نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    وزارة الاقتصاد والمالية: المداخيل الضريبية بلغت 243,75 مليار درهم عند متم أكتوبر 2024        في لقاء مع الفاعلين .. زكية الدريوش تؤكد على أهمية قطاع تحويل وتثمين وتسويق منتجات الصيد ضمن النسيج الإقتصادي الوطني    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    كيوسك الخميس | 80 في المائة من الأطفال يعيشون في العالم الافتراضي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت        نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل دخل التنظيم الذاتي للصحافة إلى النفق المسدود؟
نشر في العمق المغربي يوم 26 - 04 - 2023


*
الهوك: أدت عشرة إشكالات إلى عرقلة المجلس الوطني للصحافة، بعد عقد كامل من دسترة التنظيم الذاتي للمهنة.
ملخص تنفيذي
تعد موافقة الحكومة على مشروع قانون يهدف إلى إنشاء لجنة مؤقتة لإدارة قطاع الصحافة والنشر، وذلك بديلاً عن المجلس الوطني للصحافة، خطوة للوراء في مسار التنظيم الذاتي للصحافة. وبالرغم من الانطباع الأولي الذي يبدو وكأن القرار الحكومي يهدف إلى تخطي الوضعية التنظيمية المعقدة للمجلس الوطني للصحافة، فإن نظرة شاملة تكشف عن محاولة الحكومة للسيطرة والتراجع عن المكتسبات المحققة في هذا القطاع، وسط انقسام حاد بين الهيئات النقابية والمهنية بين داعم لخطوة الحكومة ورافض لها. وبعد تقييم التجربة التأسيسية للمجلس الوطني للصحافة، واستعراض الإشكالات التي يطرحها تكوين اللجنة المؤقتة سواء على مستوى تكوينها أو أجندتها، قدمت الورقة حلولا للخروج من المأزق تدور حول مبادئ التعددية والانتخابات والحكامة.
مقدمة
في يوم 13 أبريل 2023، وافقت الحكومة على مشروع قانون يهدف إلى إنشاء لجنة مؤقتة لإدارة قطاع الصحافة والنشر، وذلك بديلاً عن المجلس الوطني للصحافة الحالي. وتم تحديد فترة تكليف اللجنة لمدة سنتين، بدءًا من تاريخ تعيين أعضائها، إذا لم يتم اختيار أعضاء جدد خلال هذه الفترة. يعود سبب هذا القرار إلى سعي الحكومة لتصحيح الأوضاع غير القانونية التي قد تنشأ جراء قرارات المجلس الحالي، الذي لم يتمكن من إجراء انتخابات جديدة على الرغم من تمديد فترة تكليفه بشكل استثنائي لمدة ستة أشهر ابتداء من شهر أكتوبر 2022. وهذا يعكس رغبة الحكومة في إيجاد حل مؤقت لهذه المشكلة، بدلاً من تأجيلها إلى ما بعد هذه الفترة.
وتمثل هذه الخطوة تحولا في المجلس الوطني للصحافة يضعه على المحك، خاصة أن مشروع القانون الذي لن يدخل حيز التنفيذ قبل المصادقة عليه في البرلمان ونشره في الجريدة الرسمية، ينص على تكليف اللجنة المؤقتة بتنفيذ المهام المحددة في المادة الثانية من القانون، ويشمل ذلك التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، ومنح بطاقة الصحافة المهنية، وتتبع حرية الصحافة، بالإضافة إلى النظر في القضايا التأديبية التي تتعلق بالمؤسسات الصحافية والصحافيين المهنيين الذين أخلوا بواجباتهم المهنية وميثاق الأخلاقيات، وأيضا العمل على توفير الشروط الملائمة والكفيلة بتطوير القطاع وتنمية قدراته. كما يسند هذا المشروع للجنة اختصاصين جديدين، يتمثلان في تعزيز أواصر علاقات التعاون والعمل المشترك بين مكونات الجسم الصحافي وقطاع النشٍر، والتحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الواجب انتخابهم وتنظيمها.
وعلى الرغم من الانطباع الأولي الذي يبدو وكأن القرار الحكومي بتشكيل لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر يهدف إلى تخطي الوضعية التنظيمية المعقدة، فإن نظرة شاملة تكشف عن محاولة الحكومة للسيطرة والتراجع عن المكتسبات المحققة في التنظيم الذاتي للصحافة. ويأتي هذا في ظل انقسام حاد بين الهيئات النقابية والمهنية، حيث يدعو بعضهم إلى تصحيح الوضع عبر إجراء انتخابات ديمقراطية، فيما يطالب البعض الآخر بأولوية تعديل القوانين التنظيمية للمهنة لتجاوز الاختلالات التي رافقت مرحلة التأسيس.
