تشير دراسات للأمم المتحدة أن هناك أزيد من 35 مليون كفيف في البلدان العربية، والأسباب متنوعة تعود لشيء وراثي أو خطأ طبي أو عدم إمكان الخضوع إلى العلاج. وحسب اندبندنت عربية تعاني هذه الفئة من التهميش والإبعاد عن سوق العمل وربما حتى الدراسة. وعام 2019، خصص المجلس العالمي للمكفوفين 15 أكتوبر، يوماً عالمياً للعصا البيضاء، بناءً على توجيه من المجلس العالمي للمكفوفين بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة. وشدد بيان حينها على ضرورة "تقديم المساعدة للكفيف وتأمين الطريق له وإعطائه فرصة للانتقال من دون عوائق، لا بقصد إثارة الشفقة عليه، بل بهدف اكتشاف العقبات والمتغيرات في المحيط الذي يتحرك فيه". وهو كلام جميل ورنان، حسب نفس المصدر، لكنه بعيد في الوقت ذاته عن الواقع العربي. المكفوفون في المغرب.. غابة ألم شعلة من النشاط والحركة يبديها عمر أجبون، ناشط كفيف، وهو يدافع في الندوات واللقاءات عن ملف إدماج المكفوفين داخل المجتمع المغربي، وهي الشعلة نفسها التي يظهر بها كرئيس فرقة موسيقية للطرب الأصيل. ومثل هذا التألق حققه قارئ القرآن الكفيف، يونس غربي، الذي فاز أخيراً، بجائزة "عطر الكلام" الضخمة في السعودية، فضلاً عن مكفوفين حازوا شهادات عليا في شتى المعارف والتخصصات، وآخرون توجوا بميداليات ذهبية في رياضات ومسابقات دولية مختلفة. لكن نجاح هؤلاء المكفوفين وغيرهم من فاقدي البصر، في تحقيق ذواتهم ليس سوى "شجرة أمل" تخفي "غابة ألم" يتيه فيها آلاف المكفوفين بالبلاد، بسبب ما يصفونه ب"الإهمال والإقصاء المجتمعي". وبينما لا توجد أرقام رسمية حديثة بشأن عدد المكفوفين وفاقدي البصر بالمغرب، فإن آخر إحصائيات تعود إلى عام 2018، تتحدث عن أكثر من 500 ألف يعانون إعاقات بصرية، من ضمنهم أكثر من 200 ألف كفيف، لكن مصادر "اندبندنت عربية" تؤكد أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير، ويصل إلى أكثر من 400 ألف كفيف. ترسانة قانونية في المغرب قوانين تهدف للرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر، على رأسها قانون رقم 81-5، الذي يقول فصله الرابع "يتمتع المكفوفون بالامتيازات الآتية: تخصيص مؤسسات عمومية للقيام بتربيتهم وتأهيلهم لممارسة المهن التي تلائم حالتهم، ومنحهم الأولوية لشغل بعض المناصب التي تناسب حالتهم في القطاعين العام والخاص، ومنحهم ومنح المرافقين لهم إن اقتضى الأمر حق استعمال وسائل النقل العمومي مجاناً أو بسعر مخفض، ومنحهم الأسبقية لدخول مكاتب الإدارات العمومية". ويقول الفصل الخامس من القانون، إنه "لا يمكن إحالة موظف على التقاعد أو حذفه من أسلاك الوظيفة العمومية بسبب فقدان بصره أو حدوث ضعف على درجة إبصاره، وتعمل الإدارة على إعادة تأهيله لتمكينه من شغل منصب يناسب حالته". وهناك أيضاً جمعيات تُعنى بوضعية المكفوفين، خصوصاً في مجالات تربوية واجتماعية من خلال تعليم بالمجان في نظام داخلي، مثل ما تضطلع به المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب، أو توفير الوسائل التعليمية من قبيل الكتاب المدرسي المطبوع بطريقة "برايل"، وألواح الكتابة ومكعبات الحساب والوسائط التكنولوجية والرقمية. إشكالية التوظيف في القطاع الحكومي وعلى الرغم من تلك الترسانة القانونية، ووجود جمعيات لدعم وإدماج المكفوفين بالمغرب، فإن "درب العميان ليس مفروشاً بالورد" دائماً، فهذه الفئة كثيراً ما تعاني إشكالية التوظيف في القطاع الحكومي، بخاصة المكفوفون الحاصلون على شهادات جامعية عليا. وشهد المغرب خلال سنوات قليلة ماضية احتجاجات ساخنة ودرامية لفئة المكفوفين حاملي الشهادات، الذين كانوا يطالبون بالتوظيف المباشر في الإدارات العمومية، وهو ما