الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    دهس عمدي يوقف 7 أشخاص بالبيضاء    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    قيود الاتحاد الأوروبي على تحويلات الأموال.. هل تُعرقل تحويلات المغاربة في الخارج؟    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف            تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة تحت النار (53، 54 ،55)

غراس المقاومة جنى السياسة / لا اعتراض أن يقوم السياسيون بجني غراس المقاومين، وحصاد ما زرعته المقاومة، فهذا هو الشئ الطبيعي والمفترض أن يكون، وهو ما اتبعته كل الثورات السابقة، وعلى نهجه مضت كل الانتفاضات،
والتزم به المقاومون جميعاً، فكان الجزائريون يفاوضون الاستعمار الفرنسي في باريس بينما ثورتهم قائمة، ومقاومتهم متقدة، لا تقف ولا تتراجع، وكذا كان حال الفيتناميين الذين كانوا يفاوضون تحت النار، وبيوت الصفيح في أرضهم تحترق، وأرواح الآلاف من شعبهم تزهق، ولكن بندقيتهم بقيت مشرعة، ومخازن سلاحهم بقيت عامرة، وأنفاقهم كانت تلهب الأرض لهيباً تحت أقدام الأمريكيين، فتفاجئهم كبركان، وتدمر وحداتهم كزلزال، وغالباً كان النصر حليف المقاومين، والغلبة للمفاوضين الوطنيين في ظل النار.
لا قيمة للمقاومة إن لم يكن لها نتائج سياسية، ولا نفع منها إن لم تتبعها تغييراتٌ حقيقية، تحقق المطالب، وتحصل على ما انطلقت من أجله، كله أو بعضه، وإلا استحالت ضرباً أعمى، وعنفاً أهوجاً، وممارسة للقوة على غير هدى، ومجالاً رحباً للعدو أن يمارس فيه هواية القتل والتدمير، والقصف والتخريب، ويكون الشعب هو الخاسر الأكبر فيها، بفقده لأرواح أبنائه، وتدمير مقومات وطنه، فلا يوجد شعبٌ يحب القتال لأجل القتال، وإنما يضطر إليه عندما تنعدم أمامه كل السبل الأخرى، وتضيق الخيارات التي بين يديه، ويتعنت العدو ويتصلب، ويرفض ويتمنع، فلا يكون أمام الشعب غالباً إلا خيار المقاومة المسلحة، التي تتكفل دوماً بإرادة الشعب وصموده، بتحقيق الكثير مما تصبو إليه الشعوب المحتلة.
لا اعتراض البتة على الفريق الفلسطيني المفاوض في القاهرة باسم المقاومة، فهو قد خرج باسمها، ليكون معبراً عنها، وناطقاً باسمها، ليشرح موقفها، ويعرض شروطها، ويبين حاجتها، وليؤكد على استمراريتها إذا أصر العدو على عدوانه، ومضى أكثر في سياساته، وأغمض عيونه عن شروط الشعب وحاجاته، وطالب أن يعود إلى سابق عهده، فيحاصر دوماً، ويعتدي إذا شاء، وليحمل المجتمع الدولي كامل المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن الجرائم والمجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال بسلاحه ضد الإنسانية.
ليتذكر المفاوضون الفلسطينيون في القاهرة أن شعبهم ما زال تحت النار، وأن الطائرات الإسرائيلية تقصفهم على مدى الليل والنهار، وأن آلة القتل البشعة تمارس نشاطها، وتوزع حممها، وتقتل مع كل قذيفةٍ العشرات من أبنائنا، وتبيد عائلاتٍ فلسطينية بأكملها، صغاراً وكباراً، ورجالاً ونساءً، وأن طفلاً فلسطينياً على الأقل يقتل كل ساعة، وأن نصف الشهداء أطفالٌ ونساء، وأن كل الشهداء مدنيون ومواطنون مسالمون.
