الحق في التعليم حق أممي مدول بنص القانون الدولي وكذا الدساتير والتشريعات الداخلية للدول ، ذلك أن الولوج اليه مكفول لكل رعايا الدول على قدم المساواة ومن دون انقطاع مما يعبر على أنه حق يتقاطع مع مبدأ الاستمرارية وذلك لانه أساس العلم المقترن بالمعرفة. للمعلم والاستاذ مكانة رفيعة واستراتيجية في جميع الانظمة الدولية المقارنة لانه أساس لا محيد عنه من أجل تربية النشأ ومحو الأمية ومجابهة الهدر المدرسي بما يكفل للأمم تربية الأجيال والناشئة بما يتوافق ومبادئ الإنسية والهوية الكفيلة بخلق التوازن بين المادي والمعنوي في شخصية المتعلم ومن ثمة تدبير تكوينه بما يتوافق وتطور الأمم. تعرف بلادي ووطني المغرب انقطاعا لم نعرف مثيلا له على مر السنون في مجال التربية والتكوين بمدارسنا العمومية أمر أقل ما يمكن أن أقول عنه على أنه أمر نشاز لا يمكننا الاستمرار فيه لا لشيء إلا لأن الضحية الاول والاخير هو التلميذ الذي يوجد في وضعية الهدر المدرسي والاهتزاز المعرفي، وضعية يتقاطع فيها المادي والمعنوي لدى المتلقي الذي لم يستفد منذ مايقارب الستين يوما من حقه الاممي والدستوري الا وهو الحق في التعليم والولوج الى مؤسساته باستمرار ، وايمانا مني بالانتماء للوطن وغيرة عليه ليس الا ، فلا اتهم هذا الطرف او ذاك ، سواء الحكومة او المعلم وعبره النقابات العمالية بفرملة جماح الحق في التعلم بوطننا ، غير أن نقاش هذا الوضع الغير طبيعي للمدرسة المغربية يستوقفني للوقوف أولا عند الاسباب الكامنة وراء تعطيل المدرسة والحلول الكفيلة باعادة الحياة لصفوفها ولمحيا فلذات أكبادنا من طنجة الى الكويرة. إن السبب الحقيقي لهذا الوضع يكمن أساسا في عدم كفاية الحوار بين جميع الفرقاء المجاليين ، لأن إعداد النظام الاساسي الذي اثار شرارة هذه الوضعية مرتبط بهذا الاخير والذي كان لابد أن يتم الاستمرار في التعاطي معه بالحوار المعمق والمشاركة الواسعة لجميع القوى النقابية الحية مع الحرص على توسيع الرقعة الزمنية لابداء الرأي حوله ومن ثمة تقديم الملاحظات والحلول بصيغة تشاركية ، غير أن هذا الوضع لا يمكن ان نعتبر من خلال التوقف عن اداء المهام الوطنية النبيلة للمدرس حلا اساسيا لمواجهة الحكومة ، ذلك ان هذه الوضعية من الناحية القانونية تضرب عرض الحائط مبدأ استمرارية المرفق العمومي وعبره تكافؤ الفرص بين المتمدرسين ناهيك عن الهدر المدرسي ، هذا الرأي لا أصادر فيه حق المدرس من ممارسة حقه في الاضراب المكفول دستوريا غير أنه وفي غياب قانون تنظيمي له كان الاحرى ان يبدع هذا الاخير وينكر الذات ويتحلى بالروح الوطنية العليا ويدافع عن حقوقه المشروعة من داخل المنظومة التربوية وعبر القنوات النضالية أي النقابات العمالية التي لها من الاليات ما يمكنها من فتح باب النقاش سواء مع القطاع الوصي او مع رئيس الحكومة . ان الحوار هو اساس منطقي وبراغماتي لتجاوز هذه المرحلة الاستثنائية في تاريخ التربية والتكوين ببلادنا ، ذلك ان الوصول الى اتفاق بين الحكومة وممثلي النقابات العمالية فيه اشارة الى اعادة فتح الحوار بينهما وفيه دعوة مباشرة لعودة المدرس لمكانه الطبيعي وترك من يمثلونهم من اجل تسوية هذا الملف بما يتماشى والمصلحة الفضلى للتلميذ . لذلك فانه من الواجب على النقابات العمالية وبعد الاتفاق الاخير مع الحكومة ان توقع فيما بينها اتفاقا عاما من اجل مطالبة مناضليه بالرجوع الى المدرسة ومن ثمة الاستمرار في الحوار والنقاش الهادفين الى تحقيق التوازن بين امكانيات الدولة ومطالب المدرس المشروعة وهو أمر يمكن أن نتعاطى معه بنظام الجرعات التدبيرية لهذا الملف وطيه بصفة نهائية .