إذا كان كل قرار قضائي، يستند في تعليه إلى مرجعية قانونية، ويفضي بنتائجه إلى آثار قانونية، ويخلق بتطبيقه معايير قانونية جديدة ويكرس أخرى، فإن قرار محكمة الاستئناف بلندن، المتعلق بالرفض النهائي لطلب استئناف الذي تقدمت به منظمات غير حكومية داعمة للانفصاليين "WSC"، بخصوص قرار سابق للمحكمة الإدارية برفض طلبها الساعي إلى إبطال اتفاق الشراكة الذي يربط المغرب ببريطانيا، لا يستقيم بأي حال من الأحوال أن يشذ عن هذه القاعدة. هل تتعظ محكمة العدل الأوروبية يرى الباحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط، الموساوي العجلاوي، أنه ابتداء من صدور القرار القضائي الاستئنافي لن تقبل أي دعوى في بريطانيا تطرح موضوع قانونية اتفاق الشراكة بين المغرب وبريطانيا، معتبرا أن في ذلك طمأنة قانونية للمقاولات البريطانية والمغربية، وحماية قانونية للاستثمارات البريطانية في المغرب. ويضيف العجلاوي في حديث لجريدة "العمق "، أن القرار يشكل مرجعا فيما يخص محكمة العدل الأوروبية التي تُطرح عليها باستمرار قضية قانونية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، والتي في رأيه، دائما ما توضع كورقة للضغط على المغرب خصوصا خلال الفترات التي تتعقد فيها الأمور بين المملكة وعدد من الدول الاوربية. السؤال المطروح من الناحية القانونية، حسب المتحدث، هو هل ستتعظ محكمة العدل الأوروبية بقرار المحكمة البريطانية، ويذهب هنا للقول، مستحضرا الأبعاد القانونية والسياسية والأخلاقية، هل من الممكن أن يطرح حكمان متناقضان في قضية مشابهة من طرف محكمتين لهما ذات المرجعية القانونية، ويضيف، إنه بالرغم من عدم تواجد بريطانيا بالاتحاد الأوروبي منذ مدة، إلا أن المرجعية القانونية لكل منهما تظل واحدة، والنازلة هي نازلة واحدة، لا سيما وأن "WSC" هي ذاتها التي كانت وراء كل الدعوى المطروحة منذ 2012 على محكمة العدل الأوروبية. في ذات السياق، يشير المحامي والباحث في ملف الصحراء، نوفل البعمري، إلى أن القرار القضائي استند على تقرير سبق أن انجزه البرلمان الأوروبي سنة 2018 الذي خلص إلى كون الساكنة المحلية الصحراوية تستفيد من عائدات الاتفاقيات التي يوقعها المغرب ويتم إعادة استثمار جزء كبير منها في البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية بالصحراء، ليخلص على إثر ذلك للقول إن "المغرب في وضعية متوافقة مع القانون الدولي ". ويؤكد البعمرين في حديث ل "العمق"، على أن القضاء البريطاني أضفى مشروعية قانونية على الاتفاقية التي وقعها المغرب مع بريطانيا وهي الاتفاقية التي تم توقيعها في أكتوبر 2019 ودخلت حيز التنفيذ بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويعتبر المحامي والباحث في ملف الصحراء، بناء على ما سبق، أن قرار المحكمة البريطاني جاء ليؤكد على كون المغرب له كامل المشروعية القانونية لتوقيع اتفاقيات تجارية تشمل الأقاليم الجنوبية باعتباره صاحب السيادة عليها وهو من يديرها سياسيا وإداريا. وعودة للعجلاوي، فهو يؤكد كذلك على أن أهمية هذا القرار تأتي من كونه ينهي بصفة قطعية مسألة قانونية اتفاقيات الشراكة التجارية بين المغرب وبريطانيا من عدمها، فالمحكمة حسب العجلاوي، تقر بأن هذا