ستجد من الغرابة بمكان أن تغيب علاجات مرض ما في دولة مقابل توفرها في أخرى من قريبة منها اقتصاديا، وأن يكون هذا العلاج موضوعا غير مفكر فيه، خاصة وأنه مرض يصنف المسبب رقم واحد عالميا في وفاة الأطفال قبل بلوغ السنتين. وما يزيد من غرابة الموقف، كون وزير صحة هذه الدولة يبرر هذا الغياب بأثمنتها المرتفعة. والكلام هنا، هو حديث عن معاناة مرضى الضمور العضلي الشوكي بالمغرب. فبالإضافة إلى الأعراض الوخيمة التي يسببها المرض، من إعاقة مستمرة وصعوبة في التنفس، تزداد معاناة المصابين بالمرض وسط غياب الأدوية، وعدم تدخل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية من أجل توفيرها، رغم إثبات نجاعتها طبيا في العديد من الدول منذ 2016، عند اكتشاف العلاج. وللحديث أكثر في الموضوع، للتعرف عن كثب على المرض ومسبباته وأعراضه، وسبل الوقاية منه، والمقترحات التي من شأنها أن تساهم في توفير هذه العلاجات رغم تكلفتها الباهضة، والتي تبلغ 2 مليار سنتيم للحقنة الواحدة. تستضيف جريدة "العمق"، رئيس جمعية مرضى الضمور العضلي الشوكي بالمغرب، هشام بازي، في فقرة "خمسة أسئلة". بداية، عرفنا بمرض الضمور العضلي الشوكي ومسبباته؟ مرض الضمور العضلي الشوكي، مرض وراثي نادر، يصاب به في حالة كون أحد الأبوين يحمل خللا جينيا مسبب للمرض، وهو مرض عصبي عضلي يسبب ضعفا كبيرا في العضلات، إذ يجعل المريض يفقد تدريجيا القدرة على الحركة وعلى المشي، ويجد معه أيضا صعوبة في التنفس، والأخطر من كل هذا، فهو مرض قاتل. يعتبر هذا المرض من أخطر الأمراض الجينية الوراثية، والمسبب رقم واحد للوفيات عند الأطفال قبل الوصول إلى سن السنتين، وحتى الناجون منه معرضون للموت المبكر ويعيشون إعاقة جسدية ترافقهم طيلة حياتهم، ولا بد لهم من الاعتماد على كرسي متحرك، وعلى آلة تنفس من أجل البقاء على قيد الحياة. هناك العديد من المغاربة يحملون الجين المسبب لهذا المرض، لكنه لا يظهر عليهم، وفي حالة مصادفة زوج أو زوجة يحمل نفس الخلل، هنا توجد احتمالية كبيرة أن يصاب أبنائهم بالمرض. كما أنه مرض يصيب الأطفال في غالب الأحايين، ونسب الإصابة به في سن البلوغ تكون قليلة جدا. ما هي الأعراض الأولية لمرض الضمور العضلي الشوكي؟ وكيف يمكن تجنبه والوقاية منه؟ أما بخصوص أعراض المرض، يجسدها الضعف الشديد في العضلات وارتخائها، إضافة إلى ارتعاشة وانقباضات لا إرادية في العضلات وفي اللسان. وعند الانتباه لهذه الأعراض، يجب على الآباء نقل أبنائهم عند طبيب أعصاب من أجل القيام بتشخيص على وجه السرعة، وتوجيه العائلة للقيام بتحاليل جينية تتبث أو تنفي الإصابة بالمرض. الوقاية من هذا المرض، تعتمد أساسا على التوعية، وهذا ما تحاول جمعيتنا القيام به، وموضوع التوعية لا يجب أن يختصر على المجتمع المدني فقط، بل يجب أن يمتد للدولة ووزارة الصحة ووسائل الإعلام. كما يجب الحيطة والحذر من زواج الأقارب، لأنه يرفع من احتمالية الإصابة بالمرض، إضافة إلى حرص العائلات التي تضم إحدى الحالات المصابة بالمرض على استشارة الأطباء والمختصين في الجينات من أجل تفادي الإصابة. بعد الإصابة، هل يمكن العلاج من المرض نهائيا أو يتم فقط التخفيف من وطأته؟ وما هي كلفة العلاج؟ قبل سنوات قليلة من اليوم، كان الجميع يعتبر بأن هذا المرض لا علاج له، ويكتفي المريض بالترويض الطبي للتخفيف من آثاره الوخيمة، لكن بفضل التقدم العلمي، ومنذ 2016، ظهرت ثلاثة علاجات فعالة جدا، وهي علاجات تمكن المريض من العيش حياة طبيعية إذا حصل عليها وهو طفل في سن مبكرة، أما في حالة الحصول عليها في سن متأخرة فهذا العلاج يمكن أن يوقف تطور المرض ويحسن حالة المريض ويزيد من أمد حياة المصاب. مع الأسف هذه العلاجات غير متوفرة في بلادنا، وهذا هو المطلب الرئيسي لمرضى ضمور العضلات الشوكي في المغرب، مع توفيرها على وجه السرعة، لأن المريض يبقى عرضة للموت المفاجئ، أو الإعاقة الجسدية في أحسن الحالات. وبخصوص كلفة العلاجات، فهي من أغلى الأدوية على الطلاق، الحقنة الواحدة تبلغ أزيد من 20 مليون درهم (2 مليار سنتيم)، وهذه الحقنة يجب أن يأخذها