ليس هناك مجال للشك ان الازمة الروسية والاوكرانية وتداعياتها الواسعة على العالم بأسره تشكل نقطة محورية ومفصلية في النظام العالمي الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية, كون ان الحرب بين الجارتين روسياوأوكرانيا ليست بحرب طبيعية ومحدودة النطاق كما انها ليس بحرب غفلة جاءت نتيجة ظرف دولي او اقتصادي واجتماعي معين، وانما هي حرب توضح صراع الحضارات الحاصل في العالم ومدى التناقضات والفشل في تدبير الازمات بين مختلف القوى الدولية سواء القديمة منها والصاعدة , وهذا يقودنا الى السؤال حول الخلفية الثقافية والأيديولوجية للحرب الجارية بين روسياوأوكرانيا عموما وبين الغرب الذي تتزعمه الولاياتالمتحدة و القوى التي تميل الى القومية والعرقية والعودة الى الذات وفرض الثقافة المحلية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للجغرافيات الأخرى من دول وحضارات متعددة في العالم. كما نتساءل في ظل ذلك حول مستقبل العالم الإسلامي في ظل التغيرات الدولية الحاصلة ومدى استفادته منه ,وهل هناك مجال للحديث عن مشروع او نموذج يخص الدول التي تنتمي الى الكتلة المعروفة بمنظمة التعاون الإسلامي ,هل هناك بوادر وأسئلة ومحاولات لبلورة مشروع وطني للدول الإسلامي مستقل يحقق تطلعات افرادها ويجب عن أسئلة واشكالات ظلت عالقة للقرون وبسببها نشبت الحروب وخلقت الازمات وفسحت المجال امام تدخلات دولية واسعة الأطياف والأمم والدول والحضارات، ام ان سبات الامة الإسلامية سيظل على حاله او يزداد عمقا وحدة حتى مع التحولات وبعض التغيرات التي تقع على النظام الدولي الحالي والخريطة السياسية للعالم بصفة عامة، بمعنى اخر هل يمكن القول ان الازمة الروسية الأوكرانية تعكس سبات الأمة وتحطمها وعمق جرحها وازماتها ؟ الازمة الروسية الأوكرانية يمكن القول عنها انها خلاف أيديولوجي بين نموذجين حضاريين الليبرالي العلماني والمسيحية الأرثدوكسية وهذه الأخيرة التي تعلب أدوار قوية ومصيرية في مختلف جوانب الحياة السياسية في روسيا الاتحادية، ولان الحرب الواقعة الان في أوكرانيا لا تجسد في جوهرها باي شكل من الاشكال الخلافات بين الدولتين الواقع بينها الحرب وانما الامر يمتد الى ابعد من ذلك والى نقطة أساسية تتجلى في وجود خلاف حضاري بين قطبين عالميين وهما روسيا الاتحادية والولاياتالمتحدة. نفس الامر يحدث بين الصينوالولاياتالمتحدة وهذا الخلاف الذي يظهر على المستوى الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بالمسائل التجارية الخ, فانه خلاف يرجع أصله ومصدره الى وجود تباينات وتقاطعات على مستوى النماذج الحضارية في كلا الدولتين، وبالتالي فان محاولة فرض النموذج الحضاري يكون عن طريق تعزيز ونشر القيم والثقافة والأيديولوجية القومية وتعزيز الاقبال عليها، وهو أداة من أدوات السيطرة. في عالمنا العربي والإسلامي دائما هناك اكتفاء بدور المتفرج والمنتظر ولايوجد أي سعي حقيقي لبلورة نموذج حضاري يخص هذه الدول ويضمن لها استقلاليتها والمساهمة في الإنتاج العلمي والفكري الحاصل في العالم ويكون لها دور أساسي ورئيسي في العلاقات الدولية بين الدول وليس فقط دول تتفرج وتنظر لما ستؤول اليه الازمات وتنتظر المساندة من دول أخرى، وهو ما عزز التفرقة والخلافات والأزمات كما حدث سنة 1990 في حرب الخليج , بسب القرار المجانب للصواب و الاخلاق الذي اتخدته جامعة الدول العربية بخصوص غزو العراق للكويت وهو قرار كان للدول الأجنبية يد فيه ,ولكن دول أخرى اعترضت على القرار وهو ما سبب في الانقسام العربي والخلافات السياسية والتي كان لها تداعيات أوسع وأشمل وجعلت الامة ومصيرها ليس بيدها وانما بيد الاخرين من الأقطاب والمحاور التي تتحكم بشكل كبير في مجريات العلاقات الدولية والنظام العالمي أي الولاياتالمتحدة وبريطانيا من جهة والصينوروسيا من جهة ثانية , وهو ما يحصل حتى الان فلا يزال منطق البحث عن الحليف الخارجي والعضو الدائم في مجلس الأمن يشكل عقيدة النظام السياسي في كثير من الدول الإسلامية دون محاولة او تفكير من هذه الدول الى الانضمام الى بعضها البعض وتشكيل تحالف استراتيجي ذو أفاق واسعة ومحاولة لعلاج مختلف المشاكل والأزمات المتجذرة ذات طبيعة دينية او سياسية او تاريخية والتي كانت في السابق والماضي سببافي التفرقة و الانخراط في النظام الدولي الذي لا تساهم فيه دول العالم الإسلامي باي طرق . ومنه نقول بان الأزمة في أوكرانيا قد تشكل اخر فرصة لدولنا للحفاظ على وجودها واستقلاليتها ومحاولة وضع كل الخلافات والمشاكل على طاولة الحوار والنقاش ومن ثم البحث عن سبل المعالجة، وبالتالي إعادة للامة هيبتها وكرامتها ولو جزئيا او على الأقل المساهمة بفعالية في النظام الدولي وأخد نفس المسافة مع كل القوى الدولية المتصارعة، والا فان حدث العكس واكتفت الأمة بدور المتفرج وجعلت مصيرها بيد الاخرين، فان السنوات المقبلة ستجعل دولنا ومجتمعاتنا وحضارتنا خارج سياق التاريخ وستنتهي تماما كما حدث مع الهنود الحمر والحضارات والقوميات الأخرى التي انتهى بها التاريخ الى قاع البحار و الغابات , وأصبحت جزء من الماضي والتاريخ ,وهي من الأمور التي يجب علينا الأخذ منها العديد من الدروس والعبر.