لقد لعبت فرنسا على مدار عقود، على حبلي التنافس والندية المغربي والجزائري، ولصالح الأخيرة، حيث اقتطعت اراضي مغربية والحقتها بالجزائر بمقتضى اتفاقيات ايفيان وملحقاتها السرية وغيرها في كل من بشار وتندوف وأدرار وعين صالح وتمنراست وغيرها. وهاهي فرنسا اليوم تفقد الجزائر وتفقد ثقة المغرب، وفي طريق فك وفقدان كل ارتباط مع مستعمراتها في أفريقيا بسبب روسيا و بتواطئ جزائري فج، بحيث تحل روسيا محلها دون عناء عن طريق توفير القاعدة والحماية الخلفية لروسيا وعرقلة وتعقيد التدخل الفرنسي، و لكون الشعوب الافريقية يئست من هيمنة فرنسيا على سيادتها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعسكريا. وما يهمنا كمغاربة، هو خصوصية المرحلة، فهي لحظة منتجة لصالح الاعتراف الفرنسي بحقوق المغرب الترابية في الصحراء الشرقية، التي أقتطعت من المغرب، و حرم منها إلى الآن وحتى الآن بسببها. وتبقى فرنسا مسؤولة عنها رغم مرور الوقت، لأنها حقوق لا تسقط ولا يطالها التقادم . والدبلوماسية المغربية مطالبة على التفاعل الذكي والسريع مع ديناميكية هذه المرحلة بالذات، مع مجريات الأمور في شمال افريقيا والساحل والغرب الأفريقي، وعدم الركون الى الحياد السلبي، الذي يمنح نقطا مجانية للجزائر، وقد يرتبها تعسفا في مركز متقدم لا يؤول لها ضدا على عوامل التقدير و عناصر الاستحقاق و على نقيض شرعية الرابط التاريخي. فالشرعية التاريخية ركن أساسي لأنه أصل الحق المغربي و سبب رجحانه القانوني، الذي لا يعدمه الغصب الاستعماري الفرنسي ولا تنال منه الحيازة الحالية للجزائر، لأنها ليست حيازة أصلية بل هي عرضية و لصالح الغاصب الفرنسي، ولا تنفع الجزائر في شيء، فهي لا ترتب أثرا قانونيا لصالحها، ولا تكسبها أي حق. و لهذا فان استغلال المغرب لهذه اللحظة، وبشكل مثالي واجب وفريضة وطنية، من أجل غاية وأولوية جني مكاسب سياسية وقانونية للمغرب، يجعل فرنسا تعلن مختارة أو مجبرة عن مسؤوليتها في اقتطاع أراضي مغربية في الصحراء الشرقية والحاقها بالجزائر، وتعترف بمغربيتها، وبأنها انتزعت كرها من المغرب، وبعدم احقية الحزائر فيها. و المتغيرات الجيوسياسية التي تجتازها افريقيا والعالم حاليا، تعزز احتمال تقاطع الغاية والهدف المغربي في اللحظة مع الحاجة الفرنسية أيضا. ففرنسا تعيش على أعصابها، وهي في حاجة لفرصة ونافذة لبوح بالحجج وقول الحقيقة. ومن تم وجب على المغرب الاقدام على مساعدتها وتشجيعها وتحفيزها لذلك، وفتح القنوات و الفجوات لتصريف موقفها. فمهما بلغ التوتر بين المغرب وفرنسا مستحكما من ذي قبل.فان اللحظة منعطف تاريخ حقيقي ينفتح على انتصار للمصلحة الوطنية التي لا يقوم أمامها أية عوائق أخلاقية أو نفسية أو شخصية. فالأهم أن تعلن فرنسا دعمها الواضح لمغربية الصحراء بموقف رسمي في شكل اعتراف بشرعية سيادة المغرب على كل الصحراء، وبتصرف مادي يعززه وفتح قنصلياتها في الداخلة او العيون.و اللحظة حاسمة لكون فرنسا تعيش ضعفا وهوانا لا مثيل له. وتمر فرنسا بتجربة عصيبة، انقلاب الجزائر، التي تحسبها ولاية لها، و انقلاب على عملائها في مالي و بوركينافاصو و غينياوالنيجر وافريقيا الوسطى، وانقلاب الحلفاء عليها؛ أمريكا وايطاليا وبلجيكا وألمانيا، و تردد مجموعة الاكواس في التدخل لعودة الشرعية الدستورية في النيجر، وفشل مبادرات دعم فرنسا الانفصال في شمال ماليوالنيجر وجنوب الجزائر. فالذي يحصل لفرنسا هو فشل وعجز ذريع يمس بهيبتها، وهي على طريق سقوط وتداعي حر لفقدان كل شيء، وقريبا قد لا يسعى أحد حمايتها او مساعدتها. كما تهددها أزمات اقتصادية واجتماعية في حكم الخطر الحقيقي والداهم بسبب المنافع الاقتصادية التي تأخذها مجانا من افريقيا الفرنكوفونية، والتي تنتزع منها. وتعتبر اللحظة تاريخية أيضا لأن كل أوراق خططها الأمنية انكشفت؛ فصنيعتها الجزائر تنقلب ضدها لصالح غريمها روسيا، ووعي وحراك افريقي لرفض استغلالها الاقتصادي، و مهام مخابراتية فرنسية مكشوفة؛ اشتغال وافتعال للعنف والتظاهر بالقدرة على السيطرة عليه و اطفائه. فالأزمات الفرنسية بدأت ولن تتوقف إلا بتنازلات كبرى من طرفها. وعلى المغرب أن يكون حاضرا لجني وكسب جزء من إرث يؤول له بحمل فرنسا على الاعتراف بمغربية أراضي الصحراء الشرقية و بشرعية سيادته على كل الصحراء على غرار الموقف الأمريكي، وهو نقطة فاصلة لحسم نزاع الصحراء المغربية باستصدار اشهاد بنهائية النزاع؛ المطلب المغربي الوحيد من المجموعة الدولية.