طنجة: توقيف مبحوث عنه متورط في حيازة وترويج مخدر الكوكايين    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    الحكومة المغربية تطلع على اتفاقية استبدال رخص السياقة مع إيطاليا    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    الحليمي: خفضنا كلفة الإحصاء بما يناهز 453 مليون درهم ما يمثل 24% من الميزانية (مليار ونصف درهم)        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تأجيل جلسة محاكمة جريمة قتل الطالب أنور العثماني في طنجة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بتحديد نظام البذلة الرسمية لموظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أخبار الساحة    الاتحاد الدولي لكرة القدم يحذر اسبانيا من احتمال سحب تنظيم كأس العالم 2030        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    إصابة 23 تلميذا في انقلاب حافلة للنقل المدرسي ضواحي آسفي    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    كم يبلغ سعر الاورو والدولار هذا اليوم؟ .. بنك المغرب يحدد    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    غارات ليلية عنيفة بطائرات حربية في أقرب ضربة لوسط بيروت منذ حملة القصف    من بينها "العدل والإحسان".. هيئات مغربية تواصل الحشد للمشاركة في المسيرة الوطنية تخليدا للذكرى الأولى ل"طوفان الأقصى"    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    كيوسك الخميس | ودائع المغاربة لدى الأبناك تتجاوز ألفا و202 مليار درهم    توقيع اتفاقية لدعم القدرات الرقمية للمؤسسات التعليمية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    إيقاف بن عطية 6 مباريات بسبب انتقادات حادة لحكم مباراة مارسيليا وليون    الأمير مولاي رشيد يزور جناح نادي قطر للسباق والفروسية بمعرض الفرس للجديدة    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    ارتفاع أسعار النفط في ظل تصاعد مخاوف جيوسياسية        مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"        إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    النظام الجزائري يستغل التظاهرات الرياضية الدولية لتصريف معاداة المغرب    مقتل صهر حسن نصر الله في قصف دمشق    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دلالات إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية
نشر في العمق المغربي يوم 14 - 03 - 2023

يعد المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية من بين المؤسسات الهامة التي جاء بها دستور 2011 في الفصل الخامس منه، وخص لها قانونا تنظيميا يحدد تركيبتها وينظم كيفيات سيرها.
وقد سطر المشرع الدستوري لهذه المؤسسة الدستورية الوطنية المرجعية المستقلة، عدة وظائف هامة في ما يتعلق بالتوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال السياسات اللغوية والثقافية أساساً المرتبطة بالعربية والأمازيغية وكذا الحسانية واللهجات ومختلف التعبيرات الثقافية؛ وإبداء الرأي في كل قضية يُحيلها عليه الملك ودراسة البرامج الكبرى اللازمة لتنفيذ التوجهات التي تعدها الدولة في مجال السياسة اللغوية والثقافية؛ ناهيك عن إبداء الرأي بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان... كما جعلها مؤسسة ضخمة مركبة من خلال تركيبتها المتنوعة التي تضم خمس هيئات وهي:
– أكاديمية محمد السادس للغة العربية؛
– المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛
– الهيئة الخاصة بالحسانية واللهجات ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية الأخرى؛
– الهيأة الخاصة بالتنمية الثقافية وحفظ التراث؛
– الهيأة الخاصة بتنمية استعمال اللغات الأجنبية والترجمة.
لقد شكل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أهمية كبرى، إذ تم إحداث لجنة مكونةةمن 35 عضوا، ضمت ممثلي وزارة الثقافة ورئاسة الحكومة، وخبراء في مجال اللغة والثقافة والقانون، وممثلي عدد من المؤسسات العمومية وجمعيات المجتمع المدني، اشتغلت ثلاثة أشهر على إعداد مسودة لمشروع القانون، وعقدت جلسات استماع مع عدد المسؤولين في البرلمان بمجلسيه والأحزاب السياسية والفاعلين المدنيين...، تدارست الموضوع من مختلف جوانبه، وتوجت أعمالها بتحرير مسودة( منشورة في إصدارنا " المسألة الأمازيغية بالمغرب...من المأسسة إلى الدسترة") شكلت أرضية اعتمدت في بلورة المشروع الذي قدمته الحكومة للبرلمان قصد مناقشته والمصادقة عليه.
استأثر هذا المشروع بنقاش ساخن سواء داخل قبة البرلمان أو خارجه خصوصا لدى الحركة الثقافية عموما وبالدرجة الاولى الحركة الامازيغية لأن المجلس ابتلع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي قام بأداور كبرى وجاء كثمرة لنضالات طويلة لهذه الحركة التي التقت مع إرادة الملك محمد السادس الذي دشن مرحلة جديدة في تعاطي الدولة مع المسألة الأمازيغية من خلال خطابه التاريخي بأجدير في 17 اكتوبر2001.
