في منطقة ما من هذا الوطن العزيز يسير طفلان بالكاد تجاوزا العاشرة. الأول يتسول أشخاصا يقفون في انتظار الحافلة والثاني يسير وراءه وهو يضع كيس على شفتيه الصغيرتين لنسيان أحلامه الصغيرة. كنت واقفا بدوري أنتظر الحافلة وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل. شدني هذا المشهد المؤلم وتتبعت الصبيين وهما يتجولان بين الواقفين. لم يحصلا على أي نقود...كانت وجوه المسافرين بين الحسرة والأسى والتردد... وحده شاب أخرج من جيبه بعض المكسرات ووزعها على الطفلين الذين انضم إليهما طفلان آخران في نفس العمر تقريبا أحدهما يدخن. بدت السيجارة غير متناهية بين أنامله الصغيرة... سمعت أحد الأطفال يتحسر لأنه كان يعتقد أنه سيحصل على نقود. في وقت متأخر، وأنا أتصفح الأخبار وقعت عيني على خبر مصادقة البرلمان على قانون سيمنح الأطفال الذين فقدوا معيليهم في زلزال الحوز صفة "مكفولي الأمة"... تحسرت... لو تحركت الأرض بما يكفي في تلك الليلة المحزنة من شتنبر أسفل تلك الأرجل الصغيرة لكانوا الآن مشمولين بهذا القانون.. في هذا الوطن العزيز لا يتحرك المسؤولون إلا عندما تشتعل أضواء الكاميرات...وإلا ما نصيب هؤلاء لأطفال من ورش الحماية الاجتماعية؟ وأين هو حقهم الدستوري في التعلم؟ و في الحماية من الاستغلال والعنف بمختلف أشكاله؟ وعشرات البرامج الاجتماعية الأخرى؟ ما ذنب هؤلاء الأبرياء؟ هل أصبحنا بهذا البرود؟ أين هي الدولة بحكومتها وجماعاتها الترابية ومؤسساتها العمومية وقطاعها الخاص؟ أين هي السياسات العمومية المندمجة؟ أين اختفت الجمعيات التي تدافع عن الطفولة؟ أليسوا من الأمة؟ لماذا لا تكفلهم إذا؟ هذا الوطن عجيب...يصنع نجاحات كبيرة...ويعجز عن ضمان العيش الكريم لأطفال في عمر الزهور... بعد سنوات قليلة سنحتضن أكبر تظاهرة كروية على وجه الأرض إلى جانب دولتين أوربيتين وسنستقبل جماهير من مختلف أنحاء العالم. ماذا لو قرر أحد هؤلاء الابتعاد قليلا عن المراكز والتجول في الأزقة والشوارع؟ أي صورة سينقل إلى العالم؟ بعد سنوات قليلة سنكون ملزمين بتقديم حصيلة تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، التي تتخذ شعارا لها "لا تتركوا أحدا في الخلف" Leave no one behind... فهل سنكون جميعا في الموعد أم أننا سنترك الكثيرين وراءنا.