خطاب الذكرى الرابعة و العشرين لعيد العرش كان خطابا قويا ملهما و عميقا، خطاب الجدية ، الارتقاء بالنموذج التنموي، حماية المقدسات، صيانة الوحدة الوطنية و الاستمرار في تحقيق المنجزات لفائدة الوطن والمواطن . كان خطابا لبناء الجسور ، و فتح الحدود مع الأخوة بالجزائر . الملك أجاب عن تساؤلات الكثيرين حول العلاقات بين المغرب والجزائر؛ حين اعتبر انها علاقات مستقرة، نتطلع لأن تكون أفضل. وأضاف جلالة الملك "وفي هذا الصدد، نؤكد مرة أخرى، لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعبا، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء؛ وكذا الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا". الخطاب الملكي هو خطاب الاستمرارية لرسالة ملك المغرب و شعب المغرب ودولة المغرب كرسالة محبة و سلام . الرؤية الملكية تنتصر للتسامح و بناء جسور التواصل بدل هدمها، و هو بذلك يتجاوز التصورات المنغلقة والسامة تلك التي تنتصر للعداء و الخصومة . النظريات السياسية التي تنتصر لصراع الاقارب هي نظريات استعمارية او على الاقل بخلقية واهداف استعمارية، رهاناتها الأساسية التقسيم و صناعة العداء بين الاقارب و الاشقاء . الجفاء السياسي والعلاقات الباردة بين المملكة المغربية و الجارة الشرقية بارز مثير للانتباه ، المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا benjamin Stora ، و الذي اختاره مؤخرا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للإشراف على ملف الذاكرة الشائك بين الجزائر وفرنسا بحكم تخصصه في تاريخ الجزائر . بنجامين ستورا اعتبر ان أحد الاسباب المفسرة لحالة العداء المستعصي بين الجارين هو منطق الدولة الوطنية ، فكل دولة تريد اثبات انها الأقوى في مجالها الحيوي. لكن ما يثير اندهاش ستورا هو ان هذا الجفاء يأخذ بعدا صبيانيا في تدبير العلاقة الصراعية و المؤثرة ،هو صراع حول الزعامة حسب ستورا. جلالة الملك ينتصر للمحبة ، للمشترك ، لوحدة المصير. الرؤية الملكية تنتصر للأخوة من أجل البناء و التعاون لفائدة الشعبيين الشقيقين ، وهو ما يستدعي إزالة كافة الحواجز و المسامير التي وضعت بالحذاء المغربي حتى يتوقف عن المسير نحو المستقبل لبناء الدولة و حماية المواطن . على ما يبدو ان سبب الخلاف و النزاع بين البلدين هو سبب كافي للوحدة و ليس للفرقة، لان كل اشكال الرأسمال الغير المادي هي بنية تقافية و رمزية مشتركة تؤسس لوحدة تقافية و دينية و قيمية مشتركة، المفروض حسن استثمارها لبناء قوة مغاربية بدل توظيفيها ايديولوجيا كوسيلة لصراع مستنزف . السيادة المغربية حلم كل المغاربة ، لكنه حلم يقاومه نظام ينتعش بالازمات، عبر تمويل اختلاق مشكل وهمي و تمويل منظمة مسلحة. مشاكل المغرب مع جاره الشقيق ، هو جار يصلي كما نصلي، ويصوم كما نصوم، ويفرح إذا سقط المطر، ويدعو الله إذا انحبس، ويدفن امواته كما ندفن موتانا، ويتكلم لغتنا ، جار يتقاسم معنا اللغة، القيم، الجغرافية ،التاريخ وحدة المصير ، لكنه لا يريد أن يكون لنا حلم، وأن تكون لنا دولة تقف في وجه الأعداء و الخصوم . المغرب يرعى السلم و يدعو الى ثقافة المحبة و بناء الجسور، في وقت يصر النظام الجزائري على نسف الجسور و بناء الجدران العازلة للمحبة. هذا هو الفرق الأساسي بين النظامين نظام ينشد المحبة و التعاون والانفتاح ، و نظام يغلق الحدود . ثمة حكاية جميلة تحكى للاطفال كاداة بيداغوجية للاعلاء من قيم المحبة و التواصل تقول الحكاية : ان أخوين اختصما واشتدت الخصومة بينهما ، وصلت لدرجة الطعن في الشرف و التهديد ، عنف الأقارب شبيه بعنف دول الجوار. بعد صراع طويل ، قرر الأخوين إيجاد حل للمشكل عبر منطق الفصل و ليس الوصل، و إعلان القطيعة النهائية و اقتسام الإرث و الحقل الوحيد ، اتفقا على الحد الفاصل و جعلوا ساقية صغيرة و التي تمر من وسط الحقل حدا فاصلا،اسندت المهمة الى بناء لكي يقيم سور عازل. سافر الاخ الاصغر بعد ان الاتفاق على كافة التفاصيل حين عاد اندهش أنه لم يتم بناء سور عازل، و انما جسر عبور فوق الساقية . خطاب جلالة الملك هو خطاب لبناء الجسور و اليد الممدودة مع الجزائر لتبديد الخصومة الوهمية، و ترسيخ فضاء مغاربي ينتصر للمشترك و لوحدة المصير .