1. منعطف اللجنة المؤقتة: الاستقطاب الحاد
تم إنشاء المجلس الوطني للصحافة كهيئة مهنية مستقلة، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، كأحد أهم مستجدات مدونة الصحافة والنشر لسنة 2016، ويهدف بالأساس إلى التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، ووضع الأنظمة الضرورية التي تضمن ممارسة المهنة في احترام لقواعدها وأخلاقياتها. ويمنح المجلس بطاقة الصحافة المهنية، التي كانت تُمنح من قِبَلِ وزارة الاتصال سابقًا، ويقوم بدور الوساطة في حل النزاعات القائمة بين المهنيين، وتتبع احترام حرية الصحافة، ومراقبة احترام أخلاقيات المهنة، وتقديم الرأي في شأن مشاريع القوانين والمراسيم المتعلقة بالمهنة، وإعداد الدراسات المرتبطة بالقطاع.
ويتألف المجلس من واحد وعشرين (21) عضوا، حيث ينتخب سبعة أعضاء من الصحافيين المهنيين بمراعاة تمثيلية مختلف أصناف الصحافة والإعلام، وسبعة من ناشري الصحف، وسبعة أعضاء يتم تعيينهم من المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للغات والثقافة والمغربية، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، واتحاد كتاب المغرب وناشر سابق تعينه هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية، وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية، شريطة أن يكون هؤلاء الممثلون لهم خبرة في ميدان الإعلام والصحافة. ويتعين في تأليف المجلس السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة. كما تعين الحكومة مندوبا لدى المجلس يعهد إليه بمهمة التنسيق بين المجلس والإدارة، ويحضر الاجتماعات بصفة استشارية.
ويعيش المجلس وضعا استثنائيا منذ الرابع من أكتوبر 2022، بسبب انتهاء فترة انتداب أعضائه دون تنظيم انتخابات جديدة، وتمديد عمر المجلس لستة أشهر بشكل استثنائي من قبل الحكومة، وذلك لضمان استمرار المجلس في أداء مهامه وفقا لمدونة الصحافة والنشر. ولم يتم تنظيم الانتخابات خلال فترة التمديد، التي كان من المفترض أن تكون مرحلة انتقالية، بسبب اختلاف مواقف الجمعيات المهنية والنقابية الممثلة في المجلس حول الطريقة التي يجب اتباعها لتجديده. وقد ظهر هذا الخلاف بشكل واضح في النقاش الذي عرفه اليوم الدراسي المنظم من طرف مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) في دجنبر الماضي، حول "الإعلام الوطني والمجتمع: تحديات ورهانات المستقبل"، بمشاركة وزير الشباب والثقافة والتواصل ورؤساء الفرق البرلمانية وفاعلين مؤسساتيين ومهنيين في مجال الإعلام والصحافة.
وبعد ظهور رغبة واضحة في التخلي عن مبدأ الانتخاب في قانون جديد يقضي بتعديل المجلس الوطني للصحافة، قدمت الفرق البرلمانية المختلفة مقترحات جديدة، بما في ذلك مبدأ الانتداب من قبل الهيئتين الأكثر تمثيلية بدلاً من الانتخاب، وتعيين الرئيس من قبل الملك، ورفع ولاية المجلس إلى خمس سنوات بدلاً من أربعة، ورفع عدد أعضائه من 21 إلى 23 عضوا.
وفي 4 أبريل 2023، دخل المجلس في وضعية "فراغ قانوني" بعد انتهاء مدة التمديد. ولتلافي ذلك، صادقت الحكومة في اجتماع مجلسها الحكومي المنعقد يوم 13 أبريل على مشروع قانون تقدم به وزير الثقافة والشباب والتواصل. وينص المشروع على َنقل صلاحيات المجلس إلى لجنة مؤقتة لتدبير شؤون الصحافة والنشر. تتألف هذه اللجنة، علاوة على رئيس المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته بصفته رئيسا، من ثمانية أعضاء آخرين، وهم نائب رئيس المجلس المنتهية ولايته بصفته نائبا لرئيس اللجنة، ورئيس لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية المنتهية ولايته، ورئيس لجنة بطاقة الصحافة المهنية المنتهية ولايته، وثلاثة أعضاء يعينهم رئيس الحكومة من بين الأشخاص المشهود لهم بالخبرة والكفاءة في مجال الصحافة والنشر والإعلام، وقاضٍ ينتدبه الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعينه رئيس هذا المجلس.
إثر ذلك، تباينت ردود الفعل بين ناشري الصحف والصحافيين، حيث دعت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف والجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، في بيان مشترك، إلى "تجميد مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر"، واصفتين إيّاه بأنه "غير دستوري وعبثي واستئصالي يضرب استقلالية الصحافة وحق الصحافيين في اختيار من يمثلهم"، بينما رحّبت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين بمصادقة الحكومة على مشروع القانون المذكور، معتبرة أنه "يهدف إلى تصحيح الوضع غير القانوني الذي ستؤول إليه قرارات المجلس الوطني للصحافة، ويضمن السير العادي لقطاعي الصحافة والنشر".
