لا شك أن المغرب يعيش اليوم، على غرار دول العالم، وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة بسبب تراكم النتائج السلبية لأزمة الكوڤيد وما ترتب عن الحرب الروسية الأوكرانية، وهي وضعية تحكمها عوامل موضوعية تتجاوز الواقع المحلي والاختيارات السياسية والاقتصادية داخليا وخارجيا. في سياق صعب كالذي نعيشه اليوم في المغرب وخارجه، يحق للمواطن أن يعبر عن امتعاضه، وهو بذلك لا يؤدي سوى وظيفته الطبيعية كمواطن، بل لا تكتمل المواطنة الحقة في الدولة الحديثة إلا بالمقاومة والامتثال. إنكار هذه الحقيقة مكابرة وتعام. لكن في مقابل ضرورة الاعتراف بالحق الطبيعي للمواطن في المقاومة، نسجل بأسف بروز واقع طفيلي لممارسة سياسية تنتمي إلى مستوى أدنى. الدونية هنا مجسدة في السلوك المعاكس للهم الإصلاحي الذي يفترض أن يكون فوق الخصومة السياسية وفوق الاختلاف والتقدير. الديمقراطية اختيار غير قابل للتجزيء والانتقاء. من يفهم من كلمة ديمقراطية غير ذلك فهو يستهدف شيئا آخر غير ما تعنيه الكلمة نظريا وغير ما هو محقق منها في دول العالم الحديث. وإذا كان من "حق" السياسي استغلال نوازع الناس من خوف وطمع وحاجة كما يقول ماكياڤيلي وهوبس، فإنه أيضا مطالب باستحضار واجبه البيداغوجي اتجاه منطق الإصلاح كما يفهم مما قاله روسو. يبدأ هذا المنطق باستيعاب أولوية المؤسسات على الأفراد والتنظيمات. من لم يستوعب بعد هذه الحقيقة يعيش في مستوى القبيلة لا الدولة. واهم من يعتقد أننا، بهذا الكلام، ندافع عن أخنوش كشخص أو كفاعل اقتصادي. واهم أيضا من يرى في هذا الكلام غير ما أشرنا إليه. وسوء النية لا يمكن أن ينتج إلى انفعال متهافت. لرئاسة الحكومة في المغرب بعد دستور 2011 رمزية ديمقراطية كبيرة، هي جزء من مسار ناضل من أجله المغاربة عقودا من الزمن. من الواجب اليوم على كل فاعل سياسي أن يستثمر في المكتسبات الديمقراطية مهما كان مضمونها الحزبي أو الشخصي، ومن يفعل غير ذلك إما انتقاما أو بسبب خصومة سياسية فهو يساهم، بوعي أو بدونه، في إغراق الوعي السياسي للمغاربة في مزيد من البؤس واستتباعا في تعميق الهوة بين المجتمع ومؤسساته الدستورية. في سياق مواصلة البناء المؤسساتي وترسيخ أركان السلوك الديمقراطي فكرا وسلوكا، وهو ما تعيشه تجربتنا المغربية اليوم، نحن في حاجة إلى ممارسة سياسية خلاقة تستند إلى مشترك يفترض أننا تعاقدنا على مضمونه سنة 2011. من يسعى إلى استهداف مؤسسة رئاسة الحكومة أو أي مؤسسة دستورية أخرى فهو يعود بالنقاش السياسي الوطني إلى ما دون 2011، بل يعمل على معاكسة المسار الديمقراطي لبلادنا وربما التراجع عنه!