انتهت بطولة كأس العالم بقطر، وأسدل الستار عنها يوم 18 دجنبر2022، لكن كثيرا من مشاهدها ومحطاتها ستُعمِّرُ طويلا في ذاكرة العالم، ومنها ما سيبقى خالدا في ذاكرة الجمهور بل في ذاكرة بطولة كأس العالم وتاريخها كمحطة متميزة غير مسبوقة. انتهت البطولة ولم تنته العبر والدروس المستخلصة منها، ستبقى آثارها شاهدة على أن العرب والمسلمين بإمكانهم تنظيم بطولة عالمية من عيار كأس العالم لكرة القدم، بكل اقتدار وبالحفاظ على العادات والتقاليد والقيم العربية والإسلامية والحضاري.. ستبقى انتصارات المنتخب المغربي كأول منتخب إفريقي وعربي مسلم يصل للمربع الذهبي لكأس العالم بقطر خالدة في الذاكرة، بعدما أزاح منتخبات أوروبية ثقيلة في ميزان كرة القدم العالمية، وسط فرحة عمت إفريقيا والعالم العربي والإسلامي، الذين كانوا جميعا يشجعوا أسود الاطلس بحماسة وحرارة وكأنه منتخب لا يمثل بلدا واحدا، بل منتخب قارة وأمة واسعة وعريضة، فقد رأوا في انتصار المنتخب المغربي انتصار لهم. لن أنس الفرحة في شوارع المملكة المغربية، وخروج الملك محمد السادس بقميص المنتخب الوطني مشاركا شعبه البهجة وتلك اللحظات الجميلة.. لن أنس فرحة دول من العالم الإسلامي ودول إفريقية كالسينغال والكامرون وغيرهما، والفرحة في الجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا، واليمن وسوريا ودول عربية أخرى وكل دول الخليج، وخاصة قطر البلد المحتضن، حيث ستظل صورة تشجيعات أمير قطر الشيخ تميم وكيف كان ينتفض فرحا بانتصارات أسود الأطلس ويحمل العلم الوطني رفقة أنجاله، وتفاعلهم الجميل مع الجمهور المغربي، ستظل تلك الصور خالدة في ذاكرة الجماهير المغربية. وإذا نسيت فلن أنسى فلن أنسى فرحة إخوتنا بعدد من مدن فلسطين وخاصة في غزة الأبية بالأعلام المغربية وصور الملك محمد السادس، وخروج فلسطنيين للاحتفال في القدس وإفساد جنود الاحتلال الصهيوني تلك الفرحة بعدوانية ووحشية. وكما بصمت قطر هذه النسخة "المنوديالية" بحسن التنظيم والاستقبال والإدارة من الافتتاح حتى الاختتام برسائلهما المتعددة والموفقة – لم يتركوا شيئا للصدفة- فكانت نسخة تاريخية وغير مسبوقة بشهادة كثيرين من مختلف الدول والملل، رفعت السقف عاليا لدرجة الإعجاز لمن سينظمه لاحقا. كما بصمت قطر التنظيم، بصم المنتخب والجمهور المغربيين هذا "المونديال"، حتى قالت صحيفة نيويورك تايمز "سيذكر العالم هذا المونديال بأنه كأس عالم المغرب" رغم أن الأرجنتين هي من فازت بالكأس.. وتحدثت صحف عالمية ك " الغارديان" عن الإنجاز الأسطوري لأسود الأطلس، والقيم التي ناصروها ودافعوا عنها بكل تلقائية وعفوية. لقد كشف "مونديال" قطر، وإنجازات أسود الأطلس تعطش العالم العربي والإسلامي إلى الانتصارات والإنجازات، وأن الطموح إليها يوحدهم وتحقيقها يذيب الخلافات بينهم، فوحدها الخيبات والنكسات من توسع الخلافات وتضخمها، وتُسعِّر نار العداوات. وظهر جليا أن عوامل الوحدة والتعاون مازالت قائمة وتحتاج فقط لمن يقويها، والعمل على إيقاف تغول العقلية الغربية المركزية التي اعتقدت أنها قتلت في نفوس العرب والمسلمين الطموح للنصر والتميز واسترجاع القابلية للعودة الحضارية بعدما زرعت داخل الوطن العربي كيانا احتلاليا غاصبا. لكن الجمهور العربي والمسلم وجَّه في هذا "المونديال" رسالته بالحضور القوي للعلم الفلسطيني في الملاعب وبين الجمهور، وكذلك رفع الشعارات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني في ورفض الاحتلال الإسرائيلي والمخططات الصهيونية وقال بوضوح، فلسطين حية في قلب العالم العربي والإسلامي، والتطبيع لن يغير الحقائق ويحرف