كما عبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في بيان، عن "مساندتها المطلقة لمبادرة تشكيل لجنة مؤقتة"، معتبرة أن "مناقشة التطورات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة لا يمكن فصلها عما عرفته مرحلة التأسيس من اختلالات تعود بالأساس إلى العيوب الكثيرة والثقوب المتعددة في القوانين المنظمة للمهنة، خصوصا القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة وقانون الصحافة والنشر". أما نادي الصحافة بالمغرب فقد ندّد في بيان ب"التدخل في تسيير وتدبير المجلس الوطني للصحافة"، معتبرا أن إحداث اللجنة المؤقتة "خارج السياق العام للمنظومة القانونية الوطنية".
وانتقلت ردود الفعل إلى أوساط حزبية، لاسيما المعارضة البرلمانية، إذ عبر حزبي العدالة والتنمية والاشتراكي الموحد المعارضين في بيانين عن رفضهما خطوة الحكومة، بعدما اعتبر الأول أنها "تراجعية تطعن في الصميم المكتسبات الديمقراطية التي راكمتها بلادنا"، واستنكر الثاني "سعي البعض للخلود في تمثيلية الصحافيين والناشرين ذريعة لتأجيل التغييرات والإصلاحات الضرورية للقطاع". أما التقدم والاشتراكية فأعلن عن موقف من خلال أمينه العام، الذي اعتبر تشكيل لجنة مؤقتة "كارثة حقيقية تنطوي على محاباةٍ فاضحة"، وأيضا من خلال رئيس فريقه بمجلس النواب الذي أعلن أن "الفريق سيصوت ضد المشروع الذي يعتبر تدخلا في التنظيم الذاتي للصحافة من الجهاز التنفيذي"، مشددا على أن هذا المشروع "بعيد عن الممارسة الديمقراطية التي كرسها دستور 2011".
كما برزت ردود الفعل السلبية في بيان منظمة "مراسلون بلا حدود"، التي اعتبرت أن اللجنة المؤقتة التي شكلتها الحكومة لتسيير شؤون المجلس الوطني للصحافة "تهدد استقلال المهنة، وتبعث على الشك في استقلالية التنظيم الذاتي للصحافيين". بالمقابل، تعتبر الحكومة أن المشكل في "القانون المؤطر للمجلس الوطني، لاسيما في الجانب المتعلق بالجهة المشرفة على تنظيم انتخابات المجلس"، وترى أن "المادة 54 من القانون تتحدث عن تأسيس المجلس الوطني للصحافة ولا تحدد هذه الجهة، لذلك يحتاج القانون مراجعته وفق مفهوم مؤسساتي يتجاوز الأفراد والأشخاص".
2. ملاحظات على هامش التأسيس
إن إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر ليس أول منعطف في مسار التنظيم الذاتي للصحافة. فهذه التجربة واجهتها تحديات منذ مرحلة التأسيس الأولى، بسبب التأخير في إقرار النص التشريعي الخاص بالمجلس الوطني للصحافة. وبين 29 يوليوز 2015، تاريخ مصادقة الحكومة على مشروع قانون يقضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة، و7 أبريل 2016، تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، استغرق إقرار هذا النص القانوني الهام المرور بمراحل عديدة. وكانت البداية بإحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب يوم 28 أكتوبر 2015، الذي أحاله بدوره إلى لجنة التعليم والثقافة والاتصال يوم 4 نونبر 2015. وتم تقديم المشروع أمام هذه اللجنة يوم 17 نونبر 2015، التي أنهت دراسة مواده والمصادقة عليه يوم 26 دجنبر 2015، ليمر إلى المرحلة الموالية المتمثلة في المصادقة عليه في جلسة عامة لمجلس النواب يوم 23 دجنبر 2015.
وبعد استكمال مسطرة التصديق عليه في الغرفة الأولى للبرلمان، جاء دور مجلس المستشارين الذي أحيل إليه في نفس اليوم، وقام بإحالته إلى لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية يوم 30 دجنبر 2015، كما يقتضي الاختصاص الموضوعي. وفي 6 يناير 2016 أنهت اللجنة المعنية مناقشته ودراسة مواده، لتصادق عليه في 25 يناير 2016، ومن ثم جاءت مصادقة الغرفة الثانية في جلسة عامة بتاريخ 2 فبراير 2016. ونظرا لكون مجلس المستشارين أدخل جملة تعديلات، فقد تمت إحالة النص القانوني من جديد إلى مجلس النواب من أجل قراءة ثانية يوم 3 فبراير، لتوافق اللجنة المختصة على التعديلات في نفس اليوم، وتحظى بموافقة المجلس في جلسة عامة يوم 9 فبراير، لكن النص بقي في الأمانة العامة قرابة شهرين قبل أن ينشر في الجريدة الرسمية في 7 أبريل 2016.