الاتفاق قانوني ولا يمس القانون البريطاني ولا القانون الدولي ولا ميثاق الأممالمتحدة وفق القرارين 1514 و1541. تعزيز الموقف البريطاني السياسي مع استحضار عضوية بريطانيا في مجلس الأمن وفي مجموعة أصدقاء الصحراء التي يستشيرها مجلس الأمن في كثير من القضايا خاصة المتعلقة بقرارته، يؤكد العجلاوي على أن الحكومة البريطانية الآن هي مطلقة اليدين في اتخاذ موقف متقدم جدا على مستوى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء. ويضيف أن إقرار المحكمة بقانونية اتفاق الشراكة وأنه لا يخل بالقوانين الدولية، يعني أنه يعترف بسيادة المغرب على صحرائه، الأمر الذي يدعو حسب المتحدث إلى التساؤل عن إمكانية تأثير هذا القرار القانوني على الموقف السياسي البريطاني تجاه الصحراء ويخرجه عما هو مؤلف منه. وينبه الباحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط، إلى أنه منذ إقرار مجلس الأمن بضرورة الحل السياسي سنة 2007، سعى عدد من الأطراف، بما فيهم أعضاء في الحزب الديمقراطي الأمريكي وسياسيين بارزين، شأن كريستوف روس سنة 2012، بمحاولة الدفع بملفين لتفادي ما يطرحه مجلس الأمن بشأن الحل السياسي المتوافق عليه، وهما حقوق الإنسان في الصحراء، وورقة الموارد الطبيعية بها، معتبرا أنه على إثر ذلك تنامت الدعاوى القضائية المطروحة بخصوص المسألتين، ليشير إلى أن قرار المحكمة البريطانية ينهي هذا الإشكال ويمنح أفقا جديدا للمواقف السياسية سواء في بريطانيا أو في مواقف دول أوروبية أخرى. مستقبل تجاري واعد فيما يخص الأبعاد المالية والتجارية لقرار المحكمة، يعتبر الموساوي أن قرار المحكمة البريطانية الاستئنافي، فتح طريقا سريعا لكل مجالات التجارة ولكل المبادرات المالية، وللمشاريع التي تم الاتفاق حولها بين المغرب وبريطانيا، كما ويفتح باب التركيز على بناء مستقبل مستدام لمواجهة التحديات الدولية، ودعم السياسة البريطانية تجاه المغرب من أجل النمو والاستقرار والتكيف مع التغيرات، خاصة منها ذات الشأن بالقارة الإفريقية. وعلى ذلك يذهب العجلاوي للقول إن القرار له انعكاس مالي قوي في إطار الشراكة مع المراكز المالية بين لندن والدار البيضاء، مؤكدا على أن الاستثمارات البريطانية المغربية أضحت محمية من الناحية القانونية بقرار المحكمة، أكثر من أي وقت مضى. وفي سياق البعد التجاري والمالي أيضا، يشير المتحدث إلى أن بريطانيا تهتم كذلك بالسياحة وبالبنيات التحتية والطاقات المتجددة، وإلى أن هناك مشروع كبير لنقل الطاقات المتجددة نحو بريطانيا، فضلا عن اهتمامها بالفلاحة. تاريخ متين يؤكد العجلاوي، على أهمية العلاقات التاريخية المتينة بين المملكتين، ويشير إلى أن أول بعثة دبلوماسية إنجليزية للمغرب، هي التي أوفدها ملك إنجلترا إلى السلطان الموحدي محمد الناصر سنة 1213، والتي تم الاحتفاء في سنة 2013 بمرور 800 على بعثها، مضيفا أنه وبعد بضعة أشهر من الاحتفاء، تم الاحتفال أيضا في لندن بمرور 300 سنة على أول اتفاق تجاري بين البلدين، مستحضرا في هذا السياق أنه عند تبني محكمة العدل الدولية لملف الصحراء سنة 1975 كانت الرسائل المتبادل بين ملوك المغرب وملوك بريطانيا من بين الوثائق التي تقدم بها المغرب لأجل إثبات سيادته على الصحراء.