بحلول سنة 2023 تكون قد مرت 15 سنة على المناظرة الوطنية للرياضية التي احتضنتها الصخيرات في ال24 من أكتوبر 2008 لتشريح واقع الرياضة والخروج بتوصيات تكون نبراسا ينير درب إصلاح منظومة متهالكة ومنهكة من فرط الإخفاقات. لقد دعا الملك محمد السادس في كلمته الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية للرياضية الى الخروج ب"توصيات وجيهة واقتراحات عملية تكون في مستوى التحديات التي تواجه رياضتنا الوطنية وتستجيب لتطلعات الجماهير الشعبية ومواطنينا، في الداخل كما الخارج، للمزيد من الإنجازات والبطولات". ورغم الدعوة الصريحة والواضحة للملك من أجل الخروج بتوصيات ظلت هذه الأخيرة غائبة، فهل غيبتها التغيرات الوزارية خلال التعديل الحكومي في الحكومة رقم 29 في تاريخ المملكة المغربية، أم غيبت سهوا نتيجة لقرأة غير متأنية لخطاب الملك؟ تعديل حكومي أسندت للبطلة المغربية نوال المتوكل مهمة وزيرة للشباب والرياضة في أكتوبر سنة 2007، لمدة سنة و9 أشهر و14 يوما تمكنت خلالها من الإشراف على المناظرة الوطنية للرياضية سنة 2008، لتغادر الوزارة في تاريخ 29 يوليوز 2009، ليخلفها منصف بلخياط في تعديل حكومي، قاد خلاله الوزارة المذكورة سنتين و5 أشهر و5 أيام، قبل أن يغادر الوزراة في 3 يناير 2012. يقول الدكتور منصف اليازغي في كتابه الموسوم ب"السياسة الرياضية بالمغرب"، إن "التغيير الذي هم الوزارة سنة 2009 إثر تنصيب منصف بلخياط يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الجدوى من تعيين نوال المتوكل لمدة لم تتعد سنة و 10 أشهر قدمت خلالها الوزيرة مخططا يهم السياسة الوطنية لوزارة الشبيبة والرياضة ما بين 2008 و 2012، ثم برنامجا للعمل خلال سنة 2009، إضافة إلى الاستراتيجية الطويلة المدى والممتدة ما بين 2008 و 2020 والتي هي نتاج أشغال المناظرة الوطنية للرياضة الوطنية شهر أكتوبر 2008". وأضاف اليازغي، "كلفت المناظرة حوالي مليار سنتيم من بينها 6 ملايين درهم لمكتب دراسات فرنسي LMS-CSA)، فرغم كل هذه الاجتهادات فإن الوزير الجديد بادر إلى إعداد سياسة أخرى تعتمد على المدى المتوسط من 2010 إلى غاية 2016 بمقاربة مغايرة تشكيل) بطولة احترافية من 12 فريقا 1000 ملعب قرب في أفق سنة 2016... وأبقى في تصريحاته فقط على مضمون الرسالة الملكية في افتتاح المناظرة الوطنية للرياضة شهر أكتوبر من سنة 2008". توجيهات ملكية قال الملك محمد السادس في الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية، "إننا لا ننتظر من هذه المناظرة، الاكتفاء بمجرد وضع تشخيص، مهما كان دقيقا لحال الرياضة المغربية أو الإطناب في التعبير الخطابي عن الإصلاح النظري الذي يفضي، لا محالة، إلى الوقوع في مغبة ما دعونا إلى تجنبه من الدوران في الحلقة المفرغة أو العبثية، لتغيير التغيير وإصلاح الإصلاح. بلى، إن غيرتنا على قطاع الرياضة، تجعلنا نحثكم على أن تجعلوا هذه المناظرة قوة اقتراحية تصدر عنها توصيات وجيهة واقتراحات عملية تكون في مستوى التحديات التي تواجه رياضتنا الوطنية وتستجيب لتطلعات الجماهير الشعبية ومواطنينا، في الداخل كما الخارج، للمزيد من الإنجازات والبطولات". وتابعت