غير أن التأخر الملحوظ شمل نشر المراسيم التطبيقية لهذا القانون أيضا، والتي لم تخرج إلى حيز الوجود إلا بعد مرور ثلاث سنوات، تحديدا في العام 2019، ويتعلق الأمر بكل من مرسوم بتحديد كيفيات منح بطاقة الصحافة المهنية وتجديدها، ومرسوم بتعيين مندوب الحكومة لدى المجلس الوطني للصحافة.
الأمر نفسه ينطبق على انتخابات تشكيل المجلس التي عرفت بدورها تأخيرا غير مفهوم، إذ أجريت في 22 يونيو 2018 بعد مضي أزيد من عامين على ميلاد القانون المنظم، في وقت انطلق التحضير لها في 2 أبريل 2018 بتكوين لجنة الإشراف على عملية انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين وناشري الصحف المنصوص على تأليفها في المادة 54، والتي تشكلت من قاضٍ منتدب من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بصفته رئيسا، وممثل عن السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وممثل عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وممثل عن نقابة الصحافيين المهنيين الأكثر تمثيلية، وممثل عن هيئة ناشري الصحف الأكثر تمثيلية. ولم يستكمل عقد المجلس الوطني للصحافة إلا في 5 أكتوبر 2018 مع انتخاب الرئيس ونائبه.
وتحدد مدة انتداب أعضاء المجلس في أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ولأجل الاضطلاع بالمهام المسندة إليه، يحدث المجلس خمس لجان، بمقتضى المادة الثانية عشرة من قانون إحداثه، وهي: لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، ولجنة بطاقة الصحافة المهنية التي يجب أن يرأسها صحافي مهني من أعضاء المجلس، ولجنة التكوين والدراسات والتعاون، ولجنة الوساطة والتحكيم التي يجب أن تعود رئاستها لممثل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ولجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع التي يتولى رئاستها ناشر للصحف عضو بالمجلس. ويجوز للمجلس، عند الاقتضاء، إحداث لجان موضوعاتية أخرى.
وينتظم عمل لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية في إطار مقتضيات ميثاق أخلاقيات المهنة الذي وضعه المجلس، وتسعى إلى احترامه والحرص على صيانة المبادئ التي يقوم عليها شرف المهنة. بينما تختص لجنة بطاقة الصحافة المهنية بتلقي طلبات منح البطاقة سواء للمرة الأولى أو من أجل تجديدها، ولجنة التكوين والدراسات والتعاون بإعداد التقارير والدراسات الموضوعاتية ذات الصلة بقطاع الصحافة، وبتهيئة الآراء الاستشارية التي تطلب من المجلس. في حين تختص لجنة الوساطة والتحكيم بنزاعات الشغل بين الصحافيين والمؤسسات الصحافية المنظمة، والنزاعات المهنية بين الأشخاص الخاضعين لاختصاصات المجلس. أما لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع، فإنها تختص بدراسة مختلف القضايا الهيكلية والاقتصادية والإدارية والتنظيمية والقانونية والمالية والمهنية ذات الصلة بواقع المقاولات الصحافية ومستقبلها، وما يواجهها من إكراهات وتحديات، وكذا ما يتعلق بالدعم المقدم للمقاولات الصحافية.
وانطلاقا مما سبق، يمكن تسجيل ثلاث ملاحظات على سير العملية الانتخابية ومخرجاتها، ومنها:
– التأخر غير المفهوم في إخراج المجلس الوطني للصحافة للوجود، دون احترام المدة المنصوص عليها بشأن المرحلة الانتقالية، والتي كان يجب ألا تتجاوز سنة بعد صدور القانون، بمقتضى المادة 56 من قانون إحداث المجلس، لكنها تجاوزت السنتين.
– اعتماد نمطين مختلفين من الاقتراع يبعث على التساؤل حول الهدف منه، حيث تم التنصيص على الاقتراع الفردي بالنسبة إلى الناشرين واللائحي بالنسبة إلى الصحافيين المهنيين.
– ابتعاد تركيبة المجلس المنتخبة والمعينة عن المناصفة التي نصت عليها المادة الرابعة من القانون المحدث للمجلس، بعدما تبين وجود أربع نساء مقابل 17 رجلا، يمثلن 19 في المائة فقط من إجمالي الأعضاء.
3. المجلس الوطني للصحافة: الحصيلة الغائبة
كان يفترض بالمجلس الوطني للصحافة تقديم حصيلة عمله عند انتهاء ولايته، لكنه لم يفعل ذلك. وباستحضار بدايته الفعلية في 5 أكتوبر 2018، وبالعودة إلى اختصاصاته التي تعتبر عنصر قوته وفعاليته، يتبين أن هناك ثلاث مهام رئيسية للمجلس وهي الكفيلة بتقييم أدائه: أولها منح بطاقة الصحافة المهنية؛ وثانيها النظر في القضايا التأديبية التي تهم المؤسسات الصحافية والصحافيين المهنيين الذين أخلوا بواجباتهم المهنية وميثاق أخلاقيات المهنة والنظام الداخلي للمجلس والأنظمة الأخرى التي يضعها؛ وثالثها اقتراح الإجراءات التي من شأنها تطوير قطاع الصحافة والنشر وتأهيله وتحديثه.
