شامة تتبرأ... وسلامة تتهم والتيك توك واليوتيوب يملئ الفراغ بهما.. والناس تتابع ويسائلون عن النبأ اليقين. منذ سنوات، عندما أصاب المجتمع السياسي الوهن، نبتت مع الموضة التواصل الاجتماعي المفرط كائنات تنشر الحق و الباطل والباطل المدسوس، إلى درجة أنه يختلط على المتلقي أي الأرض طيبة وأي الأرض خبيثة. أي الخطاب ينهل من بحيرة الصدق وأي الخطاب صنع في دهاليز الأجهزة الغرض منه توجيه التفكير في هذا الاتجاه أو ذلك. منذ زمان دأبت مراكز القوى داخل المجتمعات على خلق روايات تمشي بين افرادها تتحدث عما لا تصل إليه معارف العامة، إلى درجة أن هذه المهنة لا تحتاج إلى علم أو خلق بل فقط إلى خلقة ولسان ربما قلم. فيحدث أصحابها يعكس شروط الوجود، أن ما وصلوا إليه إنما هو علم بعينه ودراية ونفاذ إلى خلاصات واستنتاجات رياضية شبيهة بحل المعادلات المعقدة من الدرجة الثالثة. والواقع أن أطراف هذه المعادلات بما في ذلك حاصلها ليسوا إلى مجهولين من عيار XوYينتمون إلى مجموعة معتلة أو مستحيلة كالكسر على صفر. هذه المتغيرات مع الأسف تعج بها مواقع التواصل وأحيانا بلاطوهات التلفزيون وبعض آليات الإعلام الكلاسيكية، فما معنى أن تتناول كائنات غير ثابتة موضوع المؤسسات الدستورية وكأنها تتحدث عن مواضيع غاية في البساطة حيث يصبح فعل الوزير مثل فعل الغفير والحصانة الواجبة لأفعال العقلاء مثل العبث كله. وتتجلى مع هذه الفوضى، عبثية أخرى تتفادى جميع الأمم السقوط فيها. ألا وهي المسؤولية التي يسلط عليها من لا يقدرها ولا يضمن صون هبتها وجلالها. في الماضي كان الناس يختارون اكثرهم رزانة وعلما وأجلهم معرفة وحنكة وأكفأهم خلقا وتنويرا حتى يرتفعون بالمسؤولية إلى مكانتها الحقيقية ويقدرون تبعات كل فعل وقرار، حتى صرنا نلاقي أسرار الدولة الطيبة منها والسيئ أيضا على رصيف الفيس البوك والتيك التوك واليوتوب والجريدة. الدولة حتى وهي ترتكب هفوات يجب أن تظل طي الكتمان، لا أن تمكن منها عمر أو زيد يستطيع أن يفتح فمه عند اول حلاق أو وسط أي حمام بلدي. كذاك الرجل الورع المهاب بين أبنائه الذي أشرك في كبوته غانية بمجرد أن استفاقت من سكرتها راحت تحكي بين قريناتها ليس لا بروع ولا متزمت وإنما هو رجل حبوب ذو حكاية، أمضيت معه ليلة أمس ولا في الاحلام. أعتقد أن الفراغ والخواء السياسي قد قادنا بما يكفي إلى الخفة وقلة الحياء. إن عودة الدولة على الرشد والمسؤولية الحقيقية لكفيلة هي وحدها بقطع الطريق أمام التفاهات وعدم الجدية. وعلى الأحزاب أن تستفيق من سباتها وتنتبه إلى أن آخر يوتوبرز في الدنيا إذا ما تشيطن قليلا يستطيع أن يلعن على إثره الجمهور، الامين العام ووالي الأمن العام مع قيادته داخل كل حزب. إن المسؤولية الأمنية مثلا حتى وإن كانت تبني على إستراتيجيات " تجنيد الخشيبات لهذا العمل المقيت أو ذلك، فيجب أن تولي لمن يحرص على حفظ وجه كرامة الامة في حالة انكشاف المستور . *يتبع