ليتذكر المفاوضون أن أرضهم تشتعل، وبيوتهم تدمر، وحياة أهلهم باتت صعبة إن لم تكن مستحيلة، ولكن راية مقاومتهم ما زالت عاليةً خفاقة، تثخن في صفوف العدو، وتلتف خلف خطوط النار، وتخرج له كل وقتٍ وحينٍ من جوف الأرض جبارة، تقتل وتجرح، وتدمر وتنسف، وتأسر أحياناً، وتقصف عمق الكيان وشماله، وترعب وسطه وجنوبه، ما يجعل المقاومة بخير، وإرادة الصمود في صعودٍ وسعود.
على المفاوضين الفلسطينيين أن يعكسوا في حواراتهم روح العزة والكرامة التي صنعتها المقاومة، وأن يرفعوا الرأس عالياً في مواجهة مفاوضيهم، وألا يظهروا أمامهم ضعفاً ولا عجزاً، ولا ذلاً ولا خنوعاً، فهم لا يمثلون أنفسهم، ولا ينطقون بلسان حالهم، إنما يعبرون عن مقاومةٍ صعدت ألسنة نيرانها إلى عنان السماء، وعانقت صواريخها سماء الوطن، ووحدت بإرادتها كل فلسطين، وجمعت حولها كل الأمة، فلا ينبغي أن يظهروا عجزاً، أو أن يبدوا ضعفاً، أو أن يخفتوا صوتاً، أو أن يجبنوا خوفاً من عدوٍ، أو تجنباً لغضب صديق، أو عقاب حليف.
فأنتم أيها المفاوضون لستم أصحاب الغرس، ولا ملاك الزرع، فلا حق لكم في التفريط فيه أو التنازل عنه، إنما مهمتكم فقط أن تجنوا الثمار، وتحصدوا السنابل، وتجمعوا الغلال، دون أن تتركوا وراءكم شيئاً، أو تتخلوا عن بعضه أو جزءٍ منه لعدوكم، ولا حتى لصديقكم، فأنتم لستم أصحاب حقٍ في التصرف، فكونوا على قدر الأمانة، وأبدوا لشعبكم كما مقاومتكم بسالةً وشجاعة، وقوةً وصلابة، وإرادةً وصموداً، واعلموا أن شعبكم سيكون سعيداً بثباتكم، راضياً عن صمودكم، ومؤيداً لعنادكم، وإن كانت طائرات العدو الحربية تغير عليه، ودبابته تقصف بيوته، وتقتل رجاله وأبناءه، وتحاول الضغط عليكم من خلاله، إلا أنه لا يريد أن يفقد بالسياسة ما قد حققه بقوة المقاومة.
أيها المفاوضون في القاهرة أروا الله وشعبكم اليوم قوة مقاومتكم، وعدالة قضيتكم، وإنسانية مطالبكم، وشرعية شروطكم، وصدقية مواقفكم، وتسلحوا بعد الله عز وجل بإرادة شعبكم وصمود مقاومتكم، وكونوا لشعبكم خير رسل، ولمقاومتكم أفضل رواد، واعلموا أن الرائد لا يكذب أهله، وأن الرسول لا يخدع شعبه، وإياكم والغرور والتكبر، والتفاخر والتعالي، بل كونوا لبعضكم متواضعين، وفي مواجهة عدوكم كباراً أعزة، فما أنتم إلا أسماءً سمتها المقاومة، وأرادها الشعب.
واعلموا وأنتم تلبسون الحلل الفاخرة، وتضعون ربطات العنق الأنيقة، وتتنقلون في السيارات الفارهة، وتسكنون الفنادق العامرة، وتأكلون ما لذ وطاب من الطعام، وتنامون آمنين ملء جفونكم، وتضحكون ملء أشداقكم، أن المقاومة لن تغفر لكم أي تقصير، ولن تقبل منكم أي تنازل، فما أعطاه الشعب كبير، وما تتمناه الأمة أكبر، وما زرعته المقاومة في عمق الأرض عظيم، وإن ثماره ليانعةٌ، فاعملوا ليومٍ يحسن فيه الشعب استقبالكم، ويخرج برجاله ونسائه للترحيب بكم، وتوجيه التحية إليكم.