المريض قبل أن يتجاوز سنه السنتين، تنقده من الإعاقة والموت المبكر، ويمكن أن تعيش حياة طبيعية. بينما توجد علاجات بتكلفة أقل، لتبقى هي أيضا بملايين الدراهم، إلا أن المريض يأخذها طيلة حياته. إن إشكال أثمنة أدوية هذا المرض، مثيرة للجدل على المستوى العالمي وليس في المغرب فقط، لكن هذا الوضع ليست مبررا للتقاعس وعدم توفيرها في بلادنا، لأنها توجد في مجموعة من الدول ذات الاقتصاد المحدود جدا، إذ استطاعت هذه الأخيرة الدخول في مفاوضات مع المختبرات المصنعة للدواء من أجل تحديد الثمن الملائم لمستواها الاقتصاد ومستوى العيش بها. على سبيل المثال، في إفريقيا، توفر مصر الدواء لمواطنيها، وكانت ليبيا في وقت سابق ترسل مواطنيها للعلاج في بلدان الخارج، قبل أن توفر العلاج على الصعيد الوطني، وعلى نفقة الدولة. كيف تلقيتم تصريح وزير الصحة والحماية الاجتماعية عند تناوله لكلفة العلاج، وما هو ردكم عليه؟ بعد سبع سنوات من التأخر في توفير العلاجات للمرضى في المغرب، استقبلنا بكل أسف وخيبة أمل تصريح وزير الصحة والحماية الاجتماعية، الذي صرح في قبة البرلمان بأنه لا يمكن توفير هذه العلاجات نظرا لأثمنتها المرتفعة. ونحن في جمعية مرضى الضمور الكلوي، تأسفنا بالغ الأسف على هذا التصريح واعتبرناه وصادما وغير متوقع، لأننا كنا نتوسم خيرا في وزارة الصحة وفي الحكومة، نظرا للسياق العام الذي يمر به المغرب اليوم، وهو في طريقه للاشتغال على ورش الحماية الاجتماعية، الذي قطعنا فيه أشواطا كبيرة. لقد كان موقف وزارة الصحة عكس التيار تماما، وعكس توجهات وسياسات الدولة التي تصب في إصلاح المنظومة الصحية على اعتبار أن الصحية هي أساس كل التنمية. ونحن كمواطنين مصابين بمرض الضمور العضلي، لا ننتظر من الوزارة أن تقول لنا أثمنة الدواء، فنحن نعرفه جيدا، ونصدم بهذا المعطى يوميا من عند الأطباء، وانتظاراتنا من الوزارة تكمن في إيجاد حلول لإنقاذ أرواح الأطفال، لا تذكيرنا بمبلغه. المطلوب من الوزارة اليوم هو فتح باب الحوار مع جميع المتدخلين من أجل الحديث عن استراتيجيتها وخططها التي تقوم بها من أجل حل مشكل ارتفاع أسعار هذه الأدوية، وإيضاح سياستها لمحاربة الأمراض النادرة. إنها مغالطة أن نحصر المشكل في المال، فعندما نساوم حياة الأطفال بالمال، فنحن نمس بحقهم في الحياة، على اعتبار هذا الحق يسمو على جميع الاعتبارات، وحياة الإنسان لا تقدر بالمال. النقاش في الموضوع لا يمكن تسويفه أو تأجيله، ففي كل أسبوع نسجل حالات وفيات بهذا المرض، ولا يمكن أن تبقى الوزارة في كل خرجاتها تقول بأنها تفكر في وضع برامج واستراتيجيات لإنقاذ هؤلاء المرضى. بماذا يمكن أن تساعد مؤسسات الدولة مرضى الضمور العضلي الشوكي، وما هي مقترحاتكم في هذا الإطار؟ كما قلت سابقا، مطلوب من الدولة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أن تجد حلا لارتفاع أثمنة الأدوية والدخول في مفاوضات مع المختبرات المصنعة للدواء من أجل تخفيضها، وهذا أول إجراء سيمكن من توفيها في المغرب. كما أن يجب إشراك صناديق التأمين على المرض في إيجاد حلول، علما أن بعض المصابين بالمرض، موظفين وأُجراء، يتم الاقتطاع من أجورهم الشهرية لصالح هذه الصناديق، ومن حق هذه الفئة من المرضى على الأقل أن يتم تعويض نفقات علاجها. وبغض النظر على سؤال التوازنات المالية لهذه الصناديق ومدى إمكانياتها في توفير هذه الخدمة، وأنا أظن أنها تسمح، لأن هذا المرض نادر جدا بالرغم من الأثمنة المرتفعة لعلاجاته، ولن تؤثر على التوازنات المالية لهذه الصناديق. وهنا لابد من الإشارة إلى أنه من الناحية المبدئية، تبقى هذه الصناديق ملزمة بتحمل نفقات العلاج، ووزارة الصحة بصفتها وصية على وكالة التأمين الصحي المشرفة على هذه الصناديق، يجب عليها أن تتدخل في هذا الموضوع. وفي حالة عدم سماح الميزانية بذلك، يجب التفكير في حلول أخرى، كالقيام بحملات التبرعات، أو إنشاء صندوق خاص على غرار صندوق جائحة كورونا، تساهم فيه الدولة والجماعات الترابية بنسب مالية معينة، لأنه في نهاية المطاف لا يمكن للدولة أن ترفع يدها على قطاع الصحة.