شركة يابانية تختار طنجة لتشييد أول مصنع لها في إفريقيا    ""البيجيدي" يدعو مجلس المنافسة للتحقيق في شبهة تواطؤات بسوق الدواجن والبيض    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        المغرب يطمح لدخول قائمة أفضل 15 وجهة سياحية عالمياً بحلول 2030        الجناح المغربي في مؤتمر (كوب 29): واجهة للتعريف بإنجازات المغرب في مجال المناخ    نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    طواف "المسيرة الخضراء.. الصحراء المغربية بعيون عربية" يصل الدوحة    طفلة تسائل الحكومة عن تسول الأطفال الذي يمس بسمعة المغرب قبل تنظيم المونديال    توقيف تلميذ اعتدى على زميله بسلاح أبيض في طنجة    سلطان عمان يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال        الفنان حسن الدالي بحصل على 5 نجمات في البرنامج الفني ستارلايت ويواصل التباري من اجل الدخول الى عالم أضواء النجوم    الشامي: 8.5 مليون مغربي ما زالوا خارج التغطية الصحية والقطاع الخاص يلتهم نفقات العلاج    سيناتور أمريكي يدعو لإنهاء تواطؤ بلاده في الإبادة الإسرائيلية بغزة    إلياس المالكي يعود إلى السجن..    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    الجامعة تُهنئ نادي الجيش الملكي بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا للسيدات    الكاف" يعقد اجتماعا بتنزانيا شهر دجنبر القادم    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    طنجة: حريق في ليلة ماطرة في أحد مصانع النسيج    "الهجرة السرية" تستنفر درك الجديدة    تصنيف عالمي يرصد تواضع أداء "البنية التحتية المعرفية" في المغرب    المجلس الاقتصادي: متوسط كلفة مريض في القطاع الخاص تفوف نظيره بالقطاع العام خمس مرات    حوادث تخلف 36 قتيلا في مدن المغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    أزروال يواصل تحفيز ودعم لاعبي المغرب التطواني للعودة من ديربي الشمال بانتصار    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    وسط إنزال أمني مشدد.. المجلس الجماعي للقنيطرة ينتخب مكتبه الجديد    محاميان مغربيان يطالبان بإعتقال ومحاكمة نتنياهو بتهمة الإبادة الجماعية في غزة    ملكة الأردن رانيا ترد بطرافة على طلب طالب جامعي    السفارة المغربية ببلجيكا والقنصلية العامة بأنفيرس تنظمان حفل استقبال بمناسبة عيد الاستقلال    إغلاق مئات المدارس بسبب التساقطات الثلجية القوية بالمملكة المتحدة    وقفة احتجاجية بالرباط للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    المنتخب الوطني لمواليد 2000 فما فوق يتعادل مع المنتخب الإيفواري في بنجيرفيل        نائبة أميركية ترفض "متحولة جنسيا" في مراحيض النساء    أستراليا تواجه جذب منصات التواصل الاجتماعي للأطفال    بسبب "فضيحة" عقد 62 مليون سنوياً مع فندق.. حماة المال العام يطالبون النيابة العامة بالتحقيق مع الميراوي    نقابة تعليمية تطالب بإسقاط الأحكام القضائية ضد أساتذة    الطريق السريع تزنيت–الداخلة.. شريان تنمية جديد للصحراء المغربية أبهر العالم    زيلينسكي يحذر من أن بلاده "ستُهزم" إذا قطعت عنها واشنطن المساعدات العسكرية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهوية المتقدمة والتراث غير المادي: (التعدد اللغوي - أنموذجا-).
نشر في هسبريس يوم 15 - 01 - 2017

تعد مسألة التعدد اللغوي في المغرب مسألة متشعبة للغاية، وتظهر في سياقات متنوعة تتفرع بين ما هو تاريخي و جغرافي وما هو لساني، بل حتى الثقافي والسياسي والاجتماعي، مما يؤكد هذا التعدد ويزيده تفرعا. كما أن البناء الثقافي لكل مجتمع لا يمكن أن يتأسس خارج اللغة، لأن هذه الأخيرة هي العامل الأساس المعبر عنه، فأينما كانت اللغة قوية ومتعددة كانت الثقافة متتنوعة، معنى ذلك أن اللغة أداة استعمال مرنة في سياق معين من جهة وأداة التواصل بين الجماعات داخل المجتمع الواحد من جهة ثانية، وعندما نصبح أمام تعدد لغوي نكون أمام تعدد ثقافي.
