قبل انقلاب النيجر على الرئيس السابق "محمد بازوم" لم يكن كثيرون يعلمون أن أضواء باريس تستمد رونقها من يورانيوم النيجر ، والظاهر أن تلك المدينة المعروفة اختصارا ب "باريس" التي طالما أطلق عليها "مدينة الأنوار" يرجع الفضل في تسميتها إلى بلد افريقي ظل منسيا لعقود من الزمن، لكن الحقيقة تكمن في كون جمال PARIS و إضاءتها الجميلة ليلا، حيث تشع مصابيح أهم المعالم الشهيرة بها مثل برج" إيفل " وكاتدرائية "نوتردام" وقوس النصر خلسة من افريقيا التي تحترق شعوبها قهرا وفقرا من أجل أن تتزين عيون باريس بالأضواء الساحرة والمتوهجة، لتصبح أكثر سحرًا ورومانسيًة ، بل حلما يراود أصحاب قوارب الموت من "الأفارقة" بالنيجر الذي نهبت ثرواته لأكثر من 40 سنة ولازال، وغيره من البلاد الافريقية كثير ... على الأقل كان لقائد الانقلاب بالنيجر "عبد الرحمن تياني" ورفاقه الفضل في تنويرنا جميعا بأن برج "إيفل" و "الشانزليزيه " و جسور نهر السين تُضاء من يوارنيوم النيجر، البلد ذو 24 مليون نسمة الذي ظل يعاني العتمة، والانقطاع المتكرر في الكهرباء إلى حدود شهر يونيو الماضي وبالضبط بالعاصمة "نيامي" بساكنة تعدادها أكثر من 2 أثنين مليون نسمة، حيث لم يجد النيجر سوى نيجيريا البلد المجاور لتورد له الكهرباء بنسبة 70٪، مع العلم أن النيجر يرزح تحت ثروة من اليورانيوم . كل هذه المفارقات تؤكد أن قلق فرنسا التي بني اقتصادها على الثروات المنهوبة من افريقيا لم يكن عبثا، ولم تهتز قلوب ساستها خوفا على ديمقراطية النيجر المسلوبة على حد عبارات منظري الحقوق والحريات ، ففرنسا التي لم تحلم لتكون رابع أكبر قوة نووية في العالم بامتلاكها حوالي 300 من الرؤوس النووية، وجعلها لتنضم لنادي الدول النووية لولا يورانيوم النيجر وباقي الدول الافريقية، هي فرنسا نفسها التي طورت برنامجا نوويا قويا قامت بتجريب أولى خطواته في أراضي افريقية، وتعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية لتلبية احتياجاتها الكهربائية، هذا المورد الذي جعل منها ثاني قوة لتوليد الكهرباء باستعمال الطاقة النووية حتى أصبح جزءا من هويتها الوطنية، بإنتاج يفوق 70% من كمية الكهرباء ، وقد تم طويلًا جلب اليورانيوم من النيجر لاستخدامه في هذه المحطات حيث ينتشر 58 مفاعلا بالتراب الفرنسي ، مما يجعل فرنسا المنتج الثاني في العالم للطاقة النووية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. بالمقابل يعدّ النيجر سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وفقًا للرابطة النووية العالمية، وأحد أكبر المورّدين لهذه المادة المستعملة أساسا في توليد الكهرباء من الطاقة النووية بفرنسا الأوروبية . كل هذا التناقض بين معادلة حقيقة نهب الموارد والتنمية الغائبة يعكس الانتفاضة الجديدة بافريقيا التي استيقظت نخبها على وقع تاريخ استعماري أسود ،أضحى يغذي أكبر من أي وقت مضى انتقادات لاذعة للعديد من الدول الغربية وفي طليعتها فرنسا بسبب تورطها في استخدام معادن أفريقيا بما يعود بالفائدة لها من خلال استنزاف مفرط لمواردها الطبيعية مثل النفط والغاز واليورانيوم والذهب و...و ..... دون أي تنمية تذكر لشعوب هذه الدول التي لازالت معظمها تعيش الويلات، فبالرغم من الزعم بخروج الاستعمار الفرنسي من الباب فلازال باسطا يديه من النافذة ،من خلال فرض اتفاقيات تجارية مجحفة و غير متكافئة عمرت كثيرا، تمنح للشركات الأجنبية مزيدًا من الفوائد على حساب الدول الأفريقية وشعوبها، مقابل حماية واهية تنطلق من قواعد عسكرية تزكي بقاء الاستعمار وتكرس الحكم بالوكالة، ينضاف إليهما التأثير والتدخل السياسي والاقتصادي، فانقلاب النيجر الذي يسميه رفاق عبد الرحمان تياني تحررا يستدعي من الشعوب الافريقية تقييمًا دقيقًا لمساءلة التاريخ، و النبش في الاتفاقات الاقتصادية، والمساومات السياسية، وصناعة القوانين المحلية والدولية المتعلقة بالاستثمار واستخراج الموارد والتي تخدم الشعوب الغربية بالدرجة الأولى بعيدا عن بؤس أفريقيا التي لن تحظى بالتنمية من غير الاعتماد على سواعد أبنائها باتفاقات عادلة ومنصفة ومشاريع استراتيجية مع الشرق والغرب وتكامل وحدة شعوبها الاقتصادي وتحقيق استقرارها السياسي بعيدا عن أبوية الغرب وآلاتها الاستعمارية المتجددة ...