في إطار الدينامية والإنجازات التي تعرفتها الرياضة المغربية في السنوات الأخيرة، كان آخرها وصول المنتخب المغربي لكرة القدم إلى نصف نهائي مونديال قطر 2022، حظي المغرب بشرف تنظيم كأس العالم 2030 بشراكة مع البرتغال واسبانيا. وفي هذا السياق طفى إلى السطح الدور المحوري الذي ستلعبه الجماعات الترابية، باعتبارها فاعلا رئيسيا في السياسات العمومية التنموية، قصد تحقيق مختلف الأهداف التنموية والطموحات الوطنية، واستخدام تأثير كأس العالم للمضي قدما في مختلف المشاريع والاستثمار في مستقبل الأمة والأجيال القادمة. وعليه فقد وجدت الجماعات الترابية نفسها، سواء عبر مجالسها الحالية أو التي سيتم انتخابها لاحقا قُبَيْل تنظيم هذه التظاهرة، بالموازاة مع المجهودات التي تبدلها المؤسسات الحكومية أمام تحدي مواكبة مسار التنمية الذي بدأته المملكة، والمرور للسرعة القصوى لتقديم صورة مثلى خلال هذه التظاهرة العالمية، والعمل على تحقيق التنمية المنشودة في نفوذهم الترابي عبر الانخراط في استراتيجية تنموية وطنية شاملة لتنظيم هذا المونديال، وما يتطلبه هذا الأخير من إمكانيات ضخمة من أجل النهوض بأوضاع الجماعات الترابية من حيث البنية التحتية وغيرها من التجهيزات العمومية. إن الجماعات الترابية مدعوة إلى الانخراط بشكل فعال في هذا الورش الذي ستعرفه المملكة، باعتبارها فاعلا رئيسيا وأساسيا في وضع الاستراتيجية التنموية لاحتضان كأس العالم 2030 من أجل الاستعداد لهذا الحدث الكروي الهام، وخوض غمار هذا الاستحقاق الكبير الذي دخله المغرب، وذلك عبر العديد من المدخلات، سنحاول ذكر بعضها: أولا: يُعد تدخل الجماعات الترابية رئيسيا في تنزيل أي استراتيجية تنموية شاملة عبر مجموعة من الآليات المنصوص في القوانين التنظيمية 111.14، 112.14، 113.14 المتعلقة بالجماعات الترابية من خلال مخططاتها (برنامج التنمية الجهوية، برنامج تنمية العمالة أو الإقليم، برنامج عمل الجماعة)، وكذلك عبر مخطط التهيئة العمرانية ومخطط التنقلات الحضرية، مع ضرورة تحيين هذه البرامج والمخططات والمشاريع التي يجب برمجتها أخذا بعين الاعتبار لهذا المُسْتَجَدْ، حيث تعتبر برامج عمل الجماعات الوثيقة المرجعية لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية المقرر أو المزمع إنجازها بتراب الجماعات الترابية، بحيث يحدد البرامج والمشاريع التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها او المساهمة فيها. ثانيا: مواصلة جهود تطوير البنيات التحتية الكبرى والتجهيزات الرياضية ولهذه الغاية فإن الجماعات الترابية مطالبة برصد وتحديد حجم الحاجيات بشكل دقيق في مجال الموارد البشرية والمالية، وذلك انسجاما مع الاستراتيجية التنموية لتنظيم هذا المونديال، حيث أن النهوض بالبنيات التحتية الكبرى على الصعيد الوطني، تمر بالضرورة على العمل بمعية الجماعات الترابية، مع الحرص على أن تستجيب هذه البنيات للمعايير الدولية وعلى أن تؤخذ بعين الاعتبار انعكاساتها البيئية، وكذا القدرة على الولوج إليها، ومردودية هذه البنيات على المديين المتوسط والبعيد. ثالثا: الجماعات الترابية ملزمة على استكمال المشاريع الترابية ومواصلة تطوير البنيات التحتية عبر العمل على تنويع الموارد المالية الترابية، من خلال توسيع الأوعية الجبائية