الأحد 02:25 الموافق 3/8/2014 (اليوم الثامن والعشرون للعدوان)
المقاومة صدقٌ وإرادة قبل العدة والسلاح
يتبجح العدو الصهيوني أمام شعبه وفي وسائل الإعلام، أنه دمر أكثر من ثلثي مخزون المقاومة الفلسطينية من الصواريخ والأسلحة، وأنه اكتشف ودمر أغلب الأنفاق المؤدية إلى البلدات الإسرائيلية، وأن البنية التحتية لفصائل المقاومة قد تضررت كثيراً، وأنها تلقت ضربةً موجعة، طالت مخازن السلاح، ومنصات الصواريخ، والعقول المصنعة ومطلقيها، وأنه أصبح من الصعب عليها أن تستعيد عافيتها بسهولة، أو أن ترمم قدراتها بسرعة، كما يستحيل عليها في ظل إغلاق الأنفاق من الجانب المصري أن تعيد ملأ مخازنها، ولهذا فإن على المجتمع الدولي أن يبادر إلى اجتماعٍ مسؤول للتأكيد على نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وجعل قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح، قبل المباشرة في مشاريع إعادة إعماره، وفتح معابره، وتحسين ظروفه الاقتصادية، لئلا تتكرر مأساة السكان مرةً أخرى.
يعلم العدو الصهيوني أنه يكذب على شعبه ويخدعه، وأنه يخفي عنه الحقيقة كلها أو بعضها، أو يقسطها عليه على مراحل، لئلا يصدم ويحبط، أو يخيب في حكومته رجاؤه، ويفقد في جيش كيانه أمله، كما أنه يفرض على وسائل الإعلام رقابةً شديدة، لئلا تسرب خبراً، أو تؤكد نبأً، وهو إذ يكذب على شعبه، فإنه لا يصدق نفسه، وإنما يحاول أن يطمئن شعبه، ويمني نفسه، بأنه قد انتصر وحقق أهدافه، وأنه يمضي وفق الخطة التي وضعها، وأن بنية المقاومة في قطاع غزة قد تضررت، وأن الخطر المتوقع منها قد تراجع.
إلا أن قادة جيش العدو لا يستطيعون إخفاء قلقهم، أو إنكار خوفهم مما لقيه جيشهم على أيدي المقاومة، وأنهم عندما يطمئنون الشارع الإسرائيلي فإنهم يتطلعون إليه ليمنحهم المزيد من الصبر والاحتمال، وأن يكون مهيأً لتلقي أي خبر، وتوقع أي نتيجة، فهم يواجهون صعوبة كبيرة في مواجهة المقاومة الفلسطينية، التي يبدو أنها مدربة ومهيأة، وأنها قد استعدت جيداً لهذه المواجهة، وأنه لديها ما تفاجئ به الجيش، الذي لم يكن لديه الخبرة الكافية على خوض حروب الأنفاق، فضلاً عن فنون حرب العصابات التي أتقنتها المقاومة، بتكتيكاتٍ جديدة، وأسلحةٍ متطورةٍ، خطيرة وفتاكة.
إنها الحرب الرابعة التي يشنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة في غضون أقل من عشر سنواتٍ، وكان أرئيل شارون قد بدأها بعنفٍ شديدٍ، فجزأ القطاع، وعزله عن بعضه، ومنع تواصل سكانه، ودك مدينة رفح، وحفر أطرافها، وجعل عاليها سافلها، ودمر بلدات خانيونس وعاث فيها فساداً، ونصب على طرقاتها الحواجز، وواصل الحرب من بعده أيهود أولمرت ومن جاء بعده، ولكن هذه الحروب وقد كانت جميعها قاسية وصعبة، واستخدم العدو فيها كل أسلحته المدمرة، ولم يدخر جهداً في القسوة على السكان، لم تستطع أن تضع حداً للمقاومة، أو أن تنهي روح التحدي لدى السكان، بل إن كل جيلٍ كان يسلم الراية لجيلٍ أشد وأقوى، وأصلب وأكثر ثباتاً.
