أعاد ملف "إذلال" المغاربة من طرف قنصليات فرنسا بالمملكة، عبر رفضها المتكرر لطلبات التأشيرة، النقاش إلى الواجهة مجددا حول من إهانة المواطنين المغاربة أمام المصالح القنصلية الأجنبية فوق تراب بلادهم، في وقت تتصاعد فيه الشكاوى من طرف مئات المغاربة ممن رُفضت ملفاتهم "دون أسباب مقنعة". ويعبر عدد من المغاربة الراغبين في السفر إلى فرنسا عن غضبهم، على مواقع التواصل الاجتماعي، تجاه السفارة والقنصليات الفرنسية بالمغرب بعد رفضها المتكرر للطلبات التي يتقدمون بها للحصول على التأشيرة. وتواجه الدبلوماسية الفرنسية بالمغرب، مجموعة كبيرة من طلبات المغاربة للحصول على التأشيرة بالرفض، وزادت صعوبة دخول فرنسا بالنسبة للمغاربة والجزائريين والتونسيين منذ شتنبر 2021، بعدما قررت الحكومة الفرنسية خفض عدد التأشيرات الممنوحة لهم إلى النصف، وبنسبة 30 بالمائة للتونسيين. نفس المشاهد وتعيد هذه المشاهد مسلسلا طويلا من معاناة المغاربة أمام القنصليات الأوروبية بالمملكة، خاصة الفرنسية منها، حيث يتكرر الأمر بنفس الطريقة منذ عقود، بالرغم من إثارة هذا الملف مرارا في قبة البرلمان المغربي، لكن دون اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يحمي كرامة المواطنين أمام المصالح القنصلية الأجنبية. وفي هذا الإطار، اطلعت جريدة "العمق" على موقف كان قد عبر عنه الوزير السابق والقيادي الاستقلالي البارز، مولاي امحمد الخليفة، داخل مجلس النواب خلال نونبر سنة 1994، أثناء مداخلة له عقب تصويت فريقه بالرفض على البرنامج الحكومي لحكومة عبد اللطيف الفيلالي. وتحدث الخليفة حينها تحت قبة البرلمان، عن الإهانات التي يتعرض لها المغاربة بسبب رفض طلباتهم للحصول على التأشيرة، خاصة من طرف المصالح القنصلية الفرنسية، وهو ما يتكرر بنفس الطريقة حاليا ومع نفس القنصليات. فقد قال الخليفة، وهو بصدد تفسير تصويت حزبه ضد برنامج حكومة الفيلالي، إن "المواطن المغربي الذي نقول له من هذه المنصة إن المغرب يفتخر لكونه محبوبا في جميع الدول وبأن له سمعة، عندما يتوجه في كل يوم من أجل الحصول على تأشيرة للخروج ولا يجدها، لا يشعر بأنه بالفعل شعب مقدر، هذه هي المشكلة الحقيقية". وبعد 28 عاما من مداخلة الخليفة، يعود الملف مجددا إلى البرلمان، بعدما وجهت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار، سؤالا كتابيا إلى ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفيقي والمغاربة المقيمين بالخارج، حول الرفض الذي يجده المغاربة للحصول على التأشيرة الفرنسية دون مبررات معقولة، مع استخلاص ملايين الدراهم لفائدة فرنسا. وأشارت التامني في سؤالها الذي تتوفر "العمق" على نسخة منه، إلى "أن منع أطباء مغاربة من حضور مؤتمر طب العيونبفرنسا أثار استياء كبيرا لديهم، نظرا لعدم وجود أسباب منطقية للرفض، بالإضافة إلى حرمان العديد من المغاربة من "الفيزا" دون مبرر معقول". وذكرت بأن القنصلية تستخلص واجبات التأشيرة، ويبدو، على حد قولها، أن "فرنسا تتجه نحو خفض منح الفيزا في المستقبل، وهو منطق يلفه الكثير من الضبابية وعدم الوضوح خصوصا مع استمرار السفارة الفرنسية في تحصيل الرسوم والواجبات المفروضة وجني مبالغ ضخمة دون معالجة الملفات المطروحة". وأكدت التامني على "أن بعض المواعيد الخاصة بالطلبة الراغبين في متابعة دراساتهم بفرنسا تمتد إلى شهر شتنبر، بالإضافة إلى الملاحظات التي تبديها القنصليات في بعض وثائق التأشيرة مما يكلف الكثير من الوقت. وساءلت التامني ناصر بوريطة عن "الإجراءات المتخذة من طرف وزارة الخارجية لتصحيح هذا الوضع لحماية طالبي التأشيرة من الإهانة التي يتعرضون لها من جهة، وتقديم ما يمكن من المساعدات فيما يخص التأشيرة الخاصة بالطلبة وفي آجال معقولة حتى لا يعيق تأخير الفيزا عملية الالتحاق بمدارسهم". إمعان في "الإذلال" وتختلف أنواع المعاملات "المهينة" التي يتعرض لها المغاربة على مستوى القنصليات، ما بين رفض منحهم "الفيزا"، أو تأخير معالجة ملفاتهم لأشهر طويلة، أو منحهم مواعيد بعيدة لدفع ملفاتهم، إلى جانب ارتفاع الرسوم المفروضة عليهم لدفع الملفات وحجز المواعيد. ففي الوقت الذي ترفض فيه قنصليات فرنسا عددا كبيرا من طلبات التأشيرة، بما فيها طلبات وزراء وبرلمانيين ومسؤولين سابقين، فإن ملفات أخرى