يندهش المرء حين يطلع على عدد الصور المنشورة بجودة عالية في الصفحة الرسمية لوزارة التربية الوطنية والتي تشهد على حيوية و نشاط المسؤولين عن قطاع التربية في الوطن، مما يشي للبعض بأن الإصلاح قائم والعام "زين"، كل ما في الأمر مجرد "عكر " على واقع بئيس وميئوس منه تتخبط فيه منظومتنا منذ سنوات. لا داعي لاستعراض مختلف البرامج والمخططات التي يعرف الجميع مصيرها و حكايتها، إذ مازال تعليمنا يراوح مكانه في مصاف الدول المتخلفة تعليميا رغم كل الأموال التي نهبت وصرفت دون مُحاسبة، إنه التخطيط المتعمّد لإغراق تعليمنا والزج به في الحضيض، وتؤدي الأجيال المتعاقبة ثمن ذلكَ إذ لا تقدم لها المدرسة الكفايات الأساسية التي تمكنها من الاندماج فسوق الشغل. ما الذي يحول دون تحقيق كل الأهداف و الغايات التي يتم تسطيرها من قبل المؤسسات المعنية بالشأن التعليمي؟ هل ثمة "عفاريت" و "تماسيح" يخططون في الخفاء و يستفيدون من الوضعِ المأزوم؟ و لماذا استمر الذين فشلت مخططاتهم في المسؤولية و لم يتعرضوا لأي مساءلة ومحاسبة؟. ثمة شرخ واضح بين المسؤولين عن القطاع التعليمي بالمغرب و نساء و رجال التعليم، الذين أعتبرهم جزءا من المشكلة و الحل معًا، لقد تعمدت الوزارة على مدى سنوات صم أذانها عن مختلف المطالب التي ينحصر أغلبها في الجانب المادي و الاجتماعي، وعليه اتسعت قاعدة الضحايا. و النتيجة تضمحل الرغبة في العطاء مع توالي السنون حيث يكتشف رجال ونساء التعليم أن المسؤولين عن القطاع لا رغبة لهم في العمل على أرض الواقع، بالمقابل يتقنون أداء الأدوار في مختلف الأنشطة و يكثرون من الصور التي تغطي عن واقع مزيف و مرير و السطو على أي نجاح، و ينفضون أيديهم من كل سقطة أو هفوة ليتم إلصاقها بأصغر مسؤول في القطاع للتضحية به. خبر الأساتذة تجارب متكررة و متتالية من الخذلان، و أن العديد منهم انطفأت أمام أعينهم شمعة الأمل، يكتشف المدرس ذلكَ عن أقرب مصلحة يتعامل معها، يتيقن أن الإصلاح مجرد أكذوبة. كل المؤشرات دالة على أن الوزارة "تطنز" على الأساتذة بشتى الطرق و الوسائل، و لعل التكتم على نتائج الامتحان المهني الذي مر على اجتيازه تسعة أشهر دون أن تقدم تفسيرا لهذا الصمت المزعج، دون إغفال عدم وفائها بالتزاماتها للتسوية المالية لمستحقاتهم رغم كل البلاغات الرسمية التي نشرت أكثر من مرة، مما يفقد لمؤسسة قائمة بذاتها تسير قطاعا حيويا صفة الثقة. إن مداخل الإصلاح واضحة و ظاهرة للعيان تنطلق من المدرس بالدرجة الأولى لأنه هو المُنزِّل لأي مخطط أو مشروع تربوي قريب أو بعيد المدى، وأن عدم رضى هذه الفئة عن الوضع هو فشل لكل المخططات و البرامج مهما كانت فاعليتها. أمام كل هذا تستقبل ألاف طلبات الاستفادة من التقاعد النسبي للفرار من جحيم اسمه التعليم المغربي، إذ لم تعد مهنة جذابة و مغرية، تتعرض لنهش مقصود من طرف الإعلام و المجتمع الذي له تمثلات خاطئة عن المهنة، حتى المسؤولون عن القطاع ينظرون بعين الريبة و الشك للمدرس.