إن ما يفرض ضرورة تعرف كيفية تدبير التعدد اللغوي بالمغرب داخليا وخارجيا هو وضعه الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى ما عرفه من إكراهات سياسية بالخصوص، وكذا الدور الذي اضطلع به الاستعمار في خلخلة بنائه الثقافي والقومي، مما أثر في اللسان واللغة على وجه الخصوص، إذ أن التعدد اللغوي في المغرب حكمته هذه الخلفيات إلى جانب عوامل أخرى كثيرة لا يسع المجال لذكرها، لذلك سنشير إلى عاملين اثنين في هذا الصدد:
• الظروف التاريخية بما حملته من تغيرات على مستوى التعدد اللغوي بالمغرب.
• مدى تأثير العامل التاريخي على الجغرافيا اللغوية بالمغرب وبالخصوص الحضارات التي تعاقبت عليه من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
مما جعل المجتمع المغربي سوقا لغويا، من تجلياتهتعدد واختلاف اللهجات سواء العربية
أو الأمازيغية، مع اختلاف نفس الدوارج من منطقة إلى أخرى.
هذا ويعد الخطاب الملكي بادرة قوية في سبيل حكامة متينة تراعي كل المكونات وشرائح الشعب المغربي من خلال وضع الجهوية المتقدمة ومسألة التدبير الجهوي، كما تضمن الخطاب الملكي أيضا مسألة التعدد اللغوي الثقافي في المغرب، الشيء الذي تجسد في دسترة اللغة الأمازيغية في دستور 2011.
وما دامت اللغة تشكل أساس الهوية الجماعية والفردية ورمزا من رموز التراث الثقافي وحاملة المعرفة وناقلة لها فهذا "ما يبرز الحاجة إلى سن سياسة لغوية تهدف إلى إبراز الهوية والحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي لمختلف مكونات المجتمع بغية الحفاظ على تماسكه رغم تعدده اللغوي وتنوع مرجعياته الثقافية"، وإلى محاولة معالجة إشكالية الفوضى اللغوية التي أصبح يتسم بها المجتمع اللغوي المغربي في ظل تحديات العولمة والتطورات التكنولوجية والاقتصادية، من "عولمة المعلومات وتدويل الاقتصاد وسقوط الحدود الثقافية والاقتصادية"، وتقزيم العالم في شكل قرية صغيرة، ولعل هذا كله ما يلح بالضرورة إلى صب الاهتمام حول مسألة تدبير التعدد اللغوي بالمغرب بإشراك كل الفعاليات المجتمعية ، ومراعاة الخصوصيات الفردية والجماعية للمجتمع المغربي
مفهوم التعدد اللغوي:
إن التعدد اللغوي ليس ظاهرة حديثة وإنما سنة من سنن الله في خلقه، إذ يقول الله تعالى في كتابه العزيز " ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم و ألوانكم إنّ في ذلك للآيات للعالمين".{سورة الروم الآية 21}.
إن الآية الكريمة تبين كيف أن الإنسان عرف الاختلاف في بادئ الأمر ولم يكن الاختلاف في اللسان فقط بل وفي الألوان البشرية أيضا، هذا واقتضت مشيئة الله أن يخلقنا مختلفي الألسن والألوان لحكمة أرادها سبحانه وتعالى.
هذا، ولازالت جل السياسات اللغوية العالمية تقر بالتعدد اللغوي وتدعو إلى ضرورة تعلم لغة أو لغتين أجنبيتين، حيث أصبحت التحولات الحضارية الحديثة والتطور التكنولوجي يفرض تبني هذا التعدد اللغوي على المستوى الكوني وليس على المستوى المحلي أو الوطني فقط. "ذلك أن أشد مقومات الكونية تأثيراً هو تغير طبيعة المجتمع إلى مجتمع معلوماتي، وطبيعة المجتمع المعلوماتي كونية بتعريفها لا تقتصر على مكان أو ثقافة أو لغة واحدة، فالكونية تتبنى أطروحة التنقل بدون حدود ... الشيء الذي يشعر بضرورة معرفة العديد من اللغات.
فالتعدد اللغوي ليس بالضرورة الحديث عن لغات متعددة أو امتلاك لسان متعدد وإنما هو حسب عبد الإله الاسماعيلي، تعرف أنظمة لغوية متعددة قد لا تكون بالمستوى نفسه، ولا القيمة نفسها ولا درجة الاتقان نفسها، ولكنها القدرة على التواصل والتحاور والفهم والقراءة والكتابة ... وغيرها من المستويات التي تسهم في تحقيق التناغم بين اللغات التي يتوسل بها إلى الانفتاح على تجارب الآخرين ومعارفهم وطبيعة مجتمعاتها.
