"أنا فخور بما حققته في حياتي" هكذا بدأ محمد (18 عاما) قصته التي حكى فيها عن واقع التخلي الذي عاشه في طفولته، والحضن الدافئ الذي وجده في قرية الأطفال المسعفين بمدينة أكادير. محمد طالب في السنة الثانية بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بمدينة الرباط، وهو واحد من الشباب الذين قضوا سنوات طفولتهم في قرية الأطفال المسعفين بمدينة أكادير، والتي قدمت له، ولأطفال كثيرين في مثل حالته، الدعم والرعاية بعدما تم التخلي عنهم من طرف أسرهم. لقد كان محمد الذي التحق بقرية الأطفال المسعفين وهو ابن ال5 سنوات محبا للحياة وممارسا لعدد من الرياضات والهوايات مثل المسرح والموسيقى، كما أبان عن تفوق دراسي منقطع النظير، وهو ما جعل القرية التي احتضنته ترعى دراسته وتسانده لتحقيق حلمه في أن يصير مهندسا زراعيا. وعن هذه التجربة يحكي محمد : "لقد التحقت بالقرية سنة 2009 وكنت من بين الأفواج الأولى للأطفال الذين استقبلتهم.. عشت في كنف أسرة مكونة من أم بديلة وثماني إخوة"، ثم أضاف: "قضيت هناك زهاء خمس سنوات، ثم التحقت بأسرة تكفلت بي واعتبرتني واحدا من أبنائها، لقد قدموا لي كل الحب والرعاية والتقدير". وعن مساره الدراسي يحكي محمد : "بعد حصولي على الشهادة الابتدائية، التحقت بالثانوية العسكرية بمدينة القنيطرة، ثم تابعت دراستي إلى أن حصلت على الباكالوريا، لقد كنت أقضي فترات العطل عند الأسرة التي تكفلت بي.. والتي كانت تتابع تفاصيل حياتي عن كثب، كما تهتم بشؤون دراستي حتى وأنا بعيد عنها".. وتابع قائلا : "لقد حصلت على معدلات دراسية متفوقة وهو ما مكنني من ولوج المعهد الذي أدرس به.. أنا حاليا في السنة الثانية تخصص زراعي"، مضيفا : سأواصل الكفاح إلى أن أحقق طموحي في الحياة". ويعتبر محمد واحدا من آلاف الأطفال المتخلى عنهم في المغرب، والذين احتضنتهم جمعية قرى الأطفال المسعفين عبر مراكزها الخمس في المملكة. Younes Ezz · محمد بنسودة
مبادرة لاحتواء الأطفال المتخلى عنهم تأسست جمعية قرى الأطفال المسعفين بالمغرب "SOS VILLAGE"سنة 1985، حيث شَيَّدت أول قرية للأطفال بمنطقة أيت أورير بإقليم مراكش، ثم أُنشأت فروعا أخرى في كل من إمزورن بإقليم الحسيمة، وفي مدن أكادير والجديدة والدار البيضاء، في محاولة لاحتواء الأطفال دون سند أسري. وتتمثل المهمة الأساسية لهذه الجمعية في التكفل الكلي بالأطفال اليتامى والمتخلى عنهم، وتربيتهم وتلبية احتياجاتهم الضرورية المتمثلة في التمدرس والصحة والتغذية، باعتبارهم فئة هشة وفي حاجة ماسة للدعم العائلي. وإلى جانب ذلك، تعمل هذه القرى على إدماج الأطفال اليتامى والمتخلى عنهم في أسر الإيواء، في إطار نظام الكفالة المعمول به في المغرب، كما تواكب عملية استكمال تعليمهم في مختلف مراحله، بما فيها مرحلة التعليم العالي عبر إلحاقهم بالمعاهد والجامعات العليا، أو تضمن لهم ولوج سوق الشغل عبر تكوينات مهنية في حال لم يتمكنوا من إتمام دراستهم. ووفقا للإحصاءات الصادرة عن هذه الجمعية، فقد استقبلت حتى 31 دجنبر 2020، عبر قراها الخمس في المغرب،1106 طفلا تم التكفل بهم عبر برامج مختلفة، كما أصبح 633 شابا احتضنتهم هذه القرى مستقلين بذواتهم، 23 منهم تم إدماجهم في سوق الشغل سنة 2021.