التاريخ، فقوة إيمان الشعوب العربية والإسلامية بالقضية الفلسطينية كفيلة بإسقاط ذلك التطبيع، فمهما تمدد فلن يتمكن فمآله الفشل لا محالة بيقظة الشعوب وحياة القضية في قلوبها. "مونديال" قطر، كان فرصة عملية لتعَرُّف الكثيرين ممن لم يسبق لهم أن زاروا بلدا عربيا وإسلاميا على القيم الإسلامية والحضارية، وعلى الدين الإسلامي (زيارة المساجد) وعلى السلوك والتعامل العربي من خلال فعاليات متعددة كانت لها أصداء طيبة، حيث اكتشفت الجماهير أن ما يقال عن المسلمين والعرب في الغرب غير صحيح ورأوا التسامح والانفتاح والتمسك بالقيم الإنسانية المشتركة واحترام الذات والاعتزاز بتاريخها وحضارتها أيضا. وفي هذا السياق قال النجم البرازيلي ريكاردو كاكا " المسلمون آمنون ولا يعتدون على أحد، أوروبا والغرب يكذبون ويكيلون بمكيالين ويلبسون أقنعة مزيفة"، وهناك نجوم آخرين تحدثوا وصرحوا بكلام يفند ويكذب حملات الأعلام الغربي ضد قطر وكل العرب والمسلمين.. لقد صُدم جزء من الغرب وإعلامه المُضَلِل من النجاح الباهر ليس فقط في التنظيم والاستقبال، بل من المستوى الرائع والمشرف الذي ظهر به لاعبون عرب وأفارقة ومسلمون، وخاصة المنتخب المغربي الذي وصل للمربع الذهبي. وأفقدتهم الصدمة كل الضوابط، فراحوا يتهمون لاعبين مغاربة رفعوا السبابة احتفالا بالنصر بأنهم" داعشيون" وغير ذلك من السفه والعهر الإعلامي الذي اضطروا للاعتذار عنه لأنه أظهر مستواهم العنصري الحقير. وزادت "ضربة المعلم" بإلباس أمير قطر الشيخ تميم البشت العربي لميسي تتويجا له كحامل الكأس من ألم وسُعار وسائل إعلام وشخصيات غربية من عالم كرة القدم وغيرها بتصريحات حاقدة وتأويلات مغرضة، فبعدما كان البعض ينتظر رفع شارة الشواذ، سفه الله أحلامهم ونسف طموحهم، رفع لباس عربي.. الأمر يتجاوز قطعة ثوب إلى دلالته ورسالته، مع العلم أن المعنيين (الأرجنتينيون) فرحوا بذلك، بل إن عددا كبيرا منهم ممن كانوا في الدوحة هبوا إلى محلات البشت واشتروه، واعتبروا ذلك احتفاء وتواصلا ثقافيا وحضاريا، فيما رسمت لوحات جدارية هناك في عاصمة الأرجنتين للنجم الراحل دييغو ماردونا بالغترة والعقال والبشت أيضا، كانت في استقبال المنتخب الأرجنتيني. ومن الدوحة إلى الرباط، كانت رحلة عودة أسود الأطلس غانمين سالمين، محط أنظار الصحافة العالمية، استقبال شعبي حاشد واحتفاء وتكريم ملكي يليق بالأبطال وما حققوه، ستظل صوره خالدة في ذاكرة المغاربة وخاصة صورة الملك محمد السادس مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد مع أعضاء المنتخب ومن حضر من أمهاتهم، وهي صورة بألف معنى كما يقال؛ العائلة، المحبة، المغرب بكل مشاربه، التنوع الخادم للوحدة، تنوع الوحدة ووحدة التنوع.. صورة للتاريخ وملهمة للأجيال القادمة. ولا شك أن عددا من الجهات الغربية، تعض أناملها من الغيض وتقول، لماذا سمحنا بتنظيم بلد عربي ومسلم بتنظيم بطولة عالمية (بدون خمر ولا جعة ولا تحرش جنسي)، كانت جسرا وقناة لمرور رسائل وقيم عربية وإسلامية وحضارية، وفرصة للحوار والتعارف بين جماهير شعوب وأمم مختلفة، سنحت لها الفرصة للتعرف عن قرب عن العرب والمسلمين ودينهم وتقاليدهم وتعاملهم.. وقد نشرت " Thetimes" يوم السبت 24 دجنبر 2022 حوارا مع رياضية غربية تحت عنوان" ما كان ينبغي تنظيم كأس العالم في قطر". ويجب أن ننتظر مثل هذا الكلام، فإن الحاقدين على الإنجاز العربي والإسلامي سيسعون لتشويهه أو التنقيص منه، مما يعني استمرار التحديات والحاجة لاستمرار النجاحات في العالم العربي والإسلامي والإفريقي في عالم الرياضة، وعوالم أخرى أيضا كالتنمية والتعليم والصحة وغيرها.