يبدو واضحا أن الوقفة الاحتجاجية الحاشدة التي نظمها اليوم آلاف الأساتذة أمام البرلمان، والتي تلتْها مسيرة ضخمة في اتجاه مقر وزارة التربية الوطنية، ليست مجرد رفض لنظام أساسي تعتبره الشغيلة التعليمية آلية استعباد جديدة من شأنها أن تأتي على ما تبقى من رمزية الأستاذ، وتنهي مفهوم المدرسة العمومية، بل هي رفض صريح لكل أشكال الهدم التي طالت المنظومة التربوية، وحولت محورها الرئيسي الأستاذ إلى مجرد موضوع ل" النكتة والسخرية ". وقفة الرباط ليست مجرد " لا " لنظام أساسي لم يراعي وظيفة الأستاذ ولا أدوار المدرسة، بل هي " لاءات " تشكّلت على امتداد عقود من التراجعات، وطيلة مسارات الإصلاح التي تركزت حول مفاهيم هامشية، بينما ظلّ قطب الرحى خارج حسابات الإصلاح، ولأن الوعي الاحتجاجي تراكمي، كان من المنتظر أن يكون لنساء ورجال التعليم موقفا حيال الاستهداف الذي يطالهم، لأن التفنن في إذلال رمزية ومكانة المعلّم، ماديا ومعنويا، يجر في العمق إلى توحيد الكلمة، وبلورة وعي رافض لنظام بنموسى، أي أن هذا المعلّم أصبح قادرا على أن يقول لا، وأن يذكّر أصحاب القرار بأن المدرسة ليست حقلا للتجارب، وأن من يعمل بها " كاد أن يكون رسولا " ! هل ستستجيب السلطات المعنية لصوت الرفض الذي صدحت به الحناجر بشوارع الرباط !؟ هل سيكون لصوت المعنى صدى لدى من يقرّر وينفذ !؟ واضح أنه بات في حكم الإجماع فشل نظام بنموسى، وفشل كل محاولات الإقناع به، لأنه نظام هَابِط لم يراعي شروط البنية التحتية، ولا فلسفة العمل في قطاع التدريس، بالنظر إلى كون مهمة التدريس مهمّة شاقة تستوجب استحضار مهارات وكفاءات خاصة، كنا تستوجب تخطيطا مسبقا يلتهم مساحة شاسعة من الوقت الحرّ للمعلّم، وهذه التفاصيل يجهلها العامّة، ويقدّر معناها الخاصّة. اليوم، وبعد أربعة أسابيع كاملة من التوقفات، بدأت كرة الثلج تكبر، وقريبا ستنفجر، ومن المسلّم به أنها ستخلّف ضحايا، وستترك ندوبا طويلة الأمد، إذا لم تنصت الجهات الوصية لصوت العقل، وتحتكم للتاريخ والجغرافيا؛ عندما كان للمعلّم مكانة، وكان للمدرسة رمزية وهيبة، وقتها كان الحُلم أن يصير كلّ منا مدرّسا.. أمّا اليوم، وبعد توالي سنوات الهدم، فقدت مهنة التعليم جاذبيتها، وفقدت معها المدرسة مكانتها المجتمعية.