1. منح بطاقة الصحافة المهنية:
بعد تنصيب المجلس بداية عام 2019 وجدت لجنة بطاقة الصحافة المهنية نفسها أمام تحدٍّ كبير لتفعيل أهم مقتضيات قانون إحداث المجلس، ويتمثل في منح بطاقة الصحافة المهنية. ففي ذلك الوقت لم يكن المجلس يتوفر على مقر وموارد بشرية، ولم يتم إصدار المراسيم المتعلقة بطريقة منح بطاقة الصحافة المهنية وبطاقة الصحافي المهني المعتمد وتجديدهما والتي صدرت حتى مارس 2019، أي بعد المدة التي كان يفترض أن يكون الصحافيون قد تسلموا خلالها بطائقهم المهنية. لذلك تكلف قطاع الاتصال بوزارة الثقافة والشباب والرياضة آنذاك باستقبال ومعالجة ملفات طلب البطاقة المهنية، على غرار ما كان معمولا به سابقا، وكان التغيير الوحيد الملموس هو أنها صدرت بتوقيع رئيس المجلس الوطني للصحافة، علما أن عدد البطاقات المسلمة برسم تلك السنة (2019) بلغ 3016 بطاقة. ولم يباشر المجلس اختصاصه كاملا في إصدار البطاقة المهنية إلا سنة 2020، بعدما أصبح يتوفر على مقر، واستطاعت لجنة البطاقة المهنية برسم السنة المذكورة دراسة ما مجموعه 3673 طلبا، وافقت على 3182 منها.
وبعد أول تجربة للمجلس الوطني للصحافة في منح بطاقة الصحافة المهنية، قرر هذا الأخير فتح حوار مع الحكومة-قطاع الاتصال من أجل البحث في إمكانية تعديل بعض مقتضيات مرسوم منح بطاقة الصحافة، لجعل الولوج للمهنة أكثر سلاسة، مع تحصينها من كل ما يمكن أن يشكل تنقيصا من قيمتها ومكانتها في المجتمع. بدلا من ذلك، لم ينشر المجلس لائحة الصحافيين الحاصلين على بطاقة الصحافة، واكتفى بنشر عدد بطائق الصحافة المعالجة والمسلمة، وآخر إحصاء نشره يعود إلى 2021 حين أعلن في بيان عن الانتهاء من الاشتغال على جميع طلبات الحصول على بطاقة الصحافة المهنية برسم سنة 2021، حيث وافقت لجنة البطاقة على 3394 طلبا من مجموع 4008 طبا توصل بها المجلس.
وظل نشر قائمة الصحافيين الحاصلين على بطاقة الصحافة المهنية مطلبا للمهنيين، في حين اكتفى المجلس بالإعلان في 2021 عن إجرائه اتصالات ومشاورات مع المسؤولين على لجنة حماية المعطيات الشخصية لنشر لوائح الحاصلين على بطاقة الصحافة المهنية برسم سنتي 2020 و2021 "حرصا على ضمان شروط النزاهة والشفافية"، دون أن يعلن عن نتيجة هذه المشاورات أو ينشر القوائم الكاملة للصحافيين.
2. النظر في القضايا التأديبية:
يعد النظر في القضايا التأديبية التي تهم الصحافيين مسألة ضرورية لتحقيق الانضباط المهني والأخلاقي، ذلك أن سلطة الصحافة لا ترتكز على عقد اجتماعي أو تفويض من الشعب، بل تحتاج إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة وخدمة المواطنين بشكل تام. ومنذ الأسابيع الأولى من تنصيبه، اشتغل المجلس الوطني للصحافة على ميثاق أخلاقيات المهنة، وصادق عليه بعد عدة اجتماعات واستشارات، ونُشر في الجريدة الرسمية في 29 يوليوز 2019. لكن رغم منحه الأولوية، فإن الميثاق لم يحترم الآجال القانونية لوضعه ونشره المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون إحداث المجلس، التي نصت على ضرورة أن يتم ذلك داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تنصيب المجلس.
وبموجب القانون، يمكن للجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية معالجة الشكايات التي يتلقاها المجلس من الهيئات والأفراد طلبا للإنصاف وجبر الضرر تجاه ما يعتبرونه إساءة للكرامة والشرف وتشهيرا في حقهم. وفي الفترة بين غشت 2019 ودجنبر 2020، تلقت اللجنة ما مجموعه 40 شكاية، ولم يعلن عن اتخاذ أي إجراءات تأديبية بشأنها، مما يثير تساؤلات حول سبب التأخير في النظر في تلك القضايا، فيما أعلن المجلس عن حل بعضها بالتعاون مع الجرائد المشتكى بها لأنها لم تكن تتطلب سوى نشر بيانات حقيقة الأطراف المشتكية. وتحتاج لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية للمجلس إلى نشر حصيلة القضايا المعروضة عليها والتي بثت فيها. ويعود آخر إحصاء نشرته ذلك الذي يهم التسعة أشهر الأولى من 2021، والتي بلغ مجموعة الشكايات المتوصل بها ستة وثلاثون، لذلك يبقى تقييم المجلس في هذا الجانب سلبي، يعززه تواصل انتهاك منابر إعلامية لميثاق أخلاقيات المهنة.