الرسالة الملكية، "لذا، فإننا نهيب بكافة الفاعلين المعنيين بهذا القطاع، أن يتناولوا الموضوع بروح عالية من المسؤولية والجد والالتزام والثقة في الذات وفي المؤهلات وبكثير من الطموح والتفاؤل، غايتكم المثلى، الاجتهاد في بلورة أفضل السبل، لوضع استراتيجية وطنية للرياضة المغربية في إطار رؤية جماعية مسؤولة". تفويت الفرصة وفي حديثه ل"العمق" يقول الإطار بقطاع الرياضة المصطفى الهيبة، "لقد فوتوا على المجال الرياضي أن يكون أقرب إلى تطبيق التوصيات، رغم أن التوجيهات حددت الأمور التي على المناظرة نقاشها والإستفاضة فيها، والتوصيات لم تحظ بالحيز الكبير، اللهم إصدار قانون التربية البدنية 30.09، وتوسيع قاعدة البنية التحتية ببناء ملاعب رياضية مراكشطنجة وأكادير وغيرها". وتابع الإطار بقطاع الرياضة، أن "النقاش العمومي بعد مرور أزيد من 12 سنة ما زال يركز أكثر على مضامين الرسالة الملكية أكثر من التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية، كما أن البعد العملي والأكاديمي وغيرها من النقاشات الرياضية، لم تركز على هذه التوصيات، ولم تفككها ولم تدرس كيفيات تنزيل هذه التوصيات على أرض الواقع بقدر ما حظيت الرسالة الملكية بأهمية كبرى في البحوث العلمية". وأشار الهيبة، إلى أن "الواقع حاليا يحتاج الى إعادة النظر في مضامين النقاش العمومي الموجه للرياضيين والتركيز على أنه لا بد من مناظرة وطنية جديدة يتم التركيز فيها على التوصيات والمخرجات بنظرة الإدارة المختصة والفاعلين الرياضيين والإقتصايين". تشخيص للأعطاب تقول الرسالة الملكية، "ومن التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي، ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية ، من لدن بعض المتطفلين عليها، للارتزاق أو لأغراض شخصية، إلا من رحم ربي من المسيرين الذين يشهد لهم تاريخ الرياضة ببلادنا بتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجلها، جاعلين الفرق والاندية التي يشرفون عليها بمثابة أسرتهم الكبيرة ولاعبيها في منزلة أبنائهم". وتابعت، "يأتي انعقاد هذا الملتقى في ظرفية مطبوعة بانشغال الرأي العام الوطني بما يعترض الرياضات الوطنية عامة من تقلبات تجسدها النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال، وهو ما لا نرضاه لبلدنا ولا يقبله كل ذي غيرة وطنية ولا يمكن أن تحجبه، بأي حال من الأحوال، بطولة أو تألق بعض المواهب الفردية". وأشارت إلى، "إن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية، على علاته الكثيرة، يمكن تلخيصه في إشكالات رئيسية، وهي بإيجاز : إعادة النظر في نظام الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية، وملاءمة الإطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع ، وكذا مسألة التكوين والتأطير، ومعضلة التمويل ، علاوة على توفير البنيات التحتية الرياضية، مما يقتضي وضع استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي". توصيات في مهب الريح وقال الهيبة "إن المناظرة الوطنية الخاصة بالرياضة والمسماة المناظرة الوطنية الثانية، وخطأ يقصد بها المناظرة الأولى، لأنه سبقتها في سنوات