• مفهوم التخطيط اللغوي:
ترتبط عملية التخطيط ارتباطا حيويا بجميع الأعمال والأنشطة الحياتية على اختلاف مستوياتها وأشكالها، وأن الذي يميز الأعمال والأفعال المنظمة عن غيرها هو قيام هذه الأعمال والأفعال على أساس تخطيطي منظم وهادف، كما أن الذي يميز الانسان الناجح عن سواه هو اعتماده مبدأ التخطيط العقلاني السليم في أعماله وأنشطة حياته. ومن هنا كان للتخطيط أهميته ومكانته بالنسبة إلى مجال اللغة والتربية.
يفيد التخطيط اللغوي عموما مختلف أشكال التدبير التي تستهدف:
1 الوضع الخارجي للغة : بمعنى معالجة وضع اللغة إزاء اللغات واللهجات الموظفة معها داخل البلاد. وقد اصطلح على هذا النوع ب (Status planing).وهو تخطيط يستند في تطبيقه إلى النصوص الدستورية والمنشورات الحكومية والقرارات الصادرة عن كبار المسؤولين.
2 الوضع الداخلي للغة: بمعنى التخطيط للتحولات التي تطرأ على اللغة نفسها، على مستوى نسقها وعلى مستوى إنتاج الأدوات التي تمكن من تنميتها.واصطلح على هذا النوع من التدخل ب (Corpus planing).
كما ينبغي التركيز على الوضع الداخلي للغة " وعلى تهييء الأدوات التي تجعلها مؤهلة لأن تتمكن في وضعها المحيطي. بل إن عدم تنميتها داخليا قد يساعد على اضطراب وضعها في المحيط، وتقهقرها عوض تمكنها".
ويتغيا التخطيط اللغوي تحقيق مجموعة من الغايات منها:
معالجة الوضع الخارجي للغة عن طريق تعميمها في مختلف المجالات: الاتصال، التعليم والإدارة والخطابات السياسية، والإعلانات والإشهار ... والتقليص من حجم المنافسة اللغوية الأجنبية.
معالجة الوضع الداخلي للغة: بإنتاج أدوات تساهم في نموها وتزايد استعمالها في الميادين المعرفية، بوضع خطة للإصلاح اللغوي، وتبسيط الأساليب، ووضع المصطلحات وإعداد المعاجم
التعدد اللغوي ومسألة الهوية:
إن علاقة اللغة بالهوية دائما ما تكسب موضوع اللغة صبغة سياسية واجتماعية قوية، فإذا كانت اللغة تتحدد بنيويا بمكوناتها الصوتية والتركيبية والدلالية والتداولية، فإن بعد الهوية يستعصي على كل تحديد بنيوي، وخصوصا إذا كانت اللغة أحد أهم السمات المميزة للهوية.
وإذا كانت اللغة تتحدد في ثلاثة مستويات: اللغة الأم، واللغة الرسمية، ولغة معاصرة حسب تصنيف (جلينبيرغ) فإن هذه المستويات الثلاثة تتوافق مع مستويان لتشكيل الهوية، حيث اللغة الأم المحدد الأساسي للهوية الفردية (النفسية والإثنية والقبلية)، وهي لغة تحت مستوى الكتابة، واللغة الرسمية أو لغة المؤسسات الإدارية والسياسية والإعلامية هي محدد لهوية من درجة ثانية، وهي هوية المواطنة والانتماء إلى الدولة وممارسة هذا الانتماء سياسيا وإعلاميا وإداريا، أما اللغة الثالثة التي يطلق عليها) بيير بورديو ( لغة التماهي، فهي تجسد الهوية الحوارية مع الآخر أو هوية الاغتراب لأننا نستعملها كلغة أجنبية للتماهي مع الآخر وتعطينا الإحساس بالاختلاف معه والاغتراب حياله، وبالتالي فاللغة تقوم بوظيفة تحريك الهوية وتقوم مقام القوالب الخطية والصوتية والرمزية التي تعبر عن الهوية وأزماتها.
