قديمة) في طريقها إلى العالمية؛ وذلك بعد أن أطلق نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي حملة على التويتر والفيسبوك لتعميم الفيديو على أوسع نطاق بعد ترجمته إلى عدة لغات، بما في ذلك العربية والإنكليزية. وقد وصل عدد مشاهدي المقطع الساخر إلى نحو 3 ملايين خلال أقل من أسبوع. وسائل الإعلام الألمانية لم تستغرب ردة فعل أردوغان؛ حيث قال رئيس "الاتحاد الألماني للصحفيين" (DJV) السيد فرانك أوبيرال إن الضجة الكبيرة التي أحدثها أردوغان حول المقطع الكوميدي، هو دليل على فقدان الزعيم التركي زمام السيطرة. يجدر بالذكر هنا أن وزير العدل التركي كشف قبل فترة أن النيابة العامة التركية فتحت زهاء 2000 قضية ضد مواطنين أتراك بتهمة "إهانة أردوغان" منذ توليه الرئاسة قبل 18 شهراً. وتشمل القضايا رسامي كاريكاتير وصحافيين وأكاديميين وحتى تلاميذ مدارس. ويأتي توقيت هذه الأزمة في الوقت، الذي تسعى فيه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لتعزيز العلاقات مع تركيا - المرشحة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي- من أجل معالجة أزمة اللاجئين غير الشرعيين القادمين إلى أوروبا. وفي هذا السياق، تقول أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة ليلى نقولا، إن تركيا تعاني تدهورا خطيرا جداً في مستوى الحريات، وخاصة في حرية التعبير وحرية الصحافة، بحيث لم يسلم الأطفال من الاعتقال بسبب كتابات ضد أردوغان على الفيسبوك؛ ومع ازدياد النزعة السلطوية، تضيق هوامش الحرية والتسامح وقبول الآخر. وتضيف الدكتورة نقولا أن أردوغان يشعر بتفوقه على الألمان وعلى الاتحاد الأوروبي بشكل عام بسبب أزمة اللاجئين التي تعصف بأوروبا، والتي تجعل الأوروبيين محتاجين إليه، لذا عليهم أن "يحترموه"، وأن يقدروا له تعاونه في مجال إغلاق الحدود التركية واستعادة اللاجئين، لا أن ينتقدوه. وهذه ليست المرة الأولى التي "يوبخ" فيها أردوغان الأوروبيين، ويخاطبهم باستعلاء، فقد سمح لنفسه في السابق باتهامهم بدعم الإرهاب بسبب اعتصام سلمي للأكراد. وتعتقد الدكتورة نقولا أنه كلما شعر الاتحاد الأوروبي بثقل أزمتي الإرهاب واللاجئين، ارتفع شعور أردوغان بالتفوق على نظرائه الأوروبيين، وتقول: "على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى ما يفعله أردوغان بعد كل عمل إرهابي يحدث في أوروبا، فسنلاحظ أنه يحاول الإيحاء بأن ما يحصل مع الأوروبيين هو نتيجة لعدم انصياعهم له، أو بمعنى "أنا حذرتكم، وأنتم لم تكترثوا"، وفي المرة المقبلة يجب أن تكونوا أكثر انتباهاً واستماعاً لنصائحنا". وتضيف أستاذة العلاقات الدولية: "على كل حال، يتحمل مسؤولو الاتحاد الأوروبي جزءا كبيرا من المسؤولية في مسألة تخطي أردوغان الأعراف الدبلوماسية في تعاطيه معهم. فسكوتهم عن الإهانات والتوبيخ، والاستمرار بمحاولة إرضائه ورضوخهم للابتزاز لا يؤدي إلا إلى زيادة شعوره بالعظمة، وزيادة التوبيخ". في المقابل، يقول منتقدو الحكومة الألمانية إن عجز برلين عن معالجة تدهور المعايير الديمقراطية في أنقرة، وعدم قدرة المستشارة ميركل على اتخاذ أي قرار حاسم ضد سياسة الاستعلاء والاستفزاز التي يمارسها أردوغان، هو دليل آخر على أن "ذراع أردوغان وصلت الآن إلى ألمانيا". وفي هذا الصدد، قالت السيدة سيفيم داغديلين، المتحدثة باسم السياسات الخارجية لحزب اليسار (Linkspartei): "أخيراً، على وزارة الخارجية اتخاذ موقف واضح للدفاع عن حرية الصحافة. إذ لا يمكن التضحية بحقوقنا الأساسية على مذبح الاتفاق المتهالك بين الاتحاد الأوروبي وتركيا". لكن الرئيس التركي لم يتوقف عند هذا الحد، بل هاجم دبلوماسيين أجانب حضروا في اسطنبول محاكمة صحافيين تركيين معارضين، اتهمتهما حكومة "العدالة والتنمية" ب"التجسس ومحاولة الانقلاب". الأمر، الذي يضع حرية الصحافة في هذا البلد في مهب الريح. وقال أردوغان في خطاب متلفز: "من أنتم؟ ماذا تفعلون هنا؟" متهماً الدبلوماسيين بأن هذا العمل هو مجرد "استعراض قوة" على حكومة أنقرة، التي تعاني بالأساس من أزمات دبلوماسية واقتصادية وأمنية كثيرة. وفي النهاية، لا يبدو أن المشكلات التي تعانيها تركيا في طريقها إلى الحل في المستقبل المنظور، خصوصاً مع عدم رغبة الرئيس أردوغان في تهدئة الأمور مع دول الجوار ومع سوريا بالتحديد، ومع التصعيد المستمر ضد معارضيه في الداخل وزجهم في السجون. روسيا اليوم