تسود حالة من الشك وسط رجال ونساء التعليم من عدم وفاء الحكومة والوزارة بالتزاماتها تجاه ملفاتهم، وذلك بعد مرور أزيد من شهر ونصف على الاتفاق الذي وصف بالتاريخي مع وزارة التربية الوطنية حول المبادئ العامة المؤطرة للنظام الأساسي الجديد. ويبرر العديد من رجال ونساء التعليم هذا الشك بسبب السجل "الحافل" لوزارة التربية الوطنية بعدم التزامها بالاتفاقات التي وقعتها مع النقابات الأكثر تمثيلية، وخير دليل هو اتفاق 18 يناير 2022 الذي بقيت مضامينه حبرا على ورق دون أن تجد طريقها إلى أرض الواقع، رغم مرور أكثر من سنة على توقيعه، وفق تعابيرهم. وفي هذا الصدد، قال الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (CDT)، يونس فيراشين، إنه لا يمكن الحديث عن تملص الوزارة لأن الطريقة المتفق هو أن تقوم بإعداد مسودة للنظام الأساسي الجديد، وبعد ذلك ستعقد أول اجتماع مع النقابات التعليمية من أجل مناقشة بنوده. وقال فيراشين إن نقابته تواصلت في الأيام القليلة الماضية مع وزير التربية الوطنية تدعوه إلى الإسراع في إخراج هذه المسودة لأن عملا طويلا لا يزال في انتظار اللجنة للتفاوض حول العديد من القضايا التي ستتضمنها المسودة، مؤكدا على أن أول لقاء سيعقد في هذا الصدد سيكون خلال مارس الجاري. وأبدى الفاعل النقابي ذاته في تصريح خص به جريدة "العمق" تفهمه لفقدان فئات واسعة من رجال التعليم الثقة في الاتفاقات بسبب ما كرسته الحكومات المتعاقبة من خلال عدم التزامها بالاتفاقات التي توقعها مع الإطارات النقابية، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الحضور النضالي لنقابته ووحدة الشغيلة التعليمية واستعدادها النضالي للتصدي لأي محاولة للالتفاف على الاتفاقات هو الضامن الوحيد لتنفيذ الالتزامات الواردة في اتفاق 14 يناير. أما الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (FDT)، الصادق الرغيوي، فقال: "نحن الآن في انتظار تنزيل اتفاق 18 يناير 2022، واتفاق 14 يناير 2023، وإن الوزارة متأخرة جدا على مستوى تنزيل هذه الاتفاقات" وأضاف في تصريح لجريدة "العمق": "نحن متفائلون ونفترض حسن النية، ولكن أعتقد أن تأخر الوزارة في تنزيل مضمون الاتفاقات يساهم في تأجيج الساحة التعليمية ويساهم أكثر في انخفاض منسوب الثقة بين نساء ورجال التعليم ووزارة التربية الوطنية". لذلك، يضيف الرغيوي، نطالب الوزارة بالإسراع في تنزيل القرارات والمراسيم الخاصة بهذه الاتفاقات، فضلا عن عقد اجتماعات مع النقابات لإخراج النظام الأساسي الجديد الموحد العادل والمنصف والمحفز، وفق تعبيره. وقال إن تخوف رجال ونساء التعليم مبرر لأنه منذ 2011 وإلى يومنا هذا لا جديد يذكر ولا مكاسب جديدة ولا وعود نفذت، وأكد على أن أسرة التعليم تحتاج الآن لإعادة الثقة إلى الاتفاقيات التي توقع بين النقابات والحكومة، وأن تلمس تنفيذ هذه الاتفاقيات وتنزيلها. وأضاف الفاعل النقابي ذاته أنه من حق رجال ونساء التعليم التشكيك في مصداقية الاتفاقيات بالنظر إلى عدم حصولهم على أي مكسب جديد منذ 12 سنة. ومع أن المتحدث استبعد في ختام تصريحه أن تتملص وزارة التربية الوطنية من اتفاق 14 يناير، إلا أنه أكد على أن نقابته لديها من التجربة ما يكفي للرد على أي تراجع محتمل على هذا الاتفاق. ويوم السبت 