شكلت البشرى التي زفّها الملك محمد السادس للمغاربة، بنيل بلادهم شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030، تتويجا لمسار بدأ قبل ثلاثين عاما، وتتويجا لعمل جاد بدأ قبل قرابة العشر سنوات، من أجل توفير "الشروط الموضوعية" الكفيلة بنجاح السعي المغربي، وتجاوز الإخفاقات السابقة. سعي "واقعي" جاد، تضافرت جهود عدة مؤسسات من أجل إيصاله إلى النتيجة المرجوة، وتحويل الأحلام العظيمة إلى حقيقة ملموسة. فمقارنة بالملفات غير الواقعية خلال حقبة التسعينات (1994 و1998)، بدأت أولى المحاولات الجادة عام 2006 وكادت تؤتي أكلها عام 2010، لولا الظروف "غير الرياضية" التي يعلمها الجميع. لكن الجهد الحقيقي، كان خلال الفترة التي اضطر المغرب لانتظارها بعد مونديال جنوب أفريقيا، قبل أن تستطيع أفريقيا التقدم مجددا بطلب التنظيم (2010-2018). جهود بدأت بتجديد الجهاز المشرف على جامعة الكرة عام 2015، الذي دشن عملا جادا قاد في النهاية إلى التألق وتحقيق إنجاز غير مسبوق عربيا وإفريقيا في مونديال 2022 في قطر، وشرع الباب أمام النجاح في المحاولة الحالية السادسة، مستفيدا من كبوة محاولة تنظيم مونديال 2026 في مواجهة الملف المشترك لأمريكا الشمالية. ويحق للمغاربة أن يبادلوا ملكهم تهنئة بتهنئة، حيث إن الإنجاز الحالي، لا ينفصل عن النجاحات المسجلة بأسم بلادهم خلال العقدين الأخيرين على مختلف الأصعدة، السياسية والأقتصادية والرياضية والثقافية والاجتماعية، بتوجيه وإشراف مباشر من الملك محمد السادس، الذي يسهر على وضع الأستراتيجيات الكبرى، ومتابعة جهود مختلف أجهزة الدولة لأنجازها. هذا النجاح، إن اعتبرناه مثالا، لا نملك إلا أن نستحضر نقيضه على الضفة الشرقية. فجنرالات الجزائر، وخلال نفس الفترة، يعيشون فترة إفلاس تام عنوانها "الفشل" على جميع الأصعدة، عاشها الجزائريون منذ الشلل الذي أصاب رأس النظام وباقي أجهزته عام 2013، مع الجلطة التي تعرض لها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأخرجت ملايين الجزائريين في النهاية إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط هذا النظام "المشلول". وتأتي لحظة كورونا، لتمنح جنرالات هذا النظام الفرصة لإجهاضه؛ وتسمح لهم بالانقلاب على الخطوات التي بدأها الجنرال القوي الراحل أحمد قايد صالح؛ وتتيح تسليم زمام الأمور إلى واجهة مدنية "صورية" ممثلة في الرئيس الحالي عبد المجيد تبون. ومنذ تلك اللحظة، وتحت تأثير "كابوس" احتمال تكرار مشاهدة ملايين الجزائريين في الشوارع مرة أخرى، يعيش الجزائريون فصلا جديدا من الفشل -وإن اختلفت أدواته- ناجم عن عدم قدرة النظام المحكوم بنفس الجنرالات، المدنيين منهم والعسكريين، على تجديد نفسه. وللتغطية على واقع الفشل، والعجز عن تغييره، لا يجد أركان النظام وسيلة سوى المراهنة على كسب مزيد من الوقت أمام جموع الجزائريين، بالاعتماد على الترويج "لانتصارات" وهمية بأدوات دعائية، وشغل الرأي العام المحلي بإنجازات هامشية أو متوهمة، بالاعتماد على الكذب والتدليس والتلاعب بالأرقام والإحصائيات، دون التوقف للتساؤل لحظة، حول مدى تصديق الجزائريين لأكاذيب رئيسهم ووزرائهم ووسائل إعلامهم. وهكذا، ورغم محاولة جنرالات الجزائر سلوك دروب أقرانهم المغاربة، شبرا بشبر وذراعا بذراع، فإن الفشل هو العنوان في كل مرة. فأمام تألق المغاربة في كؤوس العالم المتعاقبة، تسجل الكرة الجزائرية غيابها عن آخر مونديالين، على الرغم من تميزهم الكروي للامانة. أما استضافة كأس أفريقيا للأمم لعام 2025 والتي