كم هو مرعب أن تستيقظ يوما وتكتشف أنك قضيت الليل جوار وحش كاسر. ربما تلخص هذه الصورة واقعة اكتشاف ثقب أسود قريب جدا من المجرة الشمسية. والفرق في كلمة "القرب" بين الحالتين نسبي، فقربك من "الوحش الكاسر" يمكن أن يقاس بالأمتار، لكن قربنا من أحد وحوش الفضاء يعد بآلاف السنين الضوئية، ويعتبر مع ذلك قريبا جدا. وتوصف الثقوب السوداء بكونها "وحوشا فضائية" لأنها تلتهم كل ما يقترب منها، مادة كان أم ضوءا. وقدر العلماء عددها في الكون بمليارات المليارات، وتمثل حسب العلماء، 1% من مجموع كتلة الكون. وحش في " الباحة الخلفية لمجموعتنا الشمسية" تمكن فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة ألاباما في هانتسفيل University of Alabama in Huntsville الأميركية، حسب الجزيرة نت، من اكتشاف أقرب ثقب أسود معروف إلى كوكب الأرض، وصفه الباحثون في بيان صحفي للجامعة صادر في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بأنه يقع "في الباحة الخلفية لمجموعتنا الشمسية". والثقوب السوداء هي المرحلة النهائية من حياة النجوم العملاقة، وتساوي أكثر من 8-10 أضعاف كتلة الشمس، حيث ينكسر الاتزان الحاصل بين قوى الجاذبية والطاقة الصادرة من التفاعلات النووية في باطن النجوم من هذا النوع، ومن ثم فإنها تنفجر في كسر من الثانية، مطلقة مادتها للفضاء من حولها، وفي مركز هذا النوع من الانفجارات تترك النجوم هائلة الكتلة ثقوبا سوداء. وتكتسب الثقوب السوداء طبيعتها الغريبة من قدرتها الهائلة على الجذب، حتى إنها قادرة على اجتذاب شعاع الضوء ذاته إذا وقع في أسرها، ولذا فإنها تبدو في الصور الملتقطة لها كفراغ أسود محاط بكم هائل من المادة التي تدور حوله. بيانات غايا وبحسب الدراسة التي كتبها هذا الفريق، وقُبلت للنشر في دورية "أستروفيزياكال جورنال" Astrophysical Journal، فقد استخدموا بيانات صادرة من مرصد "غايا" Gaia الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي يهدف إلى تجميع قائمة ثلاثية البعد مما يقرب من مليار من الأجرام السماوية. وقد استهدف الفريق البحث -من ضمن تلك البيانات- عن النجوم الثنائية، التي يدور فيها نجمان حول بعضهما البعض. ثم استخدم تقنيات طيفية للبحث عن ثنائيات يشير سطوعها إلى وجود نجم واحد فقط بينما تشير مؤشرات الكتلة إلى وجود شيء آخر بجوار هذا النجم، يعني ذلك أن يكون أحد النجمين قد تحول إلى ثقب أسود واختفى سطوعه لكن أثر كتلته مازال موجودا. وبحسب الدراسة فقد كشفت الأرصاد النهائية عن جرم يجري في مدار طويل مدته 185 يوما، ويبتعد عنا مسافة 1550 سنة ضوئية فقط، أنه يتفق تماما مع معايير الثقوب السوداء، وقد تبين كذلك أن كتلته تساوي 12 مرة ضعف كتلة الشمس. ولفهم مدى قرب هذه المسافة، يمكن أن نتأمل أحد النجوم التي يمكن أن تراها بعينيك وهو ذنب الدجاجة Deneb، حيث يقع على مسافة تقارب 2500 سنة ضوئية، أما نجم الوزن Wezen من كوكبة الكلب الأكبر فيقع على مسافة 1600 سنة ضوئية، وهو كذلك مرئي للعين المجردة. وقد أشارت تقديرات الباحثين إلى أن هناك مليون حالة تشبه تلك التي أخضعوها للدراسة، وفيها يكون هناك ثقب أسود يدور حول نجم لامع، الأمر الذي يعطي للعلماء فرصة أفضل لإيجاد الثقوب السوداء في محيط الشمس، ومن يدري؟ فربما نكتشف يومًا ثقبا أسود أقرب للأرض من هذا. وعادة، لا يمكن رؤية الثقوب السوداء لأنها لا تعطي أي ضوء، ولكن يمكن لعلماء الفلك اكتشاف الثقوب السوداء لأن جاذبيتها الشديدة تسحب المادة نحو أفق الحدث بسرعة كبيرة بحيث تتحول هذه المادة إلى بلازما فائقة السخونة؛ وهذا يعطي ضوءا على هيئة حلقة حول الثقب الأسود، تسمى قرص التراكم. وتوصل الباحثون إلى أنه في الكون المرئي -وهو عبارة عن كرة قطرها نحو 90 مليار سنة ضوئية- يبلغ عدد الثقوب السوداء به نحو 40 تريليونا، أي 40 مليار مليار، وهو ما يمثل 1% من الكتلة الطبيعية للكون المرئي. واستطاعوا حساب أعداد الثقوب السوداء في الكون المرئي عبر تتبع تطور النجوم في الكون، وقدروا عدد المرات التي تتحول فيها النجوم -سواء بمفردها أو في أنظمة ثنائية- إلى ثقوب سوداء. ومن أجل تحقيق ذلك، صمم الباحثون نموذجا يحاكي تطور المجرات على مدى مليارات السنين لمعرفة عدد النجوم العملاقة الميتة، وبالتالي تخمين عدد الثقوب السوداء التي خلفتها. وراعى الباحثون عند تصميمهم هذا النموذج عدة عوامل، ومنها: حقيقة أن بعض المجرات تستطيع تشكيل نجوم جديدة بشكل دوري، في حين تعجز مجرات أخرى عن ذلك. بالإضافة إلى "معدنية" المجرة، والذي يعد مقياسا يحدد كمية العناصر الموجودة داخل كل مجرة -في ما عدا الهيدروجين والهيليوم- حيث إن وجود كمية أكبر من المعادن يمكنه أن يعزز تبريد الغازات الموجودة في المجرة، مما يساعد المجرات على إنتاج نجوم جديدة بصورة فعالة.