إنفوجراف : الأطفال المتخلى عنهم في المغرب
قرية الأطفال المسعفين أكادير : "الحق في الأسرة للجميع" افتتحت قرية الأطفال المسعفين بمدينة أكادير سنة 2008، بدعم من مؤسسة الجنوب ومؤسسة محمد الخامس للتضامن والمجالس المحلية، وكذا مجموعة من المتبرعين، حيث يعمل بها 31 مستخدما يتكوَّنون من أطر إدارية وتربوية ومساعدة اجتماعية. واستقبلت هذه القرية منذ2008 إلى اليوم 173 طفلا، 90 منهم إناثا، و80 من الذكور، كما أنها تحتوي على 14 منزلا، في كل واحد منها يعيش طفل رفقة أم بديلة و 8 من إخوته الذين يتقاسمون معه نفس الظروف. وإضافة إلى ذلك، تتوفر القرية على فضاءات أخرى منها ساحة للعب وقاعات للأنشطة الموازية وملاعب رياضية ومرافق ترفيهية، فضلا عن الإدارة التي تتواجد بها مكاتب المسؤولين عن القرية. وفي تصريح لمدير قرية الأطفال المسعفين بأكادير، أكد الحسين الطالبي أن " SOS Village" تعلي شعار "الحق في الأسرة للجميع"، وهو ما يعني أن "لكل طفل، بغض النظر عن ظروفه، الحق في الانتماء لأسرة تحتضنه، وتعوضه عن الحرمان الذي عاشه في طفولته". وأوضح ذات المتحدث أن قرية الأطفال المسعفين بأكادير تشتغل على خمسة برامج رئيسية، هي: البرنامج الحمائي، الذي يستفيد منه 98 طفلا داخل القرية، حيث تتم رعايتهم في إطار نظام الأسرة مع توفير حاجياتهم وضمان حقهم في السكن والرعاية والتمدرس، إضافة إلى برنامج الاندماج الاجتماعي عبر أسر الاستقبال. أما بخصوص البرنامج الثالث والرابع فهما يستهدفان فئة الشباب الذين نشؤوا في قرية الأطفال المسعفين، وذلك من خلال تتبع مسارهم ودعم استكمال تعليمهم العالي، أو تمكينهم من الاستفادة من مختلف الشعب والتكوينات المهنية، قصد إدماجهم في سوق الشغل. هذا، وتعمل ذات القرية على ما يسمى ب"البرنامج الوقائي"، بهدف الانفتاح على المحيط الخارجي، وذلك من خلال االبحث عن الأسر الهشة ودعمها وتقويتها، وكذا تمكينها من رعاية أبنائها في ظروف جيدة كي لا يتم حرمانهم من السند العائلي. وقد تم الاشتغال في هذا الصدد مع 37 أسرة، وهَمَّ البرنامج ككل 91 طفلا. الموارد المالية والبشرية.. التحدي الأكبر تواجه قرية الأطفال المسعفين بمدينة أكادير مجموعة من التحديات، من أبرزها تحدي توفير الموارد البشرية المتخصصة، من مساعدين اجتماعيين وأخصائيين نفسيين ومدربين ومؤطرين تربويين، فضلا عن الخصاص الذي يحصل أحيانا في عدد الأمهات اللواتي يشرفن على تربية الأطفال والاهتمام بهم في إطار نظام الأسرة، وفقا لما صرح به مدير القرية. ومن جهة أخرى، توقف الحسين الطالبي عند تحدي التمويل، حيث كشف أن "هذه القرية تستمد مواردها المالية من التعاون والعمل المشترك مع المنظمات والجماعات داخل المغرب وخارجه، في ظل غياب دعم قار يمكن الاعتماد عليه بشكل دائم". وباعتبار أن قرى الأطفال المسعفين بالمغرب تعتمد بشكل كبير على المساعدات التي يقدمها لها الشركاء والمتبرعون، فإن هذا يجعلها أمام تحَدِّ حقيقي يتمثل في استمرار عملها وتوفير الرعاية اللازمة للأطفال الذين تستقبلهم، عكس المبادرات التي تكون مدعومة من طرف جهات عمومية تقدم لها الدعم المالي بشكل مباشر. وبالنظر إلى هذه النقطة، يمكن استحضار مبادرة الطفولة والأيتام في المملكة العربية السعودية، المدعومة بشكل مباشر من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عبر تمويل شهري ومكافآت للأسر التي تتبنى اليتامى والأطفال مجهولي الأبوين. وفي ذات السياق، يمكن الحديث عن البرنامج الإماراتي لاحتضان الأطفال مجهولي النسب ورعاية الأيتام، والذي تقدم من خلاله الدولة مساعدات شهرية قارة للفئات المستهدفة. وفي الختام نذكر بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة، كما أن له الحق، منذ ولادته، في اكتساب جنسية ومعرفة والديه وتلقي رعايتهما، وفقا لما تنص عليه المادة السادسة والسابعة من اتفاقية حقوق الطفل.
هام: تم إنتاج هذا التقرير بالشراكة مع مؤسسة مهارات بدعم مالي من أكاديمية دوتشيه فيليه. هذا المشروع هو ضمن "مبادرة للشفافية وحرية التعبير: صمود وسائل الاعلام في الأزمات". إن الآراء الواردة في هذا التقرير هي مسؤولية المنتج/المنتجة، ولا تعبر عن آراء وموقف أكاديمية دوتشيه فيليه أو الجهات المانحة لها و مؤسسة مهارات.