الستينات مناظرة خاصة بكرة القدم دعا لها الملك الحسن الثاني أنداك، والمناظرة الوطنية الثانية بالصخيرات عرفت رسالة توجيهية من الملك الى المشاركين وتضم مجموعة من القضايا المرتبطة بمجال الرياضة". يقول الهيبة، "أهم هذه القضايا؛ التشخيص الراهن لسنة 2008 حول وضعية الرياضة التي شابتها مجموعة من الأشياء المعيبة على مستوى الحكامة والبنية التحتية والتسير والتدبير، وعلى مستوى الممارسة، وعلى مستوى المنشطات وعنف الملاعب وغيرها من الملاحظات التي لاحظتها الرسالة الملكية، كما أن الرسالة التوجيهية كانت موجها حقيقيا للمؤتمرين لدراسة قضايا تتعلق بآليات وسبل إنجاح الرياضة بالمغرب". وتابع الهيبة، "خلصت المناظرة إلى نتائج وتوصيات مهمة جدا خصوصا بعد إنهاء أشغال المناظرة، حيث عمل الجميع من أجل خلق خطة واستراتيجية جديدة في المجال الرياضي، إلا أن الملاحظ في زمن ما بعد المناظرة، أن كل الفاعلين عملوا على التركيز على ما جاء في التوجيهات الملكية التي تضمنتها الرسالة الملكية، أكثر مما ركزوا على النتائج التي ترتبت على النقاش المفتوح حول القضايا التي جاءت بها الرسالة الملكية". توصيات المناظرة يقول الدكتور اليازغي، "أسدل الستار على أشغال المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة يوم 24 أكتوبر بالصخيرات 2008 تحت شعار "رؤية مشتركة ومسؤولية متقاسمة"، بحضور عدة مسؤولين حكوميين ومهتمين رياضيين، بعدما توزعت الأوراش على خمسة محاور استراتيجية تمخضت عنها 117 توصية عبارة عن اقتراحات جديدة أو تعديلات، تم من خلالها تعديل حوالي 30 فقرة في استراتيجية 2020، عكس المناظرة الوطنية لسنة 1965، فإن مناظرة 2008 لم تخرج بتوصيات عامة بقدر ما أثمرت استراتيجية شاملة في أزيد من 100 صفحة، موزعة على إجراءات عملية مقننة بتواريخ محددة بدون أن تخلو من دعوات فضفاضة إلى بعض الخطوات غير المصحوبة بوسائل أجرأتها". وأضاف اليازغي، "تم تحديد مكامن الضعف في: غياب إستراتيجية شمولية ومنسجمة للرياضة الوطنية؛ عدم ملاءمة الإطار القانوني للرياضة في المغرب مع التطور الرياضي، وبالأخص في مجال تطوير الاحترافية الرياضية، وضعف نظام تكوين الأطر الرياضية التقنية والإدارية؛ ضعف التمويل المخصص للرياضة، وبالأخص في القطاع الخاص التمويلات الخاصة، وتقادم وضعف شبكة البنية التحتية الرياضية؛ ضعف نظام اكتشاف وتكوين المواهب، خاصة داخل المدرسة". وأشار اليازغي إلى أن، "وزارة الشبيبة والرياضة عبرت عن عزمها السهر على تفعيل القرارات المنبثقة عن المناظرة، عبر تنسيق جهود القطاعات الحكومية وقيادة أنشطة الجهات، وتتبع بصفة منتظمة لمختلف مراحل الإستراتيجية الوطنية، إلى جانب تنظيم لقاءات مع جميع الفاعلين الرياضيين وتقديم الاستراتيجية رسميا للهيآت الرياضية والفاعلين العموميين والخواص قبل نهاية 2009 قصد إطلاعهم على النتائج وتدقيق خطط العمل التي ستؤمن تفعيل التوصيات على أرض الواقع، ورغم الهزيج الإعلامي الذي صاحب توصيات المناظرة، فإنها لم تصمد أكثر من سنة، إذ كان تغيير نوال المتوكل بمنصف بلخياط شهر يوليوز من سنة 2009 بمثابة إعلان عن طي الحديث عن كل ما يمت بصلة للمناظرة وتوصياتها".