وإذا ما أسقطنا هذه المستويات على الوضع اللغوي في المغرب، فإننا نقف عند ثلاث مستويات من الهوية، تتوافق مع ثلاثة مستويات من اللغة، فهناك اللغة الأم(العربية المغربية والأمازيغية المغربية) التي تعد القالب السيكولوجي للتعبير عن الهويات الفردية والجماعية، وهي لغة الانتماء إلى الذات وإلى الجماعة الحيوية.
وهناك اللغة العربية الكلاسيكية، التي ترتبط أساسا بالهوية الدينية، على اعتبار أن العربية كانت دائما الحامل والوسيط المحوري للإسلام، حيث يصعب فك الارتباط بينهما على مستوى الهوية الدينية للأفراد والجماعات). وهناك من يضيف اللغة العربية الوسطى ( وهي مزيج بين الدارجة واللغة العربية الفصحى، عبارة عن مركب لساني ولغوي أنتجته وسائل الإعلام ووسائل التعبئة الجماهيرية التي أخذت من الشق الديني المكونات اللغوية الهوياتية.
أما اللغة الفرنسية، فهي محددة لهوية معينة داخل الشخصية المغربية، فهي ليست لغة الانتماء إلى الهوية الإثنية والقبلية ولا لغة الهوية الوطنية، وإنما لغة تسلق الطبقات الاجتماعية، ولغة تسلق السلم الاجتماعي وتعزيز المكانة الاقتصادية للفرد والجماعة، وهناك من يعتبرها لغة المعاصرة والتماهي مع العولمة) في انتظار أن تلعب الإنجليزية دور عولمة الهوية المغربية( .
هذا ويؤكد الدكتور الفاسي الفهري في كتابه السياسة اللغوية في البلاد العربية، على أن أي سياسة لغوية لا تستحضر البعد الهوياتي والحضاري سياسة جوفاء مفصولة عن بيئتها ومحكوم عليها بالموت، فالهوية في نظره تراكمية تقوم على أساس التنوع في الوحدة، والوحدة داخل التنوع.
إن تعدد الألسن "خير" ينبغي تثمينه من أجل التماسك الهوياتي ، فالهوية ليست إقصائية أو منغلقة بدواعي الخصوصية، بل منفتحة وقابلة للتعايش وهي لا تنفصل عن السيادة. كما أن السياسة اللغوية لابد أن تستند إلى مبادئ الهوية الثقافية الوطنية في شموليتها وتنوعها، وكذا مسايرتها للتقدم العالمي.
وتتبعا لمراحل الإقرار بمشروع الجهوية المتقدمة في خطب العاهل المغربي الملك محمد السادس، يتضح أن هذا المشروع ينم عن رؤية تنموية تراعي جانب الهوية المغربية بكل مكوناتها، خصوصا في خطاب مارس 2011 الذي تضمن أول مقومات الإصلاح الدستوري:"التكريس الدستوري لطابع التعددية المغربية الموحدة، الغنية بتعدد روافدها وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة".
إن جل الخطب الملكية تضمنت الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية في جانبها التعددي وفي مشروع الجهوية، وخصوصا المكون الأمازيغي من خلال دسترته و العمل على دمجه في البرنامج التعليمي.
وإذا حاولنا تقصي جانب الهوية في النصوص التشريعية المغربية وذلك بوضع مقارنة بين دستور 1992 ودستور 2011، نجد أنه جاء في ديباجة النص الدستوري لسنة ":1992 المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير".
في حين أن التفصيل في مسألة الهوية بتحديد العناصر المكونة لهوية المغرب عقديا وإثنيا وعرقيا وحضاريا إنما ورد في دستور 2011 "المملكة المغربية دولة إسلامية متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هوياتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية- الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".
التعدد اللغوي ومسألة الجهوية الموسعة:
تعد الجهوية المتقدمة من أهم المشاريع المهيكلة للدولة، فهي نمط من حكامة القرب التي تروم أساسا إلى إشراك الجهات في اتخاد القرار وتدبير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي وفق ضوابط، وفي ظل الوحدة والسيادة الوطنية.
يتوخى مشروع الجهوية الموسعة طبقا للخطاب الملكي أبعادا شتى، لكن ما يهمنا هنا هو البعد اللغوي، فالجهوية إطار مجالي لتدبير جدلية التعدد والتنوع اللغوي والثقافي من جهة، والوحدة الوطنية والتماسك من جهة أخرى.