ذلك ليعلم العدو الصهيوني وأقطاب حكومته المتشددة المتطرفة، أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن المقاومة، ولن يقبلوا بالضعف، ولن يستسلموا لمحاولات القهر، وأن مساعيه لتجريدهم من سلاحهم، والقضاء على روح المقاومة عندهم ستبوء دوماً بالفشل، ولن تؤدي النتيجة المرجوة، ولن تحقق لهم الأمل المنشود، ولن يكون من بين الفلسطينيين من يقبل بموت المقاومة، ويسلم بعجزه أمام قوة العدو، ويقبل منه لضعفه ما كان يرفضه دوماً، ذلك أن المقاومة روحٌ تسري، وعقيدة تسكن، ودماءٌ تجري، ووعيٌ كامن، وإرادة باقية، لا يمكن للقوة العمياء أن تقضي عليها، ولا للعنف الأهوج أن ينهي وجودها.
السلاح ضرورة، ولعله كان العامل الأهم في هذه الحرب، إذ فاجأ المقاومون العدو بأنهم كانوا على أعلى درجات الجاهزية والاستعداد، وأنهم قد تدربوا جيداً، واستعدوا كثيراً، وامتلكوا من السلاح ما لم يكن يتوقعه، وصنعوا بأيديهم ما عجزوا عن إدخاله، وقاتلوه ببسالةٍ منقطعة النظير، وشجاعةٍ عزَّ أن تكون لغيرهم، وأنهم كانوا يخرجون له من جوف الأرض فجأة، بهيئاتٍ مخيفة، وأسلحةٍ قاتلة، ووجوهٍ صلبةٍ، وعيونٍ واثقةٍ، وخطىً ثابتة، وكأنهم أشباحٌ تنشق عنهم الأرض تباعاً، ثم تعود فتبلعهم من جديد، ولكن بعد أن ينفذوا بدقةٍ تامةٍ، ويقينٍ بالنجاح، ما قد خرجوا من أجله.
لكن ما خفي على العدو الإسرائيلي وغيره، أن مقاومة الفلسطينيين في قطاع غزة، بكل أشكالها وأطيافها، وبشعبها الحاضن الصابر العظيم، ما كانت سلاحاً فقط، ولا عتاداً فتاكاً، ولا أنفاقاً جديدة، بل كانت قبل هذا كله إرادةً من حديد، وتصميماً لا يلين، وعزماً جديداً لا يعرف المستحيل، ويقيناً بالنصر واثقاً لا يتزعزع، وثباتاً على الأهداف لا يهتز ولا يتردد، وصبراً عجيباً يصنع المعجزات.
إنها إرادة الشعب الذي صنع السلاح، وحفر الأنفاق، وواصل إطلاق الصواريخ، واجتاز الحدود، والتف خلف خطوط النار، واقتحم المعسكرات، وتسلل إلى الثكنات، واشتبك مع القواعد والحراسات، وقاتل العدو من نقطة الصفر، ونال من هيبة الجيش والشعب، وهزأ الحكومة والقادة، وفضح الأنظمة والسادة، وكشف زيف الجمهوريات الممالك، وبين غدر الرؤساء والملوك، إنه لشعبٌ قادرٌ دوماً أن يكون الأقوى بإرادته قبل سلاحه، وبيقينه قبل عتاده، وبصدقه وإخلاصه قبل صواريخه ومعداته.
فلا يفرح العدو وهو الكاذب، ولا ينتشي وهو الخاسر، ولا ينفش ريشه وهو المنتوف ريشه، والمهزوم جيشه، والراحلة حكومته، والمحاكمة قيادته، ذلك أن المقاومة أقسمت أن تنتصر، وستنتصر دوماً بإذن الله، وسيرون منها ما لا يتوقعون، وأكثر مما كانوا يظنون.
