أحد المعاني لكلمة قَاوَمَ هو "عَارَضَ بِقُوَّة"، أما معنى عارض فهو رفض وناقَش وناقض وخالف، وقاطع، والمعارضة يمكن أن تكون قوية وبناءة وقد تسمّى شرسة، ويمكن أن تكون شكلية كاريكاتيرية تُتخذ فقط من أجل الديكور أو لتأثيث المشهد السياسي والاجتماعي، أما المقاومة فيمكن أن تكون ضد المستعمر مسلحة أو سلمية، ويمكن أن تكون كذلك تعبيرا عن خصلة من خصال المعارضة؛ متجلّية في قوة الإصرار والاستمرار، والثقة في النفس ورفض اليأس ورفض الأمر الواقع. كلّ يوم يستشهد المئات من المدنيين الفلسطينيين، ولا تحمرّ وجنة زعيم غربي واحد غضبا أو تنديدا أو حزنا، ويكتفون بصياغة عبارات لا تثير شيئا غير الاشمئزاز، بل قد يسخّرون إعلامهم، الذي باع المهنية وباع معها كلّ شيء، لتحميل الضحية وزر ما أصابه، وفي المقابل يصيبهم السعار حين يسقط شخص واحد من بني جلدتهم هنا أو هناك لهذا السبب أو ذاك، وليس غريبا عليهم التماهي مع نظرة الصهاينة إلى الفلسطيني ومع كيفية تعامل الجنود والمستوطنين العنصرية مع فلسطيني القدس والضفة وأراضي 48 وغزة، سواء في حالة (السلم) أو في حالة الحرب. يُقصف المدنيون في غزة بل ويُقصف النازحون الذي هم في طريقهم إلى جنوبغزة، وتسمي الإدارة الأمريكية ذلك دفاعا عن النفس، وكذلك تسميه دول أوروبية أخرى، ويُقصف مستشفى المعمداني من قبل جيش الاحتلال بغزّة ويعلّق الصهيوني ذلك في رقبة الضحايا بادعائه أنهم لم ينفذوا أمره بإخلاء المستشفى، وحين خابت هذه الحجّة نُسب القصف إلى صاروخ للمقاومة، والكلّ يعلم أن صواريخ المقاومة ليست بهذه القوة التدميرية التي خلفت 500 شهيد ومئات الجرحى، ومع ذلك ينساب الرئيس الأمريكي وأتباعه في أوروبا مع الرواية الصهيونية في قلة حياء لم يسبق لها مثيل. الأكيد أنّ اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12غشت 1949، لم تظل حبرا على ورق، بل لا تزال تطبق على كلّ البلدان باستثناء الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني، مثلها كمثل قانون الإرهاب الذي يشهر كسيف مسلط على الدول والجماعات وعلى الأفراد باستثناء الولاياتالمتحدة وربيبتها (إسرائيل) ورعاياهما الأصليين في كلّ بلدان العالم، وهكذا يقولون لباقي الأمم فيما يتعلق بفلسطين عموما وغزة على الخصوص عن اتفاقية جنيف كما يقول المصريون (بلوها واشربوا ميّتها) أو كما يقول المغاربة (تبخروا بها)، بمعنى أنها، والعالم يرى بالمباشر الإبادة والتهجير للشعب الفلسطيني، لا تساوي عند الصهاينة والإدارة الأمريكية الحبر الذي كتبت به. ويبدو أنّ الدول الغربية التي تتجاهل المواثيق الدولية، التي وقعت عليها، عندما تساند العدوان الصهيوني على غزة بالقول والفعل أو بالصمت تستعري أمام العالم ليكتشف أنّها حكومات أُسست على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، ولو بدت عكس ذلك، وهي في حاجة إلى من يحميها من السقوط، والفرق بينها وبين الأنظمة العربية أنّ هذه الأخيرة تسمح لشعوبها بالتظاهر ضدّ هذا العدوان في حين يتعرض المتظاهرون في فرنسا وألمانيا مثلا إلى المنع والتضييق، والقاسم المشترك بينهما هو الخوف من عولمة الإصرار والشجاعة والاستمرار في المطالبة بالحقوق المشروعة والتضحية والتجرّد من الحسابات الشخصية من أجل ذلك. وعلى عكس الحكومات، عبرت الشعوب بقوة عن مساندتها للمقاومة الفلسطينية بكل الوسائل ورفضها لهذا العدوان ودعوتها لإنهاء التطبيع مع هذا الكيان الذي لا يُؤتمن لا على جيرانه ولا على المواثيق الموقعة معه، حيث خان كلّ المواثيق التي وقّعها مع الفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو بين ياسر عرفات ورئيس الوزراء الصهيوني إسحاق رابين في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر 1993 بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، فهذه الشعوب ترى فيها مستقبلها الذي كان بالأمس القريب حلما مستحيل التحقق من حيث إحياء الأمل في التغيير وفي إسقاط هذا الصرح الشيطاني الذي يقف حجر عثرة أمام كل انبعاث للأمم، والذي أصبح يملي على الدولة اختياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، ويحصي على المواطن أنفاسه وكلماته وميوله وبنات أفكاره، ولأنّها غير ديمقراطية ترى الحكومات في نجاح مشروع المقاومة في إثبات شرعيتها بقوة الإصرار والتضحية على الرغم من الشيطنة والضعف الذي تسوق له وسائل إعلام الأعداء والخصوم زلزالا مجهول العواقب، وتخشى تصدير هذا الثقة في النفس وفي المستقبل إلى العالم وتخشى إنعاش المعارضة وإخراجها من الحالة الكاريكاتيرية ومن حالة الغيبوبة التي أصبحت عليها إلى وضعية المعارضة الحاضرة القوية والبناءة.