وتفعيلا لهذا التدبير المرتقب في ظل الجهوية المتقدمة جاء الدستور الجديد تأكيدا لهذه الغاية المنشودة، وذلك من خلال تأكيد مسألة الاعتراف بالتعددية اللغوية والثقافية، حيث جاء في فصله الخامس مايلي:
''تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.
وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
يُحدد قانون تنظيم مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.
تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم واتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل التواصل والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة والانفتاح على مختلف الثقافات وعلى حضارة العصر''
لقد راعى المشرع المغربي في وضعه لبنود الدستور الجديد 2011 الهوية المغربية بمختلف مكوناتها، ومن تجليات هذا الاهتمام الذي يعد بادرة غير مسبوقة، دسترة اللغة الأمازيغية، وجعلها لغة رسمية إلى جانب العربية وتأكيد حماية التراث الحساني باعتباره جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية.
وللقيام بهذه المهمة نص الدستور المغربي على تأسيس هيئة وطنية تسهر على تنفيد مقتضيات الفصل الدستوري، ''يحدث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته على وجه الخصوص حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا، ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات، ويحدد قانون تنظيمي صلاحيته وتركيبته وكيفيات سيره''
تعرف الجهة على أنها مجموعة ترابية منسجمة مجاليا، تهدف إلى خلق نوع من التكامل التنموي، وإلى تحقيق قدر من التوازن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الأقاليم في إطار التنمية الجهوية التي تلائم تدخل الدولة لإنجاز التخطيط والتنمية المحلية.
وحسب هذا المنظور تشكل الجهوية المتقدمة مشروعا يهدف إلى جعل كل جهة مجموعة متماسكة ذات أهداف تنموية مشتركة، كما ينبغي على هذا المشروع أن يستثمر المفهوم التنموي في تدبير التعدد اللغوي وجعله مجموعة متماسكة تهدف إلى سياسة مشتركة داخل التراب الوطني من أجل خلق تنمية جهوية تراعي التعددية في الهوية المغربية، والتي تعد اللغة جزء لا يتجزأ منها.
فمشروع التنمية المرتقب في انتظار تفعيل الجهوية المتقدمة لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع ما لم يأخد بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية للمجال، كمجموع القيم الرمزية والتعابير المادية والغير المادية للأفراد والجماعات.
استنادا لهذه المعطيات تتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة من قبيل، هل الجهوية المتقدمة في تقسيمها الحديث راعت هذا التعدد؟ وهل هي قادرة على احتواء هذا التعدد اللغوي إن وجد – ولو صدفة-؟ وهل كانت الحكامة اللغوية، أو بالأحرى الديمقراطية اللغوية إحدى مرتكزات التقسيم الجهوي؟.
المراجع المعتمدة في المقال:
• عبد القادر الفاسي الفهري، اللغة والبيئة، منشورات الزمن، كتاب الجيب 38، ص 6.
• الفاسي الفهري1996 (أ) ، عربية النمو، المعجم الذهني، أبحاث لسانية، المجلد الأول، العدد 1، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الرباط، ص 14 15.
•أمينة ابراهيمي،وضع اللغة العربية،وصف ورصد وتخطيط، منشورات زاوية للفن والثقافة ، ط1 ، 2007 ص 123.
• محمد قريش كريكش، حول مسألة التعدد اللغوي بالمغرب، مقاربة سوسيوتاريخية، الحوار المتمدن- العدد 4432، 2014.
• رشيد الوردي، ملاحظات حول مقاربة الواقع اللغوي بالمغرب، جريدة هسبريس الإلكترونية، 4 مارس 2010.
• عبد الاله الاسماعيلى، التعدد اللغوي بين الممارسة والتطبيق : نظرة المجتمع والتحديات الراهنة، جريدة هبة بريس 8 ماي 2013 .
• د.شحلوف حسين، ج/ منتوري، التعدد اللغوي في التخطيط التربوي،الواقع والآفاق،أعمال الملتقى الوطني حول: التخطيط اللغوي ديسمبر 2012 ، ج 2 ص .45
• يونس النعيمي، "المسألة اللغوية وسؤال الهوية"، عن جريدة المساء، العدد 1353، 2011.
• الدستور المغربي 1992، ص.2
• فؤاد بوعلي، النقاش اللغوي والتعديل الدستوري في المغرب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، معهد الدوحة، يناير 2012، ص.29
• منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الصفحة الرسمية، ''تدبير اللغات وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيعية في ضوء الدستور'' .
• الدستور المغربي '' الفصل الخامس''.
*باحث في الدكتوراه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.