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس يمكنه أن ينظر في القضايا التأديبية بشكل تلقائي بناء على طلب أغلبية أعضائه، استنادا إلى المادة 39 من قانون إحداثه.
وهذا يأتي في إطار الحماية من الانتهاكات التي تعتبر خرقا سافرا لأخلاقيات المهنة، لكن نادرا ما أعلن في بلاغ رسمي عن تصديه التلقائي لقضية. وتبقى إحدى المرات النادرة التي أعلن فيها المجلس عرض ملف على لجنة الأخلاقيات هي قضية "وصم" موقع إلكتروني للاعب المنتخب الوطني لكرة القدم زكرياء أبو خلال، مما يطرح فرضية وجود انتقائية من لدن المجلس في التعامل مع الانتهاكات الصادرة عن المنابر الإعلامية. بالمقابل، أنجزت لجنة أخلاقيات المهنية بالمجلس تقريرا حول الممارسة المهنية، في ظروف جائحة كورونا، سجلت فيه وجود خروقات متعددة لميثاق أخلاقيات المهنة، وإن كانت معزولة، بعد أن كانت قد عبرت قبل ذلك عن إدانتها للجوء بعض المواقع الصحافية إلى المتاجرة بموضوع كورونا.
3. اقتراح الإجراءات لتطوير القطاع:
يعتبر تأهيل المؤسسات الصحفية وتطويرها مدخلا رئيسيا لحماية الصحافة وضمان وجودها وتعزيز أدوارها في المجتمع، لذلك ينبغي أن يكون المجلس الوطني للصحافة بمثابة قوة اقتراحية في هذا المجال، خاصة أن لجنة المنشأة الصحافية أنجزت تقريرا كان عبارة عن بحث ميداني، انتهى إلى أن أزمة الصحافة المغربية ذات طبيعة هيكلية لها أبعاد متداخلة ومعقدة أحيانا، وأن الرؤية غير واضحة والمستقبل المهني غير متحكم فيه. وفي الوقت الذي يشكل هذا التقرير أرضية للترافع من أجل تأهيل المقاولة الصحافية، ظل قطاع الصحافة يعيش أزمة هيكلية، في ظل شبح الإفلاس الذي يخيم على المقاولات الإعلامية، مما يهدد تعدديتها وفاعليتها باعتبارها خدمة حيوية للبناء الديمقراطي.
4. عشرة إشكالات تهدد التنظيم الذاتي
في ظل الملاحظات المسجلة على أداء المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته، يدخل التنظيم الذاتي للصحافة منعطفا صعبا بمصادقة الحكومة على مشروع قانون بإحداث لجنة مؤقتة تَحُلُّ محل أجهزة المجلس الوطني للصحافة، يتركز عملها فضلا عن إجراء تقييم شامل للوضعية الحالية لقطاع الصحافة والنشر واقتراح الإجراءات الهادفة إلى دعم أسسه التنظيمية داخل أجل لا يتجاوز تسعة أشهر تبتدئ من تاريخ تعيين أعضائها، التحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الواجب انتخابهم وتنظيمها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
بيد أن إحداث اللجنة المؤقتة يطرح عدة إشكالات سواء على مستوى تكوينها أو أجندتها، يمكن تلخيصها في عشرة نقاط:
– يتعارض مبدأ التعيين مع فكرة التنظيم الذاتي للصحافة، خصوصا إذا ارتبط بالسلطة التنفيذية، لذلك يشكل إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر من لدن الحكومة تراجعا عن المكتسبات المحققة في مجال التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب منذ 2016. وتجدر الإشارة إلى أن التنظيم الذاتي هو الشكل التنظيمي الذي يضمن أفضل حرية للصحافيين.
– تكشف تركيبة اللجنة المؤقتة أنها بمثابة "تمديد جديد" للمجلس المنتهية ولايته، لكن مع انتقاء أعضاء بعينهم، حيث تتألف اللجنة، علاوة على رئيس المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته بصفته رئيسا، من نائب رئيس المجلس المنتهية ولايته بصفته نائبا لرئيس اللجنة، ورئيسي لجنتي "أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية" و"بطاقة الصحافة المهنية" المنتهية ولايتهما، في الوقت الذي يتحملون مسؤولية عدم إجراء انتخابات تجديد المجلس، والترافع لدى الحكومة والبرلمان بهدف مراجعة القانون المحدث للمجلس قبل انتهاء ولايتهم الانتدابية، ويلامون على عدم تقديم حصيلة عمل المجلس –على غرار زملائهم الآخرين- في أربع سنوات.
