استبقت الدول العربية قرارا تنتظره إسرائيل بشغف كبير يتعلق بنقل سفارة بريطانيا إلى القدس بعد رحيل الملكة إليزابيث الثانية وتولي المحافظ ليز تراس رئاسة الوزراء وإعلانها الرغبة في ذلك. وكثفت إسرائيل ضغوطها على رئيسة الوزراء الجديدة لاتخاذ قرار نقل سفارة بلدها إلى القدس، وهو ما تعتبره الدول العربية خطا أحمر، فشلت في السابق في ثني الولاياتالمتحدةالأمريكية عن تخطيه. وأصبحت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس في موقف صعب بعد أن بعثت دول عربية برسالة تحذرها من مغبة نقل سفارة لندن إلى القدس. فما هي فرص نجاح تحذير الدول العربية؟ تحول موقف ليزا ترانس مغامرة أحدثت رئيس الوزراء البريطانية ليز تراس، حسب الجزيرة نت، ضجة وجدلا واسعين بإعلان نيتها نقل سفارة بلدها من تل أبيب إلى القدس، في خطوة تخرج عن الأعراف الدبلوماسية للمملكة المتحدة، والتي ظلت لسنوات تطالب باحترام القانون الدولي فيم يتعلق بوضعية مدينة القدس. وحسب نفس المصدر، تراس التي أعلنت أمام تجمع لأصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين أنها "صهيونية وصديقة قوية لإسرائيل"، تعلم خطورة هذا الموقف، بل إنها سبق أن ردت على رسالة من التجمع نفسه خلال حملتها الانتخابية للوصول إلى زعامة حزب المحافظين، حول إمكانية نقل السفارة إلى القدس بالقول "إنها تعلم أهمية وحساسية موقع السفارة البريطانية". وتحرك اللوبي الإسرائيلي بشكل مكثف عن طريق مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين (CFI) وهي مجموعة ذات تأثير كبير داخل الحزب، بسبب انخراط 80% من المنتمين لحزب المحافظين في هذه المجموعة. وتسابق هذه المجموعة الزمن رفقة الحكومة الإسرائيلية، لانتزاع هذا القرار من رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، ويقدر اللوبي الإسرائيلي أن هذه هي الفرصة الذهبية للحصول على هذه الورقة، وذلك بسبب المخاوف من تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في بريطانيا وهي الانتخابات التي في الغالب ستأتي بحزب العمال للحكومة كما تشير لذلك كل استطلاعات الرأي. ويخشى اللوبي الإسرائيلي وصول حزب العمال إلى الحكومة، والذي وإن كان زعيمه كير ستارمر قد عبر في أكثر من مناسبة عن دعمه لإسرائيل، فإنه من المستبعد أن تقدم حكومة عمالية على خطوة تخرق القانون الدولي. رسالة العرب شبيهة بموقف سنة 1973 وحسب الجزيرة نت، فالمثير في هذه الرسالة التي أجمعت على مضمونها كل الدول العربية، حسب صحيفة "غارديان" البريطانية، أن الدول الخليجية حذرت رئيسة الوزراء بأن مفاوضات توقيع اتفاق التبادل التجاري بين مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة قد تتعرض للخطر، في حال اتخاذ قرار نقل السفارة، وهو ما يضع رئيسة الوزراء البريطانية في مأزق حقيقي، لما يشكله الاتفاق التجاري مع الدول الخليجية من أهمية لبلادها المنهكة اقتصاديا. ويذكّر موقف الدول العربية الحالي بالموقف الذي اتخذته الدول العربية سنة 1973 في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول، عندما قررت حظر صادرات النفط واستخدمت ذلك سلاحا للضغط على الغرب والولاياتالمتحدة، خصوصا للكف عن دعم إسرائيل في تلك الحرب. أوراق الضغط العربية وحسب نفس المصدر، تتوفر الدول العربية والدول الخليجية خصوصا على أوراق ضغط حقيقية تجعل لندن تفكر ألف مرة قبل الإقدام على خطوة نقل السفارة إلى القدس: * ما الدول العربية الأكثر تبادلا للتجارة مع المملكة المتحدة؟ تتصدر دول الخليج قائمة الدول العربية من حيث المبادلات التجارية مع المملكة المتحدة، ولهذا وضعت الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سنة 2016 توقيع اتفاق تبادل تجاري حر مع دول مجلس التعاون الخليجي في قائمة أولوياتها. وارتفعت المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة في الفترة ما بين 2010 و2019 لتصل إلى 41 مليار جنيه إسترليني (نحو 50 مليار دولار) مع نهاية سنة 2019، وخلال هذه الفترة زادت الصادرات البريطانية نحو دول الخليج بنسبة 48%، وارتفعت الصادرات الخليجية نحو المملكة بنسبة 54%. ورغم تراجع الصادرات في سنة 2020 بسبب وباء كورونا، فإنها عاودت الارتفاع مرة أخرى سنة 2021 وبلغت 36 مليار دولار، وهو رقم يجعل من دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة من بين أكبر 10 شركاء تجاريين للمملكة المتحدة. * ما أهمية اتفاق التبادل التجاري الحر مع دول الخليج؟ تضع الحكومة البريطانية اتفاق التبادل التجاري مع دول المجلس التعاون الخليجي كأولوية قصوى لها، وما تهديد الدول العربية بإيقاف هذا الاتفاق إلا لعلم هذه الدول بحاجة لندن إلى الاتفاق أكثر من حاجة الدول الخليجية له. وفي تقرير رسمي للحكومة البريطانية، تصف لندن هذا الاتفاق بأنه اتفاق إستراتيجي، سيجعل من دول الخليج رابع مستورد للبضائع والسلع البريطانية، كما أنه سيسهم في خلق فرص شغل جديدة في البلاد، بل إن هذا الاتفاق سوف يرفع من معدل الأجور في المملكة المتحدة بنحو 1.4 مليار دولار سنويا، وسيسهم في زيادة التجارة البريطانية بنحو 24 مليار دولار بحلول سنة 2035. وتطلّب الأمر سنوات من المفاوضات مع دول مجلس التعاون الخليجي للوصول إلى المحطة الأخيرة قبل توقيع هذا الاتفاق الذي قد تنسفه ليز تراس إن هي أصرّت على نقل سفارة بلادها إلى القدس. * ماذا عن صفقات السلاح؟ تشير وثيقة صادرة عن البرلمان البريطاني إلى أن دول الشرق الأوسط تستأثر بنسبة 58% من مبيعات الأسلحة البريطانية، وأن أضخم الصفقات العسكرية التي توقعها المملكة المتحدة تكون مع الدول الخليجية. وحسب معطيات وزارة الدفاع، فإنه خلال الفترة ما بين 2010 و2019 أنفقت دول الشرق الأوسط نحو 289 مليار دولار على شراء الأسلحة، كان منها 66 مليار دولار لمصلحة المملكة المتحدة. * ماذا عن سلاح الطاقة؟ رغم أن بريطانيا تعدّ من الدول القليلة في العالم التي لا تعتمد اعتمادا كبيرا على واردات الطاقة من دول الخليج، فإن الحرب في أوكرانيا غيّرت المشهد بشكل كبير. وتعتمد المملكة المتحدة بنسبة 9% على الغاز القطري المسال لتلبية احتياجاتها، كما أن الحكومة البريطانية تتفاوض مع الحكومة القطرية من أجل زيادة صادراتها من الغاز. وتكشف وثيقة للبرلمان البريطاني عن خطة الحكومة لتعويض النفط الروسي، حيث تعوّل الحكومة البريطانية على كل من السعودية والإمارات من أجل تعويض النقص، وتقول الوثيقة نفسها إن البلدين معا لهما القدرة على الاستجابة السريعة للاحتياج الذي قد يخلقه توقف استيراد النفط من روسيا.