يشير التاريخ أعلاه إلى حدث على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للغة والثقافة الأمازيغيتين في بلادنا، حيث قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إحداث مؤسسة عمومية رسمية تعنى بالثقافة الامازيغية، وكان يوم التوقيع على الظهير المنشئ والمنظم لها بمنطقة "أجدير" ناحية خنيفرة يوم 17 أكتوبر 2001، بحضور كافة القوى السياسية والاقتصادية والنقابية والثقافية وكذا المجتمع المدني، كان الحدث هاما لدرجة أنه اعتبر منعطفا تاريخيا كبيرا في السياسة الثقافية للدولة، وفي نظرتها إلى هويتها التاريخية، مما جعل يوم "أجدير" يوم الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب، والذي تمّ في إطار شعار كبير أصبح عنوانا لمرحلة بكاملها هو "الأمازيغية مسؤولية وطنية لجميع المغاربة". وكان إشراك جميع الأطراف في ذلك الحدث ذا مغزى كبير يتمثل في دعوتها كل حسب اختصاصها ومجال اهتمامها إلى ضرورة تحمل مسؤولياتها والالتزام بالنهوض بالأمازيغية باعتبارها مكونا أساسيا في الثقافة الوطنية. كانت ثمرة ذلك الحدث إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي يحتفل اليوم بالذكرى الواحدة والعشرين على إحداثه بظهير شريف يُحدّد مهامه كمؤسسة أكاديمية استشارية عُهد إليها بمهمة الحفاظ على اللغة والثقافة الأمازيغيتين في الفضاءات العمومية في التعليم والإعلام والقضاء والشأن المحلي، وقد أبرز الخطاب الملكي السامي لأجدير مجموعة من العناصر الأساسية التي تحدد ملامح سياسة الدولة في الشأن الأمازيغي، حيث اعتبر الأمازيغية مكونا أساسيا في الثقافة الوطنية ضاربا بجذوره في أعماق التاريخ، ما يجعله جوهر عراقة بلدنا، كما أكد على أن وحدة المغرب مبنية على تعدد الأصول والثقافات واللغات والأعراق، مما ألغى التصور الأحادي الاختزالي الذي كان سائدا من قبل، جاعلا الأمازيغية ملكا لجميع المغاربة دون استثناء. هكذا افتتح خطاب أجدير مسار مأسسة النهوض بالأمازيغية وإدراجها في مؤسسات الدولة وقطاعات الحياة العامة، مما رسخ الاختيار الثابت لبناء المغرب الحديث، المتميّز بهويته الثقافية المتعددة المكونات والمتنوعة المشارب، وفي صلبها المكون الثقافي الأمازيغي. وقد تعزّز هذا المسار بعد عشر سنوات من العمل الدءوب بإقرار دستور المملكة اعتمادَ الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية سنة 2011، وسن القانون التنظيمي لتفعيل طابعها الرسمي سنة 2019، كما تمّ الإعلان مؤخراً عن إعمال المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية على صعيد القطاعات الحكومية والمؤسسات المعنية. ولقد اضطلع المعهد الملكي بعد تأسيسه بمهام تاريخية جسيمة كان أولها بناء لغة معيارية بجميع مقومات لغة الدولة، وذلك بتهيئتها من أجل ممارسة الوظائف التي ستناط بها، كما قام المعهد بوضع منهاج اللغة الأمازيغية في التعليم بشراكة وتعاون مع وزارة التربية الوطنية وقام بتكوين آلاف المكونين، وبجانب ذلك أعد الوسائل التقنية والبرامج المعلوماتية لكتابة الأمازيغية وتدريسها بحرفها الأصلي تيفيناغ، وكذا الكتب المدرسية والحوامل البيداغوجية المرفقة بها والمعاجم، منها العامة أو القطاعية، كمعجم الصحة، معجم المصطلحات القانونية، معجم الإعلام، مصطلحية الإدارة، المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته، المعجم العام أمازيغي فرنسي،... وقد بلغ عدد المعاجم التي تم نشرها من طرف المؤسسة 25 معجما وقاموسا وفي إطار الإقامات الشعرية التي ينظمها المعهد سنويا، تم جمع مجموعة من المتون الأدبية عن طريق التعاقد أو عبر الإقامات المذكورة، حيث أثمرت 23 إصدارا، وبخصوص الكتب البديعة فتتضمن 5 كتب، ومن منشورات المؤسسة المجلة العلمية، أسيناك والتي تجاوز