جعلها مسؤولو الجزائر عنوانا لنجاحهم، فقد انتهت بهزيمة ساحقة وانسحاب مذلّ من السباق أمام المغرب بالذات، بل "ولحس" جميع تصريحاتهم حول مصيرية الاستضافة، بالحديث عن أن هذه الاستضافة لم تكن يوما هدفا جزائريا. وفي الطريق إلى هذا الفشل، ضخّم الإعلام الجزائري، أحداث استضافة الجزائر لأحداث رياضية أقل شأنا، والتي تسبب "هواية" القائمين عليها، في تحويلها إلى "فضائح" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أما المعارك الحقيقية، والمتعلقة بحياة المواطنين، والقدرة على تلبية احتياجاتهم المعيشية، فلم يكن متصورا -إلا للإعلام الدعائي الجزائري- أن تنجح فيها، نفس السلطات التي فشلت في مهمات أقل شأنا. وهكذا، وبعد كل زوبعة دعائية، ينتهي الأمر بسلطات الجزائر، بدء من رئيسها، بالإقرار بالفشل، كما حصل في "الأنضمام المضمون للبريكس"، الذي تبخر دون مقدمات، وإعادة سوريا للجامعة العربية في قمة الجزائر، التي أنجزتها السعودية، وإنجاز المصالحة الفلسطينية، الذي لم تسهم الملايين الجزائرية في تحويله إلى واقع! نفس الأمر ينطبق على هدف رفع الصادرات غير النفطية إلى أزيد من عشرة أو اثني عشر مليار دولار، والتحول إلى عملاق في صناعة السيارات، الطاقة الشمسية، وتحلية المياه، الهيدروجين الأخضر، وغيرها من المجالات التي يبشر بها "ويطبل" لها إعلامه، وتنتهي دائما إلى.. "لا شيء"!! متجاهلين أن الفيصل بالنسبة للمواطنين الجزائريين، هو مدى وفرة المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجونها بكثرة، وثمنها، والمدة التي يحتاجون للحصول عليها، وكذا الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وغيرها. وهو ما يترجمه باختصار "ودون فذلكة أو تنظير"، الواقع اليومي المتمثل في الطوابير الطويلة، التي تهزم كل دعاية إعلامية عن نجاحات النظام الجزائري الوهمية! في المقابل، ورغم الصعوبات المعيشية التي تواجهها الطبقة الفقيرة، يستطيع المواطن المغربي أن يحصل على هذه الأحتياجات، ويتمتع بهذه الخدمات، دون عناء أو طوابير، ويعيش يوميا "فتحا" جديدا لبلاده متمثلا في تطور اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي، وهو ما يشاهده المغاربة وهم يتابعون تقدم بلادهم على درب صناعة السيارات والطائرات، مشاريع الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، تطور بنيتهم التحتية من موانئ ومطارات وقطارات سريعة وطرق سيارة، واثقين في وعود حكومتهم في مجالات تحلية المياه وتحسين الخدمات الطبية والتعليمية، بعد أن كان شهودا على "حقائق" الإنجازات السابقة، بعيدا عن الشعارات ولغة الخشب. كخلاصة، لا يحتاج الإنجاز الحقيقي إلى التوفر على مليارات الدولارات، وإن كان توفرها كفيل بتسهيل الإنجاز وتسريعه، عند من يعرف كيف يوجهها، ويؤمن بما يقوم به! لكن الأهم من التوفر على المليارات، هو التوفر على رؤية واضحة وعزيمة صادقة، ومتابعة حثيثة من جهة تحظى بثقة المواطنين بملكهم، وهي الأمور المتوفرة في المغرب، وتفتقدها الجزائر، مهما اجتهد الإعلام الدعائي للنظام في المكابرة والكذب. فالإحصائيات الدولية، وحقائق الواقع الذي يعيشه الجزائريون، مع انفتاح العالم على بعضه عبر وسائل التواصل الحديثة، تكشف حجم الهوة التي تفصل نظام الجنرالات عن جيرانه، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن خروج ملايين الجزائريين للشارع، للمطالبة بإسقاط نظامهم القائم منذ الأستقلال الصوري عن فرنسا، كان أمرا مشروعا، ومبررا، ولن يأتي الخلاص إلا بتكرار هذا الحراك ونجاحه!