الوضع يتحسن على حساب الجالية؟ هل هذا ما يمكن إستنتاجه في ذكرى 23 لعيد العرش المجيد، وخلال اللقاء الذي إستقبل فيه جلالة الملك السيد والي بنك المغرب، الذي قدم فيه التقرير السنوي حول الوضعية الإقتصادية والمالية لسنة 2021 وكذا المرحلة النقدية المقبلة للمغرب، وفي سياق الحديث عن الإصلاحات السياسية والإقتصادية أوضح السيد والي بنك المغرب بأن نسبة النموالوطني بلغ 7,9 بالمائة رغم الظروف الناتجة عن جائحة كورونا والسياق الدولي الصعب. كما أقر والي بنك المغرب إلى أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج تصاعدت إلى مستوى قياسي بلغ 93,7 مليار درهم، مما مكن من إحتواء تفاقم العجز الجاري في 2,3 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. التقرير السنوي لبنك المغرب كان محور المناقشات لحظة صدوره في وسائل الإعلام، والمؤكد أنه سيفتح شهية السياسيين والمحللين ليقولوا رأيهم. رأي مغاربة العالم بهذا الخصوص ليس جديدا على الطبقة السياسية ولا على وسائل الإعلام، ودور الجالية في الإقتصاد الوطني ليس إختراعا بلا أساس موضوعي. فالمهمة ثقيلة بلا شك لأن الإقلاع الإقتصادي وإنعاشه يرتكز على تحويلات مغاربة العالم مما يساهم في نقص عجز الميزانية للدولة ويمكنها من إحتواء تفاقم العجز المالي كل سنة بنسبة مائوية معقولة، كما تساهم هذه التحويلات الى تمديد الأصول الإحتياطية الرسمية للبنك المركزي. أهمية الإسهام الاقتصادي للجالية على مستوى الاستثمارات خطوة كبيرة للأمام لاينبغي التفريط بها، وبالتالي يستدعي التفكير بتطوير كل الإمكانيات والأسباب لتحقيق الغايات المرجوة منها؛ التحويلات المالية للجالية مصدر أساسي للعملة الصعبة ودورها مهم في ضمان التوازنات المالية للمملكة وخاصة على مستوى الأداءات والميزان التجاري؛ الجالية تستثمر أرصدة هائلة في مختلف مناحي الدورة الاقتصادية وفي مجالات إنتاج مختلفة (صناعة، عقار سياحة، تكنولوجيا متقدمة...الخ)؛ الجالية تمثل رقما أساسيا في معادلة السياحة بالمغرب مع ما يرافق ذلك من تنشيط دواليب الاقتصاد على مدار السنة. فمنذ إعتلائه عرش أجداده، جعل جلالة الملك مصلحة مغاربة العالم من بين أولوياته وحث الدولة بتطوير وإقرار مكتسبات جديدة تخص المغاربة المقيمين بالخارج، أبرزها اليوم الوطني للمهاجر، عملية مرحبا، مجلس الجالية، مجلس العلماء بالخارج، نصوص 16-17-18 و 163 من الدستور الجديد. أحد أهم الأهداف المعلنة خلال خطاب الذكرى 23 لعيد العرش المجيد والمرتبطة بالإستثمار تتطلب ترجمتها، في نظري المتواضع، واقع جديد يتمثل في القنطرة التي إعتمدها تقريرلجنة النمودج التنموي الجديد في حق مغاربة العالم. فدعوة جلالة الملك من خلال خطابه الحكومة والأوساط السياسية والإقتصادية على تسهيل جلب الإستثمارات الأجنبية: أولا هذا يعني أنه على الحكومة أن تستفيد من الزخم العلائقي المهم المتمثل في العلاقات الشخصية لدى مغاربة العالم في أوساط المستثمرين الأجانب وكذا علاقات التعاون التي ينسجها أفراد مغاربة العالم مع الجهات أو المؤسسات المالية المانحة؛ ثانية يتوجب على الأوساط السياسية والإقتصادية مواكبة الحضور الوازن لأفراد الجالية المغربية في تسيير الشؤون المحلية بدول المهجر على مستوى عضوية المجالس المحلية والجهوية ورئاستها في بعض الحالات مع ما يستتبعه ذلك من اكتساب خبرات متنوعة وغير مطروقة ببلادنا على مستوى طرق وفنيات التدبير وجلب المستثمرين ورسم البرامج المالية وتنفيذها. جلالة الملك وفي جل خطبه شكرمرارا وتكرارا شعبه الوفي عن حبهم لوطنهم وحرصهم عن الدفاع على وحدته الوطنية والترابية، وأظهرجلالته رغبة أكيدة كما كان من قبل، بمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين؛ رغبة نوعية للعلاقة الأخوية والإنسانية بين الملك والشعب المغربي والشعب الجزائري، مما يستدعي رد الجميل والشكر. يُدرك المتابعون، ياجلالة الملك، للشأن الإجتماعي والثقافي والسياسي للجالية المغربية في الخارج أنّ تماسكها بالعرش العلوي وتّضامنها بالتعريف بالقضية الوطنية والدفاع عنها، هو حب وتضامن يعتمد على الفعل التلاحمي داخل صفوف شباب ونساء الجالية؛ بمعنى أنّ كل مبادرة فعلية للجالية تعرف بقضية الصحراء المغربية، سواء أكانت فعلاً سياسيا أم ثقافيا أو تحسيسيا، هي التي تُحرّك المجتمعات الأوروبية وحكوماته، للتفاعل مع قضيتنا العادلة بصحرائنا وموروثنا الحضاري والثقافي والتاريخي بها. فطالما هناك مغاربة في كل أنحاء العالم، وبعدد لايستهان به 7 ملايين مواطن مغربي في الخارج، فإنّ مغاربة العالم ياجلالة الملك يضعون شأن وحدة التراب لوطنهم الحبيب المغرب في سلم أولوياتهم ويعتبرونه جبهة الدفاع الوطنية الأولى بالنسبة لهم. من هنا يتم معرفة لماذا يعتبر عيد العرش المجيد وحدث الذكرى السنوية للمسيرة الخضراء بمثابة عرس للجالية المغربية أمام شعوب ومجتمعات بلدان إقامتهم. ألمانيا في 01 غشت 2022 الأستاذ: علي زبير باحث في مجال الهجرة رئيس المرصد الأوروبي المغربي للهجرة