يتم تأخير معالجتها لمدة طويلة قد تصل إلى أزيد من 3 أشهر، في حين كشف عدد من المواطنين أن حجز المواعيد ببعض القنصليات وصل إلى شهر يناير 2023. ويرى مواطنون تحدثت إليهم جريدة "العمق"، أن الرفض المتكرر لطلباتهم، بمن فيهم من حصلوا سابقا على "الفيزا" من نفس القنصليات، لا يتم تبريره بأسباب مقنعة، مشيرين إلى أن مبرر "الشك في إمكانية استغلال الفيزا للهجرة غير الشرعية" إهانة وإذلالا في حقهم. كما كشف أحد طلبة الدكتوراه ممن تم رفض ملفه، رغم حصوله على "الفيزا" سابقا، في حديث ل"العمق"، أنه بالرغم من كون موقع السفارة الفرنسية يؤكد أن الطلبة لا تشملهم إحدى الرسوم التي تصل إلى 80 يورو، إلا أن الشركة المكلفة باستقبال الملفات "TLC" تطالبهم بتغيير طلباتهم إلى تأشيرة سياحية عوض تأشيرة طلبة، قصد أداء المبلغ المذكور. وفي هذا الصدد، قالت الصحيفة الفرنسية "جون أفريك"، إن الشعور ب"الذل" باتت العبارة التي ترددها شفاه المغاربة، بسبب الرفض المتكرر لطلباتهم للحصول على التأشيرة، مضيفا أن هذا قد أسيء فهمه، وبدا المغاربة وكأنهم يشعرون بأنهم يتحملون عبء أزمة دبلوماسية بين البلدين. وسبق للسلطات الفرنسية أن أعلنت، نهاية السنة الماضية، عن تشديد إجراءات منح التأشيرة لرعايا دول مغاربية وبينها المغرب، بدعوى رفض هذه الدول قبول استقبال أشخاص يحملون جنسياتها تريد باريس ترحيلهم. وأكد الناطق باسم الحكومة، آنذاك، "أن تشديد باريس شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس يأتي ردا على رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها"، معتبرا أنه "قرار جذري وغير مسبوق لكنه كان ضروريا لأن هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا لا نريدهم ولا يمكننا إبقاؤهم في فرنسا". رفض متكرر مواطن مغربي يدعى "سفيان"، وهو من المتضررين من هذا الإجراء، قال في تغريدة على "تويتر"، "أنا محروم من السفر، وهذا حق أساسي"، مضيفا أنه عاش 15 عاما في فرنسا، ويرد الذهاب رفقة ابنتيه الفرنسيتين لزيارة العائلة وقضاء العطلة الصيفية. وأضاف بأن هذه هي المرة الرابعة التي يتقدم فيها للحصول على تأشيرة "شنغن" قصيرة الأجل، والمرة الأولى التي يواجه طلبه بالرفض، مضيفا بنبرة غاضبة بأن "الدول تقوم أحيانا بإجراء حسابات دبلوماسية تؤثر بشكل مباشر على مواطنينها مثل أطفالي". وفي هذا السياق، قال عبد الله الصيباري، الكاتب العام للشبيبة الإتحادية، في تدوينة له: "قنصلية فرنسا بالرباط تنهب أموال المغاربة، رفض أكثر من 70 في المائة من طلبات التأشيرة دون استرجاع المبالغ المستخلصة بدون مبررات مقبولة، بدوري عانيت اليوم من هذا البؤس". ووصف الصيباري هذا القرار، في تصريح لجريدة "العمق"، ب"غير المفهوم" لأنه يتم استخلاص مبالغ كبيرة بمبررات واهية ويتم رفض طلب التأشيرة رغم توفر الشخص على جميع الالتزامات الانتدابية والسياسية والمهنية. واعتبر المتحدث ذاته أن هذه القرارات يفسرها أن فرنسا تتعامل بمنطق يحنّ للعصور الاستعمارية، وأن هذه الأمر يدخل في نطاق "أكل أموال الناس بالباطل"، حيث يتم استخلاص مبالغ مالية كبيرة تصل ل1200 درهم قبل أن يتم رفض الطلب وعدم إرجاع هذه الأموال لأصحابها. وامتد امتناع القنصليات الفرنسية على منح التأشيرة للمغاربة من أجل دخول البلاد إلى الطلبة الذين قرروا متابعة دراستهم بفرنسا واجتيازهم الامتحانات بنجاح ودفع الرسوم المطلوبة. وتفاجأ عدد كبير من الطلبة المغاربة، خلال الأيام القليلة الماضية، من رفض القنصليات الفرنسية لطلباتهم من أجل الحصول على التأشيرة قصد السفر إلى فرنسا مطلع الشهر المقبل من أجل الالتحاق بالمدارس التي حصلوا على الموافقة للدراسة بها. وأبدى عدد كبير من هؤلاء استغرابهم من رفض ملفاتهم رغم استيفائها لجميع المتطلبات، والتي على رأسها شهادات القبول بالمعاهد والجامعات الفرنسية، وكذا المبالغ المالية التي تفرضها الدولة على الطلبة من أجل ايداعها في حساباتهم البنكية. واعتبر هؤلاء أنه من غير المنطقي أن تمنح المعاهد والجامعات الفرنسية تراخيص الدارسة بمقاعدها وتحصيل الرسوم التي تقارب 4 ملايين سنتيم مغربية، ثم يتم رفض ملفات التأشيرة دون مراعاة للخسائر المادية الكبيرة التي يتكبدها الطلبة، رغم تعهد تلك المعاهد بإرجاع جزء من الرسوم في حال رفض التأشيرة.