– بالرغم من إصرار الحكومة على أن اللجنة المؤقتة تتجاوز الأشخاص، فإن اختيار بعض أعضاء المجلس المنتهية ولايته ليكونوا أعضاء في اللجنة المؤقتة، يثير تساؤلات حول دوافع ذلك. لا سيما أن الرئيس ونائبته ورئيسي اللجنتين المحتفظ بهم ينتمون إلى هيئة الناشرين ونقابة الصحافيين التي لم يصدر عنهما موقف داعمٌ لإجراء الانتخابات في وقتها، في حين لم تضم اللجنة المنتمين إلى الهيئات المهنية والنقابية الرافضة لتعديل القوانين المنظمة للمهنة قبل إجراء الانتخابات.
– تبدو دوافع الإبقاء على رئيسي لجنتين من المجلس المنتهية ولايته من أصل خمسة، وهما "أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية" و"بطاقة الصحافة المهنية"، والمتمثلة في ضمان السير العادي لمصالح الصحافيين، متهافتة، لأن عمل اللجان الأخرى لا يقل أهمية، فلجان "التكوين والدراسات والتعاون" و"الوساطة التحكيم" و"المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع" تضطلع بأدوار محورية في إعداد التقارير والدراسات الموضوعاتية ذات الصلة بقطاع الصحافة، وكذا الآراء الاستشارية التي تُطلب من المجلس، وتداول ودراسة مختلف القضايا الهيكلية والاقتصادية والإدارية والتنظيمية والقانونية والمالية والمهنية، ذات الصلة بواقع المقاولات الصحافية ومستقبلها.
– يشكل تكليف اللجنة المؤقتة المشكلة أساسا من أعضاء المجلس المنتهية ولايته بوضع تصور جديد لحل الإشكاليات التي يواجهها القطاع هدرا للزمن، خاصة مع التنصيص على ممارستها نفس المهام المنصوص عليها في القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة، وذلك لاشتغال هؤلاء الأعضاء مدة أربع سنوات وستة أشهر دون تقديم الحلول المطلوبة.
– تعتبر قراءة الحكومة بشأن جمود قانون إحداث المجلس الوطني للصحافة وعدم وجود آلية لإجراء الانتخابات، متعسفة، لأن المادة 54 من القانون المحدث للمجلس لا تتضمن ما يشير إلى أنها ترتبط بالانتخابات التأسيسية فقط، وأيضا لكون المادة التاسعة تحيل على المادة السابقة في تنصيصها على ما يجب القيام به في حالة تعذر المجلس عن القيام بمهامه، حيث تنص على أن اللجنة المشار إليها في المادة 54 تشرف على إحداث لجنة مؤقتة يعهد إليها القيام بمهام المجلس إلى حين تنصيب المجلس الجديد، وذلك في أجل أقصاه ستة أشهر.
– يضع تعيين رئيس الحكومة ثلاثة أعضاء باللجنة المؤقتة استقلالية هذه الأخيرة على المحك، خاصة أن فلسفة التنظيم الذاتي للصحافة تقوم على حق مهنيي الصحافة والإعلام في تنظيم مهنتهم على أسس الديمقراطية والاستقلالية عن السلطة التنفيذية، وفي احترام تام لحرية الصحافة التي ينص الفصل 28 من الدستور المغربي على أنها مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية.
– إن منح الحكومة للجنة المؤقتة سلطة التحضير لانبثاق نظام جديد للمجلس، كما جاء في مذكرة مشروع قانون إحداثها، يتعارض مع تركيبتها التي لا تعكس التعددية والتنوع في الحقل الإعلامي، في وقت كان يفترض لتحقيق هذه الغاية تشكيل لجنة مستقلة أو لجنة تضم في تركيبتها ممثلين عن كل الحساسيات المهنية والنقابية.
– تثير محدودية عدد أعضاء اللجنة المؤقتة الذي لا يتجاوز تسعة مقارنة ب21 عضوا في المجلس السابق، مخاوف من الطريقة التي ستنهجها في تدبير منح بطاقة الصحافة المهنية والبث في الشكايات، خاصة مع احتمال إسناد كل من المهمتين إلى عضو واحد، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من قرارات تعسفية، حتى مع تكليف رئيسي اللجنتين المنتهية ولايتهما. أما في حالة إسنادهما إلى الأعضاء المعينين من طرف رئيس الحكومة، فإن ذلك يشكل ضربا لمبدأ الاستقلالية المطلوب في منح تذكرة الولوج إلى المهنة وتأديب الصحافيين المخالفين لميثاق الأخلاقيات.
