أطلقت المقاومة طوفانها، وحددت أهدافها، وسارت سيرا حثيثا نحوها؛ فكانت ثمار الفعل عاجلة. لقد جُن جنون أمريكا فخرج قادتها صارخين مهددين مولولين، يعِدون ويتوعدون. بل حتى الرؤساء السابقون لأمريكا خرجوا معلنين هبتهم لإنقاذ (إسرائيل) من ورطتها، وقد كانوا بالأمس يظنون الفصائل المقاومة الفلسطينية مجرد أفراد معدودين لا يعتد بقولهم أو بتحذيرهم؛ لذلك راحوا يشجعون الكيان الغاصب على توسيع مستوطناته، بينما تولت الرئاسة الأمريكية تشكيل جبهة واسعة من المطبعين؛ وفتح أسواق العالم العربي خصوصا أمام بضائع المحتل الصهيوني. لكن المقاومة اليوم تكلمت فأوجعت، وأجبرت الجميع على الإنصات. غير أن النجاح الكامل لهذا الطوفان تقف أمامه تحديات حقيقية لابد من النجاح فيها لتحقيق النصر. التحدي الأول: مدى جاهزية المقاومة وقدرتها على ردع العدو بضرباتها، وقدرة احتياطها من حيث العتاد الحربي على الصمود مدة طويلة، فالمعركة يبدو أنها لن تكون قصيرة، بالرغم من أن المجتمع الصهيوني لا يقوى على تحمل التهديد اليومي، ويمارس ضغطه على الوساطات من أجل إيقاف الحرب، ولكن مع ذلك لابد من أخذ الاحتياط. التحدي الثاني: قدرتها على إقناع القادة الدول الإسلامية المؤمنين مبدئيا بالقضية وبخيار المقاومة لمدهم بالعتاد الحربي وبالغذاء الكافي وبكل ما يلزم شعب غزة للصمود؛ إسوة بما تفعله امريكا مع طفلها الرضيع علنا وما تفعله الدول الأخرى خفية، وعلى رأس هؤلاء القادة تركيا وقطر وإيران. التحدي الثالث: قدرتها على تمتين سلامة الصف الداخلي ووحدة موقفه النضالي، وتوحيد خطوات التنسيق في خطوط الدفاع والهجوم مع كل الفصائل التي تحمل سلاحها بلا استثناء، ففي هذه الأوقات العصيبة لا مجال للخلاف الفكري أو السياسي، فالجبهة القتالية توحد الجميع. التحدي الرابع: جاهزية الشعوب العربية وصمودها في وجه خيارات التطبيع، وصراخها المتواصل في وجه قادتها الذين سودوا وجهها ولطخوا تاريخها بوصمة عار ستظل نُدبة سوداء في وجوههم ما لم يمسحوها بالتصالح مع خيار الأمة؛ خيار المقاومة، والوقوف في وجه المحتل الغاصب. التحدي الخامس: قدرة الشعوب على توحيد كلمتها وإحراج قادتها على التراجع والعودة عن الباطل بدل التمادي فيه، فإقناع القادة بخطأ خيار التطبيع لا تكفي جهة واحدة لتدفع القادة إلى التراجع عنه، بل إن الأمر يحتاج إلى هبة شعبية حقيقية، ترفع المأساة عن أهل غزة الصامدين، وتفك العزلة عن هذه البقعة التي أدهشت العالم، بالرغم من تكالب قوى الشر عليها. التحدي السادس: قدرة المقاومة على الموازنة في خطابها بين التصعيد والوعيد والتهديد الموجه للعدو في إدارة الحرب النفسية التي لا تقل مكانتها عن حرب السلاح، وبين خطاب آخر تواجه به المنصفين من أحرار العالم، تعري من خلاله ازدواجية الدول العظمى وتهافت خطابها، وتكشف للعالم الحقائق كاملة، وتسعى للإقناع بعدالة قضيتنا، كما تسعى إلى كشف سوء الأخلاق في الممارسة الحربية للعدو، وسمو أخلاقنا الحربية. التحدي السابع: قدرة المقاومة على المناورة السياسية من أجل تحقيق مطالبها العادلة بأقل عدد من الضحايا. خصوصا أن الورقة الكبيرة التي حصلوا عليها تعطيهم وضعا تفاوضيا قويا. فبالأمس كان لديهم شاليط وحده، وأخرجوا من سجون الاحتلال ما يزيد على ألف أسير، لكن الوضع اليوم مختلف؛ فالأسرى قادة عسكريون، وجنود، ومقاتلون يحملون جنسيات جدول غربية، والعدد كبير؛ لم تكشف عنه المقاومة إلى اليوم. التحدي الثامن: تحدي ضبط النفس، فقد شن العدو الصهيوني بعد استعادة توازنه من أثر الصدمة الأولى حربا إعلامية شرسة، مدعومة بقذف متواصل للمدنيين، حتى وصل الأمر إلى تدمير أحياء بكاملها؛ وكان من الطبيعي أن يستفز هذا السلوك أسود المقاومة؛ لكن تفكير كتائب القسام في قتل ضحية من بين الأسرى مع كل هجوم تقوم به إسرائيل مخالف للقيم الحربية التي تبنتها أجهزة المقاومة منذ يومها الأول. فمثل هذه الأفعال، إذا وقعت يكون الرابح الوحيد فيها هو العدو، فمن خلال ذلك تقدم له المقاومة هدية تساعده على تشويه صورتها إعلاميا، وفي نفس الوقت تخسر رهينة كانت سلاحا تفاوضيا في يدها. التحدي التاسع: مدى تجاوب الجبهات المحادية مع الطوفان، فلن يكون الطوفان طوفانا حقيقيا ما لم تفجر المقاومة الأرض من تحت العدو في الضفة وفي أراضي 48 وفي المخيمات المحادية وفي جبهة حزب الله، وفي هضبة الجولان السورية. وقد بدأت جبهة حزب الله تجبر العدو على توزيع قوته بين الجبهتين. فأكثر ما تحتاجه المقاومة اليوم هو تشتيت جهود العدو، وإجباره على توزيع قواته بين جبهات القتال، وتشتيت انتباهه حتى لا يستطيع تركيز جهوده على جبهة واحدة. والخلاصة أن معركة طوفان الأقصى ليست كغيرها من المعارك السابقة، وليس النصر فيها بالهين؛ فالأمر يحتاج وقتا وكياسة حربية، وقدرة سياسية عالية على المناورة وكسب النقاط من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.