14 يناير الماضي، أشرف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بمقر رئاسة الحكومة بالرباط، على مراسيم توقيع اتفاق بين وزارة التربية الوطنية والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، بخصوص مبادئ النظام الأساسي المرتقب. الاتفاق وقعه عن الجانب الحكومي، كل من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح علوي، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، الوزير المكلف بالمالية فوزي لقجع، الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، غيثة مزور. ووقع محضر الاتفاق من النقابات كل من الجامعة الوطنية للتعليم UMT، والنقابة الوطنية للتعليم CDT، والجامعة الحرة للتعليم UGTM، والنقابة الوطنية للتعليم FDT، فيما قاطعت الجامعة الوطنية للتعليم FNE الاجتماع. وكان بلاغ لرئاسة الحكومة، توصلت "العمق" بنسخة منه، قد أفاد بأن توقيع محضر اتفاق بين يشكل "وفاءً من الحكومة بأحد أهم التزاماتها، والتي تعتبر تحفيز مكونات الأسرة التعليمية مدخلا أساسيا لإصلاح المدرسة العمومية، خدمة للتلميذ والأسر المغربية". ويتضمّن محضر الاتفاق جزئين أساسيين، الأول يتعلق بالملفات والقضايا المتوافق بشأنها، والثاني يخص التزامات الأطراف، وتستهدف الملفات المتوافق بشأنها. ويتعلق الأمر، وفق البلاغ ذاته، ب"الحفاظ على المكتسبات، بما في ذلك الحفاظ على الأطر الحالية، مع العمل على خلق وإحداث أطر جديدة، وتوحيد السيرورة المهنية لكل الأطر، وخلق المنافذ والجسور بين مختلف هذه الأطر والهيئات". وينص الاتفاق على "إرساء هندسة تربوية جديدة تحقق التكامل والانسجام بين مختلف الهيئات، وتضمن الاستحقاق وتكافؤ الفرص بين الموظفين، والارتقاء بالوضعية المهنية والاجتماعية والمعنوية لجميع الموظفين". كما ينص على "تقييم الأداء المهني بناء على معايير موضوعية وقابلة للقياس، وتخليق الممارسة المهنية داخل المنظُومة التربوية، وتأمين الزمن المدرسي وزمن التعلمات". ووفق المصدر ذاته، فإن الاتفاق يشمل "إقرار نظام جديد لحفز الفريق التربوي والإداري بمؤسسات التربية والتعليم العمومي ذات التميز، وإدراج مهام الإدارة التربوية والإدارة المدرسية ضمن مقتضيات النظام الأساسي الجديد". ومن بين أهم المستجدات التي سيحملها النظام الأساسي الجديد، علاوة على إخضاع جميع الموظفين لأحكامه ومقتضياته، وتخويلهم نفس الحقوق والواجبات طيلة مسارهم المهني من التوظيف إلى التقاعد، وإلغاء الأنظمة الأساسية (12 نظاما) الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، التأسيس لأول مرة لأهداف تحسين وتجويد أداء هيئة التدريس وفتح آفاق الارتقاء المهني. وأوضح البلاغ أن هذا الاتفاق "يشكل ثمرة سنة من التشاور البنّاء والحوار القطاعي الذي تطبعه الثقة والمسؤولية بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين، كما يفتح الباب أمام تفعيل خارطة طريق إصلاح المدرسة العمومية المغربية، على أرض الواقع، تماشيا مع رغبة الملك محمد السادس، وطموح كل أسرة مغربية". وأضاف المصدر ذاته أنه "ورغم صعوبة الظرفية، قامت الحكومة بتسوية ملفات مطلبية ظلت عالقة لسنوات، كما خصصت نهاية سنة 2022، حوالي 2 مليار درهم لتسوية مستحقات الترقية لفائدة 85 ألف موظف بقطاع التعليم".