مساهمة في النقاش الذي خلقه الخبر الذي أذاعته الجريدة الفرنسية Jeune Afrique وما صاحبه من ردود فعل متباينة بين الحاجة الفعلية للتعديل الحكومي وبين من يشكك في جدواه خاصة في الظرفية الحالية، وفي ظل السكوت الرسمي خاصة للوزراء الذين جرى تداول أسمائهم والذين من المحتمل الإطاحة بهم حسب قصاصة الجريدة، يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات حول التوقيت والسياق والنقاش الدائر وكذا حول الحاجة الفعلية لإجراء التعديل نفسه. الملاحظة الأولى، مرتبطة بتوقيت خروج الجريدة الفرنسية بالخبر، وهو يتزامن مع "العطلة السياسية" التي جرى العرف أن تتوقف فيها الحكومة خاصة على عقد المجالس الحكومية مع استمرار عمل الوزراء من خلال التفويضات التي تمنح للمسؤولين الإداريين، وكذا توقف المؤسسة التشريعية في عقد جلساتها العامة في انتظار افتتاح دورة أكتوبر، مع استمرار اللجان في عقد جلساتها، وهو ما يعني من الناحية السياسية توقف كل مظاهر التواصل السياسي الرسمي للمؤسستين التشريعية والتنفيذية، ومعه ينخفض منسوب النقاش السياسي حول العمل الحكومي والبرلماني الذي يطبع في المغرب بطابع ظرفي، يخلف فراغا كبيرا في ظل تواري معظم الأحزاب السياسية عن خلق النقاش السياسي أو المساهمة فيه سواء عبر القنوات الرسمية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. من جهة أخرى، فإن احتمال وجود تعديل حكومي في السنة الأولى من عمل الحكومة يحتاج من حيث العرف السياسي المغربي لمبررات استثنائية، مرتبطة بالأداء الفردي أو الجماعي للوزراء، خاصة وأن القصر الملكي دأب على احترام المنهجية الديمقراطية ومتطلبات الفعالية الحكومية في كل تعديل، حيث تكون مبرراته واضحة للرأي العام ومعززة ببلاغ الديوان الملكي الذي يبسط المسطرة، والحيثيات وهو ما تكرس حتى مع أسرع تعديل حكومي في تاريخ المغرب بعد ساعات من تعيين الحكومة الحالية بإعفاء نبيلة الرميلي وزيرة الصحة والحماية الاجتماعية وإعادة خالد أيت الطالب للمنصب الذي كان يشغله في ظل الحكومة السابقة، حيث أورد بلاغ الديوان الملكي أن هذا التعيين يأتي" طبقا للمقتضيات الدستورية، وبناء على الطلب الذي رفعه السيد رئيس الحكومة، للنظر السامي لجلالة الملك، بإعفاء السيدة الرميلي من مهامها الحكومية، التي قدمت ملتمسا قصد التفرغ الكامل لمهامها كرئيسة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، بعدما تبين لها حجم العمل الذي تتطلبه منها هذه المهمة التمثيلية، وما تقتضيه من متابعة مستمرة لقضايا سكانها وللأوراش المفتوحة بهذه المدينة الكبرى، مما سيؤثر على الالتزامات الكثيرة والمواكبة اليومية التي يستوجبها قطاع الصحة، لاسيما في ظروف الجائحة...". هذا، وإذا كان العمل الحكومي منذ بدايته قد أثار مجموعة من الملاحظات والمآخذات سواء المتعلقة بالخرجات غير المحسوبة لبعض المسؤولين الحكوميين، أو التضارب في التصريحات، أو طبيعة السياسات الحكومية التي لم تتمكن من التفاعل السريع مع الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، خاصة مع تفاقم أزمة المحروقات غلاء الأسعار...، فإنه مع ذلك لم يدفع الرأي العام نحو مناقشة مسألة تجويد عمل الحكومة عبر إجراء تعديلات على مكوناتها، بل حتى الحملة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي ارتبطت أساسا بملف المحروقات وطالبت في جزء منها برحيل رئيس الحكومة، كوسيلة للضغط على الحكومة لإعادة أثمان المحروقات لسابق عهدها. وعليه، فإن توقيت إثارة النقاش حول موضوع التعديل الحكومي قد يرتبط بجس نبض الشارع المغربي حول الموضوع الذي يمكن أن يشكل حاجة ملحة على الأقل مع حلول منتصف الولاية الحكومية، حيث تتضح الرؤيا أكثر حول العمل الحكومي، ومعه تقييم الأداء الشخصي لكل وزير سواء على المستوى السياسي أو التدبيري، بل يمكن أن يكون النقاش حول الموضوع في حد ذاته مفيدا في تنبيه الحكومة وأعضائها لضرورة بذل المزيد من الجهود لاحتواء الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الحالية، وإعطاء السياسات العمومية التي تشتغل عليها جرعات معززة ومحفزة لآثارها على أرض الواقع. الملاحظة الثانية مرتبطة بالسياق السياسي والاقتصادي، فإذا كان الكل يجمع اليوم على صعوبة الظرفية الاقتصادية التي تعيشها المملكة على غرار باقي الدول، نتيجة التحولات المناخية من جهة والتوثرات الدولية والإقليمية من جهة أخرى، فإن هذه النوعية من الظروف الاستثنائية قد تحتمل في أقصاها اللجوء إلى "حكومة أزمة"، تركز أساسا على الملفات المستعجلة والآنية واتخاذ التدابير الاستثنائية لتجاوز الصعوبات والعراقيل، وهي مسألة مستبدة في التجربة المغربية المطبوعة بتوازنات يفرضها طبيعة التدبير العمومي والذي لا ينحصر على تدخل الحكومة المركزية فقط ولكن على مؤسسات وهيئات أخرى، بالإضافة إلى المؤسسات المنتخبة تربيا، لذلك فالحديث عن تعديل حكومي خلال هذه الفترة قد لا يكون له أي أثر يذكر على تجويد العمل الحكومي، خاصة وأن النتائج التي أفرزتها انتخابات 8 شتنبر لم تعط إمكانيات كبيرة للتحرك على مستوى التحالفات الحزبية خارج ما تم التوصل إليه إلى حدود اللحظة، وهو ما يطرح في المقابل تحديات من نوع آخر خاصة في ظل التنافس غير المعلن بين حزبي الأحرار والأصالة والمعاصرة، مما يستبعد المغامرة بخروج حزب الجرار للمعارضة ودخول أحزاب أخرى للتحالف الحكومي خاصة حزب الاتحاد الاشتراكي، ولكنه احتمال قد يظل واردا في المستقبل القريب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحولات التي يمكن أن يعرفها المشهد السياسي مع استمرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي. لذلك، فإن الظرفية الاقتصادية والسياسية، تزيد من الضغط على الحكومة وعلى وزرائها لضرورة تحسين الأداء وتجويد العمل الحكومي بعد الاقتراب من نهاية السنة الأولى من التنصيب، والتي تتزامن مع أول مشروع قانون مالية يمكن أن ينسب بشكل كامل للحكومة الحالية، والذي يمكن أن يشكل مدخلا لاستعادة الثقة في العمل الحكومي وإعطائه نفسا جديدا، خاصة إذا تضمن إشارات قوية تعبر عن رغبة في الإصلاح وعن رؤيا واضحة للمستقبل.