الأحد 23:25 الموافق 3/8/2014 (اليوم الثامن والعشرون)
جيش الدفاع الفلسطيني
ألا ترون أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتخلي الأنظمة العربية عن نصرة الفلسطينيين، ونفض أيدي البعض من المسؤولية، وتآمر آخرين مع العدو، وحالة التلاحم البطولية التي سادت بين الفصائل الفلسطينية والكتائب العسكرية المقاتلة، والأداء العسكري المقاوم المذهل الذي قام به المقاومون، والقدرات الإبداعية التي كشفوا عنها، والجاهزية العالية والكفاءة القتالية التي تمتع بها المقاتلون في الميدان، واعترف بها العدو بعد أن اكتوى بها، تفرض علينا أن نؤسس لجيش دفاعٍ وطني فلسطيني، يكون في مواجهة جيش العدوان الإسرائيلي، ليضع حداً لتوغلاته، ويصد اعتداءاته، ويجبره على احترام الاتفاقيات والتعهدات، فلا يخترقها ولا يتجاوزها.
وأن يكون لجيشنا قائدٌ عام، وهيئة أركان، وفرق وألوية وكتائب، وجنودٌ وأسلحة ومعدات، ومعسكراتٌ وثكنات، وكليات وأكاديميات، ومناهج عمل وبرامج تأهيلٍ، ودورات تدريب وبعثاثٌ دولية لاكتساب الخبرة ونيل الأهلية، على أن يكون لهذا الجيش قبل هذا كله عقيدة قتالية، وفلسفة نضالية، تقوم على قاعدة المقاومة، وتتبنى العمل العسكري خياراً أساسياً لتحرير فلسطين، وعودة اللاجئين واستعادة الحقوق، واستقلال الدولة وبناء الوطن، فلا يتعطل دوره، ولا ينشغل بغير مهمته، ولا يلتفت لغير وظيفته، ولا يرتهن قراره، ولا يوظف قدراته، ولا يأتمر بغير إرادة شعبه، ومصالح وطنه.
الفلسطينيون يستحقون أن يكون لهم جيشٌ وطني، يدافع عنهم، ويقاتل من أجلهم، ويصد بقدراته عدوهم، ويحقق الانتصار بإرادته عليه، إذ لا شيء يصد العدو غير القوة، ولا يوجد ما يمنعه غير الخوف من الخسارة، ولا ما يردعه غير السلاح الذي يخلق الهلع، ويزرع الفزع، ويصنع معادلة الرعب، فيخيف مستوطنيه، ويقتل جنوده، ويعطل حياته، ويخرب اقتصاده، ويجفف منابع الهجرة إليه، ويجعل الحياة العامة في كيانه صعبة، والاستقرار فيه مستحيل، ويجبر الوافدين على المغادرة، والحالمين على العودة، فهذا ما كابده الكيان الصهيوني خلال عدوانه على قطاع غزة، وما زال يكابد منه ويعاني، ولن تنتهي تداعيات هذا العدوان أبداً، بل ستبقى آثاره قائمة تلاحقه وتقض مضاجعه، وتترك آثارها على سكانه والقادمين لزيارته.
الفلسطينيون لديهم الرغبة الجامحة لأن يكون لهم جيشٌ وطني، قويٌ وعنيد، وصلبٌ وشديد، وشابٌ وجلدٌ، وصبورٌ ومتفاني، ويتمتع بعقيدةٍ صادقة، وله قيادة رشيدة، تتقدم الصفوف، وتضحي قبلهم، وتقدم أكثر منهم، وتكون مثالاً للجنود، وتجعل من نفسها لهم نموذجاً ومثالاً، يحتذون بهم ويتعلمون منهم، ويزرعون فيهم عقيدة الوطن، ويؤكد في رسالتهم اليومية أن الكيان الصهيوني هو عدو الشعب الفلسطيني، وأنه المحتل لأرضنا، والغاصب لحقوقنا، والمنتهك لحرماتنا، والمدنس لمقدساتنا، وأن على الجيش مهمة تحقيق أماني الشعب وطموحاته، فضلاً عن حمايته والدفاع عنه، وأنه لا سلام مع العدو ولا اتفاق معه، ولا تسليم بتفوقه، ولا إقرار بقوته، وأنه ينبغي العمل بجدٍ واجتهاد لنكون نحن الأقوى والأقدر، والأكثر تسليحاً والأفضل تنظيماً.