– يشكل عدم تحديد القوانين التي ستخضع لتقييم اللجنة المؤقتة داخل أجل لا يتجاوز التسعة أشهر، وفقا للمادة الرابعة من قانون إحداثها، وما إن كان ذلك سيشمل قانون الصحافة والنشر والقانون بمثابة النظام الأساسي للصحافيين المهنيين، إشكالية حقيقية، خاصة أن تعديل هذه القوانين مجتمعة يلزمه وقت ويفترض مشاركة مجتمعية، باعتبار أن قانون الصحافة والنشر أحد مداخل التأثير في الصحافة. وتزداد المخاوف في هذه الظرفية الموسومة بالاستقطاب الحاد من حصول تراجع عن بعض المكتسبات، خاصة أن تتبع سيرورة تعديل قانون الصحافة منذ الاستقلال حتى اليوم تشير إلى وجود اختلاف في التعامل معه حسب كل ظرفية وسياق، علما أن إيجابيات قانون الصحافة والنشر لسنة 2016 أكثر من سلبياته.
خلاصة: سبل الخروج من المأزق
يدخل التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب نفقا مسدودا، كان يمكن تجاوزه بتنظيم انتخابات تجديد المجلس الوطني للصحافة بعد انتهاء مدة انتداب أعضائه. وفي ضوء حالة الاصطفاف الحادة للهيئات المهنية والنقابية بسبب مصادقة الحكومة على مشروع قانون لإحداث لجنة مؤقتة تحل محل أجهزة المجلس الوطني للصحافة لفترة انتقالية، تقترح هذه الورقة حلولا للخروج من المأزق تدور حول مبادئ الانتخابات والتعددية والحكامة.
– يجب الالتزام بمبدأ الانتخابات وتجنب اللجوء إلى التعيين، حتى لو كان بيد الهيئات المهنية والنقابية، لأن ذلك ينتهك مبدأ استقلالية الصحافي.
– بالنسبة إلى التعددية، من المهم ضمان تعددية الآراء كحالة صحية في مجتمع الإعلام، وعدم اصطفاف الحكومة مع أي رأي ضد آخر، وسعيها إلى إشراك الجميع في مسار حماية التنظيم الذاتي، وحرصها على تقديم ضمانات دستورية وتشريعية تمنع تدخلها بأي شكل من الأشكال في المجلس الوطني للصحافة الذي ينبغي أن يمارس وظيفته الأصلية، وهي حماية حرية الصحافة، وضمان احترام أخلاقيات المهنة، وصيانة حق المجتمع في الإخبار والتوعية والتثقيف.
– أما فيما يتعلق بالحكامة، من المهم منع تحول مؤسسة التنظيم الذاتي إلى مؤسسة للإغراء المادي، ذلك أن تمثيل الصحافيين يجب أن يكون غير مُربحٍ كي لا يفقد معناه، ومن شأن منحِ أعضاء المجلس الوطني للصحافة تعويضات مبالغا فيها أن يجعل العضوية غاية لتحقيق الربح، وليست وسيلة لحماية استقلالية الصحافة. وتجدر الإشارة إلى التعويضات المحددة في النظام الداخلي للمجلس الوطني للصحافة، مثل نفقات النقل والإقامة المرتبطة بالمشاركة في أشغال المجلس، والتعويض عن الإسهام الفعلي في دوراته ولجانه هي أضعاف ما يتقاضاه الصحافيون في المقاولات الصحافية التي يشتغلون به، في الوقت الذي لا يحدد النظام الداخلي مقدار التعويض الشهري عن المهام الذي يتقاضاه رئيس المجلس. ويعد إخفاء هذه المعلومة عن الجمهور انتهاك لحق الصحافيين والمواطنين في الحصول على المعلومة.
* د. محمد كريم بوخصاص
باحث وصحافي، يُدَرّس الصحافة والإعلام بالمعهد العالي للصحافة والاتصال بالدار البيضاء، ويقدم محاضرات كأستاذ زائز بجامعات مختلفة. حاصل على درجة الدكتوراه في علوم الإعلام والتواصل من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وتناولت أطروحته دينامية التأثير في الصحافة المغربية وتجلياته في الممارسة المهنية. وينشر دراساته في مجلات علمية محكمة ومراكز أبحاث دولية منها مركز الجزيرة للدراسات. ويجمع بين البحث الأكاديمي والعمل الصحافي في أسبوعية "الأيام". وقد نشر العديد من التحقيقات الاستقصائية، حاز بعضها على جوائز وطنية ودولية، بما في ذلك "الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة" مرتين (2022-2018)، و"جائزة الاتحاد الأوروبي لإعلام الهجرة" (2019)، و"الجائزة الوطنية للصحافيين الشباب"(2018)، و"جائزة بروميثيوس لأفضل تحقيق صحافي حول المالية العمومية" (2020)، فضلا عن ذلك تم ترشيحه مرتين لجوائز الإعلام العربي التي ينظمها نادي دبي للصحافة (2017 و2019).
* المصدر: المعهد المغربي لتحليل السياسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.