عددا ال14 . وفي نفس الإطار فقد تصدرت الكتب الأدبية على رأس منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إضافة إلى تعميق الدراسات البحثية في العلوم الإنسانية والاجتماعية في الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والأركيولوجيا والقانون والتهيئة اللغوية والتاريخ القديم، مع تقويم منهجية تدريس التاريخ في كل أسلاك التعليم، وفتح المعهد بجانب ذلك ورشا كبيرا لجمع وتدوين التراث الشفوي والعناية بالفنون الأمازيغية، دون أن يغفل دور الترجمة وأهميتها في إغناء اللغة الأمازيغية والتعريف بثقافتها الأدبية. واليوم بفضل مجهوداته، أصبح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية قطبا مرجعيا في شمال إفريقيا وذلك بفضل ما راكمه من منشورات، تهم جميع حقول المعرفة حيث شكلت الطباعة والنشر أحد مجالات استراتيجية المؤسسة، وفي نفس السياق لعب المعهد دورا أساسيا في النهوض بمجال التأليف باللغة الأمازيغية وبلغ عدد المنشورات أكثر من 420 إصدار تهم جميع حقول المعرفة، التي تتميز بالتنوع من حيث الموضوعات والمؤلفين وكذا لغات التأليف. ومما جاء في الكتاب البديع، " المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مسار ومنجزات" أن عدد العناوين المنشورة عرفت تطورا ملحوظا من حيث العدد منذ إحداث المعهد سنة 2001، إلى غاية 2019، ووصل معدلها السنوي ما مجموعه 26 عنوانا كل سنة، وبلغت عدد السلسلات التي خصصت للدراسات والأبحاث 93 إصدارا، وهي ثمرة مخططات عمل المراكز السبع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بالإضافة إلى أبحاث أنجزت من طرف باحثين خارجيين، كما تنشر سلسلة " ندوات ومناظرات" والمتضمنة لمختلف الأعمال التي تنجز في إطار شراكة بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومؤسسات جامعية وطنية ودولية. وبلغ عدد الكتب المدرسية والحوامل البيداغوجية 56 عنوان من بينها الكتب المدرسية لجميع مستويات التعليم الابتدائي. وأما سلسلة الإبداعات الأدبية فيتجاوز عددها 46. وبخصوص الترجمة ومما جاء في الكتاب البديع دائما، أنه خصصت سلسلة " ترجمات" لكل ما نُقِل من اللغات الأخرى إلى الأمازيغية أو ما تُرْجِمَ حول الأمازيغية من الفرنسية إلى العربية أو من العربية إلى اللغات العالمية خاصة اللغتين الإنجليزية والإسبانية وعددها 46. وفي إطار النهوض بالثقافة واللغة الأمازيغيتين وحمايتهما، ينظم المعهد كل سنة جائزة الثقافة الأمازيغية ويستند تنظيم هذه الجائزة على مقتضيات المادة الثانية من الظهير الشريف المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وتشمل هذه الجائزة بالإضافة إلى الجائزة التقديرية، التي تمنحها اللجنة الرئيسية لشخصيات وطنية ذات إسهام وازن في النهوض بالثقافة الأمازيغية، الأصناف التالية: جائزة الإبداع الأدبي؛ جائزة الفكر والبحث؛ جائزة الترجمة؛ جائزة التربية والتعليم (فئات المكونين والمفتشين والأساتذة (؛ جائزة الإعلام والاتصال؛ وجائزة الدراسات والأبحاث المعلوماتية؛ وجائزة المخطوط؛ جائزة الفنون :أصناف الأغنية العصرية والأغنية التقليدية، والرقص الجماعي والمسرح والفيلم. وبلغ عدد المكرَّمين بجائزة الثقافة الأمازيغية، أفرادا كانوا أو فِرقا، 288 مكرَّما. وإذ دأب المعهد على تخليد هذه الذكرى التليدة، فإنه يحتفي اليوم بالذكرى الواحدة والعشرين في سياق يعرف نقاشا مستفيضا حول آليات تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي خصصت له الحكومة ميزانية شرعت في العمل بها انطلاقا من السنة الجارية، مما فتح الباب أمام البتّ في العوائق الكثيرة التي تعترض التفعيل الأمثل للأمازيغية في جميع قطاعات الدولة، وهو ما قدم حوله المعهد تصوره بوضوح للجهات الحكومية في حينه.