إنه ليس حلماً ولا خيالاً، بل هو أملٌ حقيقي وطموحٌ واقعي، يمكننا الوصول إليه بالإرادة الصادقة، والإخلاص والتجرد، والعمل الجاد المسؤول، ولعل شباب فلسطين ورجالها، يتطلعون في الوطن وفي الشتات، أن يكونوا جزءاً من هذا الجيش، وأن ينالهم شرف المقاومة، وفخر الدفاع عن الشعب والوطن، والأرض والمقدسات، بل إنهم يتسابقون للانتساب إليه، والانتماء إلى صفوفه، وحمل عقيدته، وسيجد المخلصون في سعيهم، والماضون إلى هدفهم، من شعبهم كل حماسةٍ ورغبة، واقبالٍ واقدام، ذلك أنهم ما عادوا يثقون بعد الله بغير سواعدهم، ولا يؤمنون بغير ظفرهم يحك جلدهم، وسلاحهم يحرر أرضهم، وقوتهم تضع حداً لعدوهم، وقد أثبتوا أنهم في صُبُرٌ في الحرب، وصُدُقٌ عند اللقاء، وأنهم والشجاعة صنوان، وفي القوة والجرأة فرسا رهان.
قد أصابنا من العدوان الإسرائيلي البغيض على أهلنا في قطاع غزة أذىً كبيراً، ولحقت بنا خسائر عظيمة، فسقط منا الجرحى والشهداء، وهدمت بيوتنا ومساكننا، وخربت مخيماتنا وبلداتنا، ولكننا خرجنا من هذه الحرب العدوانية نؤمن بقدسية الوحدة ووجوبها، ونتمسك بها ونحرص عليها، فمضينا موحدين متفقين، في المقاومة وفي المفاوضات، فكنا في القتال صفاً واحداً، لا نلين ولا نضعف، ولا نتراجع ولا نتقهقر، بل نتقدم ولا نتأخر، وفي المفاوضات خرجنا وفداً واحداً، واثقين لا نتردد، وثابتين لا نتنازل، بل نشعر بالقوة إذ أننا نركن إلى مقاومةٍ بقيت واقفة، واستمرت حتى اللحظة الأخيرة مقاتلة، رغم رهان العدو على ضرب منصات صواريخهم، وقصف مخازنهم، أو انتهاء مخزونهم، ولكن رهان العدو ذهب أدراج الرياح، وخاب فأله، وأخطأت حساباته وتوقعاته، وبقيت المقاومة سيدة الموقف، وصاحبة القرار.
العدو الصهيوني يحلم بنزع سلاحنا، ويجأر إلى العالم كله صارخاً مستنجداً أن يجرد الفلسطينيين من سلاحهم، وأن يجعل قطاع غزة منطقةً منزوعة السلاح، ويطالب الأمم المتحدة أن تتدخل فيه بقواتٍ أممية كي تضمن القيام بهذه المهمة، لعلمه أنها صعبة إن لم تكن مستحيلة، إذ بات يقيناً لديه أن هذا الشعب إن امتشق السلاح انتصر، وإن هو صمم على اقتناء السلاح نجح، وإن فرض عليه الحصار وأغلقت دونه البوابات والمعابر، فإنه قادرٌ على الخلق والتصنيع، والإعداد والتجهيز، كما أدرك أنه كلما حاول القضاء على المقاومة غدت أقوى وأصلب، وأشد وأقسى، وأصبحت أعمق جذراً وأكثر فرعاً.
إن كان العدو يحلم بنزع سلاحنا، فإننا نحلم ببناء جيشنا، وتجهيز أنفسنا، وبناء قدراتنا، وتدريب شبابنا، والاستعداد إلى معركةِ الفصل، وحرب البقاء، فإنَّا وإياه على موعدٍ، قد ضربناه نحن وحددناه، وأقسمنا بالله أن نفي بوعدنا، وأن نرفع ألوية جيشنا الوطني، وبيارق كتائبنا المقاتلة، وإنّا على ذلك بإذن الله لقادرون.
الاثنين 17:30 الموافق 4/8/2014 (اليوم التاسع والعشرون للعدوان)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.