الترابية وتشجيع الاستثمارات، مع العمل على إطلاق مخططات للبنيات التحتية الرياضية، تحدد لها أهداف إقتصادية واجتماعية واضحة وقابلة للتنفيذ والعمل، وفق مقاربة تشاركية، على وضع خرائط جهوية للبنيات والمنشآت الرياضية (الموجودة أو التي سيتم إنجازها) حسب أصنافها. مع إلزامية التوفر على مؤشرات حول الآثار الاقتصادية المتوقعة لتنظيم هذه التظاهرة الرياضية الكبيرة، عبر إنجاز دراسات كمية، مع تدبير منافع تنظيم هذا الحدث الكروي ذات البعد الدولي، وذلك لتحقيق عائدات على الاستثمارات. رابعا: في سياق هذا الحدث، من المتوقع أن يزور المغرب ملايين المشجعين لمساندة منتخباتهم من مختلف بقاع العالم، الأمر الذي يستوجب ضرورة تفعيل الاختصاصات الممنوحة للجماعات الترابية بمقتضى القوانين التنظيمية سواء كانت اختصاصات ذاتية أو مشتركة أو منقولة من أجل تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية عبر تهيئة الطرق والمسالك السياحية، إحداث مناطق للأنشطة التقليدية والحرفية، جذب الاستثمار عبر تشجيع المقولات الصغرى والمتوسطة، وتحسين النقل مع الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها، إضافة إلى التجهيزات والبنيات التحتية اللازمة لاستيعاب الملايين من الوافدين على المملكة لمشاهدة مباريات كرة القدم التي ستقام بالمغرب. خامسا: إن تمكين الجماعات الترابية من مسايرة التنافسية على المستوى الوطني، وكذا الانفتاح على المستوى الدولي، مُطالبة بتبني مناهج تدبيرية حديثة، تساعدها على تحقيق المردودية المطلوبة، والبحث عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والنهوض بالنسيج الإنتاجي المحلي متخصص في المنتجات المقترنة بالرياضة، من خلال برمجة مدارات سياحية ترتكز على الأنشطة الرياضية وتنظيم تظاهرات رياضية بشكل منتظم على الصعيد المحلي، مع رصد مؤهلات البلاد في مجال الرياضات الترفيهية والنهوض بها على الصعيد الجهوي في المقام الأول. وبذلك فإن السياسة التنموية الجادة التي تسعى إلى الرفع من المستوى المحلي، هي تلك التي تهدف الى جعل الجماعات الترابية البنية الأساسية للتنمية ، وخط إشعاع اقتصادي واجتماعي. سادسا: إن انخراط الجماعات الترابية بشكل فعال في أي إستراتيجية تنموية شاملة يقتضي، القيام بتشخيص دقيق يتم من خلاله تحديد واختيار الامكانات الكفيلة بتلبية الحاجيات التنموية واستغلال نقط قوتها والتخفيف من مَواطن ضعفها، مع ترتيب برامج العمل وتقدير الموارد اللازمة لتحقيقها واختيار الطرق المناسبة لإنجازها، مع وضع برامج وأولويات موجهة نحو المستقبل الاقتصادي، والاعتماد على التسويق الترابي باعتباره آلية أساسية لخلق دينامية سواء على الصعيد المحلي أو الوطني وحتى الدولي، ولهذا الاعتبار فقد أصبح التسويق بدوره من الأدوات والآليات التي عرفت طريقها من القطاع الخاص إلى القطاع العام وتحديدا في الجماعات الترابية، وبهذا أصبحت هذه العناصر محددا للتدبير المحلي، وأحد مداخيل التميز والابتكار الاقتصادي التنموي. كلها مدخلات وأخرى تجعل الجماعات الترابية أمام تحدي إنجاح هذا المونديال، خصوصا وأنه يعتبر الحدث الكروي الأبرز في العالم، عبر تسخير جميع إمكانياتها المختلفة والمتنوعة للدفع بعجلة التنمية الشاملة لإنجاح هذه التظاهرة وجعل المغرب في مصاف الدول المتقدمة.