لقد فتح خطاب اجدير – الذي يمكن لنا أن نعتبره ميثاقا ثقافيا ولغويا بين الدولة ونخبها- أفقا جديدا للأمازيغية يجد تفسيره في سلسلة التطورات النوعية التي عرفتها الأمازيغية منها إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بوصفه مؤسسة تشتغل بجانب الملك في تدبير أحد الملفات الشائكة الموروثة عن فترة الملك الراحل الحسن الثاني.
سعى المشرع من خلال تجميع كل المؤسسات التي تعنى بالثقافة واللغة في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إلى البحث عن الانسجام والتناغم والتكامل في مجال السياسات اللغوية والثقافية والذي يعد اليوم محورا اساسيا في تحقيق التنمية المستدامة.
لا نعرف هل فكرة تجميع مؤسسات (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأكاديمية محمد السادس للغة العربية)في المجلس كانت صائبة ام لا، سيما وانها لقيت معارضة شديدة من قبل خبراء لهم مكانتهم العلمية ووزنهم الأكاديمي في مجال اللغة، وذلك لأن المجلس الوطني للغات والثقافة لم يفعل بعد على أرض الواقع، شأنه في ذلك شأن مؤسسات أخرى جاء بها دستور 2011 ولم تجد بعد طريقها إلى التفعيل رغم مرور أزيد من عشر سنوات على دستور صنف بكونه دستورا للحقوق والحريات والهوية والحكامة.
لكن الظاهر ان تفكير المشرع في موضوع تجميع مؤسسات في مؤسسة ضخمة هي المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، كان الهدف منه جعل كل الهيئات المعنية تشتغل في انسجام وتكامل وفق استراتيجية المجلس ورؤية وخيار الدولة في هذا المجال.
أكيد أن التنصيص على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية يعكس وعي ونضج الدولة بضرورة نهج استراتيجية واضحة تقطع مع عقلية التجريب الذي عرفه حقل الثقافة واللغة لسنوات، إذ كان تحت وصاية الفاعل السياسي وأخضعه لرهاناته السياسية وحساباته الانتخابية ومصالحه الضيقة، في حين أن هذا الحقل ذو طبيعة سيادية يهم بالدرجة الاولى الهوية الوطنية والشخصية المغربية. وقد تتبعنا كيف انتفضت فرنسا على سبيل المثال، في وجه هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية عندما غزت حقلها الثقافي والفني وبدأت تهدد هويتها الثقافية، وكيف دافعت فرنسا خلال المفاوضات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة في إطار منظمة التجارة العالمية "GATT" عن استثناء السلع والخدمات الثقافية والابداعية من المعاهدات والاتفاقيات التجارية لكونها تشمل القيم والهوية والمعاني التي تتجاوز قيمة تجارية واضحة، وتهم الخصوصيات الثقافية للبلدان والمجتمعات. وكيف تجند المفكرون والمثقفون والساسة الفرنسيون وعلى رأسهم الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران للرد على الهجوم الأمريكي في مجال الابداع والمنتجات السمعية البصرية ضمن ما أطلق عليه إبانها ب"الاستثناء الثقافي"، وكيف تتحرك اليوم فرنسا كذلك، عند المس بانتشار اللغة الفرنسية التي ترمز إلى سيادتها في مناطق تعتبرها مجالا لنفوذها. ومنذ ذلك الوقت أصبح "الاستثناء الثقافي" أحد توابث السياسة الفرنسية حيث يرفع هذا الشعار في كل مناسبة تطفو على السطح قضايا من شأنها المس بهوية فرنسا الثقافية والفنية والإبداعية والسينمائية....
لقد سبق للملك محمد السادس أن عبر في أكثر من مناسبة عن أهمية البعد الثقافي بشتى تعبيراته باعتباره رأسمالا لا ماديا لا غنى عنه في مسيرة النهوض والرقي، وأكد في إحدى المناسبات الدولية (في رسالة سامية خلال الحفل الأول لموسيقى البحر الأبيض المتوسط المنظم بقصر الأمم بجنيف سنة 2016) أن "ثروة أي بلد من البلدان لا تقاس فقط من خلال المؤشرات الاقتصادية بل وكذلك، وبالدرجة الأولى، من خلال القوة الناعمة التي يتوفر عليها، ومن خلال ما يتمتع به من استقرار وعراقة تاريخ، وغنى ثقافي وموروث حضاري"، مما يعني أن التنمية المستدامة لا تنطلق فقط من المرتكزات المادية بل هناك وهذا هو الأهم الرصيد اللامادي المتمثل في الغنى الثقافي والموروث الحضاري.
من هذا المنطلق تظهر الأهمية الاستراتيجية الراهنة لهذا المجلس في بلورة التوجهات الكبرى للسياسات العمومية المتعلقة باللغة والثقافة، والسهر على انسجامها وتكاملها وصيانة مكوناتها للنهوض بالثقافة المغربية التي تشكل مصدر غنى لبلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.