كان لا يجد الاستجابة الحكومية اللازمة، ما دفع عدداً من هؤلاء المكفوفين إلى محاولات عدة للانتحار الجماعي. ويطالب المكفوفون الخريجون من الجامعات، وعددهم يتجاوز 1400 شخص، بالحق في "التمييز الإيجابي" الذي يمنحهم حق الوظيفة بشكل مباشر من دون إجراء اختبارات أو امتحانات، داعين إلى تطبيق نظام "الكوتا" ممثلاً ب7 في المئة من التوظيفات لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي هذا الصدد يقول عبد الله مستقيم، مكفوف حامل لشهادة عليا، إن هذه الحصة جاءت بمرسوم قانونين، لذلك فإن المكفوفين الحاصلين على شهادات جامعية لا يطلبون الصدقة من الحكومة، بل يطالبون فقط بتطبيق المرسوم الذي يظل مجرد شعار لا يطبق على أرض الواقع. ووفق المتحدث، فإن "الحكومات السابقة لم تهتم بملف المكفوفين الخريجين، حيث كانت تماطلهم لتضييع الوقت واستنزاف طاقة هذه الفئة"، لكن احتجاجات المكفوفين أسهمت في حلحلة الملف بشكل بطيء، مردفاً أن الأمل معقود في الحكومة الجديدة بالمغرب. التعليم و"برايل" وفي مجال تعليم المكفوفين، يرى محمد الصدوقي، الخبير التربوي والتعليمي، أنه على الرغم من تأخر المغرب كثيراً في العناية والاهتمام بهذه الفئة من المواطنين، بخاصة فيما يخص حقهم في التعليم، لكنه أنجز بعض المجهودات من أجل تعليم ذوي الإعاقات، ومنها البصرية. ويسجل المتحدث، وجود بعض النواقص في مجال تعليم المكفوفين، أولها عدم كفاية البرامج والمناهج، وعدم دقتها العلمية البيداغوجية حسب المتطلبات العلمية للتربية الخاصة. وثاني النواقص، عدم توفير تكوين متين وكاف للأطر (الكوادر) التعليمية العادية المكلفة تعليم هذه الفئة، وشبه غياب للمتخصصين، وقلة التخصصات الجامعية ومراكز التكوين المهتمة بالتربية الخاصة، وثالثها غياب بنيات وتجهيزات خاصة داخل المؤسسات التعليمية، وصعوبة تعليم هذه الفئة ودمجها في الأقسام العادية، أو في أقسام الإدماج، ثم عدم الاهتمام بهذه الفئة على مستوى التعليم قبل المدرسي. ويظل "نظام برايل" من أبرز إشكالات تعليم المكفوفين بالمغرب، وفق الجمعية المغربية لإعادة تأهيل المعاقين بصرياً، لا سيما بشأن كفاية الكتب والنصوص المطبوعة بهذه الطريقة، على الرغم من معاهدة مراكش التي وقعتها بلدان عربية سنة 2013، وتهدف إلى تسهيل قراءة هذه النصوص. وثاني مشكلة ترتبط بطريقة "برايل"، أن أثمان الآلات الطابعة التي تتيح طباعة نص بهذه الكيفية أسعار مرتفعة، تصل إلى أكثر من 8 آلاف دولار للطابعة الواحدة، الشيء الذي يعوق تعميم القراءة بطريقة برايل الشهيرة. الدمج الاجتماعي للمكفوفين وأما بخصوص الدمج الاجتماعي للمكفوفين، فيعتبر عمر أجبون، رئيس الجمعية المغربية لإدماج المكفوفين، أن "واقع الدمج الاجتماعي والنفسي والسلوكي والوظيفي في المغرب تحسن تدريجياً بمرور السنوات". واستدرك الناشط الجمعوي المكفوف، بأنه نتيجة العدد المتزايد لهذه الفئة بسبب الأمراض المختلفة وحوادث السير التي تسبب عاهات بصرية، لذا فإن الإدماج المنشود للمكفوفين داخل المجتمع المغربي لم يتحقق بعد. ويقول أجبون، إن المجتمع المغربي، والعربي بشكل عام، يفتقد الوعي بطريقة التعامل والتعاطي مع المكفوف، مبرراً ذلك بأن المجتمع في الغالب يصدر حكماً جاهزاً ونمطياً على المكفوف، ما يفضي إلى عدم إشراكه في القرارات وتقصيه من الخطط والبرامج. ودعا المتحدث في هذا السياق، الجمعيات إلى التفرغ لإعلام الرأي العام بقضايا المكفوفين ومشكلاتهم واحتياجاتهم، وأيضاً بمواهبهم التي تحتاج إلى من يرعاها وينميها، مطالباً في الآن نفسه المكفوفين إلى عدم الانزواء والتشكي، والنزول إلى الميدان للعمل وإظهار ما لديهم من مواهب ومكاسب، من أجل تحقيق اندماج حقيقي وفعال داخل المجتمع.