تلقى الرئيس الأمريكي جو بايدن يومي الخميس والجمعة الماضيين صفعتين قويتين متتاليتين من المحكمة العليا الأمريكية. وتتعلق الصفعة الأولى، وهي الأشد، بقرار المحكمة إلغاء حق المرأة في الإجهاض، رغم ما أثاره تسريب مشروع القرار من احتقان سياسي واجتماعي. وتتعلق الصفعة الثانية، بقرار المحكمة بأن للمواطنين الحق في حمل مسدس في الأماكن العامة، وهو قرار صادم في سياق سلسلة جرائم القتل التي عرفتها أمريكا. وندد الرئيس بايدن بكلا القرارين ذاهبا حد اتهام المحكمة، ويتوقع أن يفتحا بابا مجهولا على الاستقرار الاجتماعي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تعاني من لعبة شد الحبل بين الجمهوريين والديموقراطيين في مختلف المجالات. التقرير التالي يسلط الضوء على التطورات التي عرفتها القضيتين الشائكتين، اعتمادا على مصادر إعلامية أجنبية (الجزيرة نت، الحرة) إلغاء الحكم التاريخي الذي يحمي حق النساء في الإجهاض بعدما أثار تسريب مشروع قراره جدلا سياسيا وحقوقيا كبيرا في أمريكا، ألغت المحكمة العليا الأميركية – الجمعة- الحكم التاريخي الذي يحمي حق النساء في الإجهاض في قضية "رو ضد وايد" التي رفُعت عام 1973، وسط ترحيب من الجمهوريين ومعارضة واسعة من الديمقراطيين ومنظمات حقوقية. ويقضي الحكم على نصف قرن من الحماية الدستورية للإجهاض، في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأميركي. وجاء الحكم بأغلبية 6 قضاة محافظين مقابل معارضة القضاة الليبراليين الثلاثة. وبموجب الحكم، فإن كل ولاية أميركية باتت حرة في سنّ تشريع خاص بها للسماح بالإجهاض أو حظره، ويُعتَقد أن نحو 26 ولاية ستحظر الإجهاض قطعا أو ترجيحا. وأيّدت المحكمة قانونا صدر في ولاية مسيسيبي تم بموجبه حظر الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل، مما يشكل نصرا للجمهوريين والمحافظين الذين يريدون الحد من الأمر أو حظره كليا. وجاء في حيثيات الحكم الصادر الجمعة، أن الحكم الذي صدر عام 1973 في قضية "رو ضد وايد" ويسمح بالإجهاض إذا كان الجنين قادرا على الحياة خارج الرحم -أي بين 24 و28 أسبوعا من الحمل- كان خاطئا، لأن الدستور الأميركي لا يأتي بالتحديد على ذكر حقوق الإجهاض. وأكد وزير العدل في ولاية ميسوري الأميركية أن ولايته هي أول ولاية تنهي العمل بحق الإجهاض وتبدأ تطبيق قرار المحكمة العليا. + بايدن يندد وسط احتقان اجتماعي قالت مراسلة الجزيرة في واشنطن بيسان أبو كويك إن الآلاف من المعارضين للحكم تظاهروا أمام المحكمة بمشاركة العديد من النواب الديمقراطيين في الكونغرس، في المقابل تجمّع المئات من مؤيدي الحكم أمام المحكمة للاحتفال بما اعتبروه انتصارا تاريخيا. وعقب صدور الحكم، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن المحكمة العليا تعمدت حرمان الأميركيات من حق الإجهاض، وأن هذا الحكم ستكون له عواقب وخيمة على صحة الملايين منهن. ووفقا لبايدن، فإن الأميركيين يجمعون على أنه من غير المقبول التراجع عن حق الإجهاض بوصفه مبدأ دستوريا، متهما الرئيس السابق دونالد ترامب بالتخطيط للتراجع عن هذا الحق في تبديدٍ لجهود تاريخية لإقرار المساواة في أميركا. وأضاف الرئيس الأميركي أن التخلي عن حق الإجهاض أمر مشين وتجريمه سيعيد الولاياتالمتحدة 8 قرون إلى الوراء، مشيرا إلى أنه لا يمكنه التدخل بأمر تنفيذي، وأن الطريقة الوحيدة لتأمين حق المرأة في الاختيار هو بتدخل الكونغريس. + حكم متوقع وكانت مسودة للحكم كتبها القاضي صامويل أليتو وأشارت إلى أن المحكمة ستبطل على الأرجح حكم قضية "رو ضد وايد"، قد تسربت في مايو/أيار، مما أثار عاصفة سياسية. وجاء نص الحكم اليوم -الذي كتبه أليتو- مطابقا إلى حد كبير للتسريب. وكتب أليتو في الحكم "لا يشير الدستور للإجهاض، وليس هناك حماية ضمنية لمثل هذا الحق في أي من بنود الدستور". وأصدر القضاة الليبراليون الثلاثة في المحكمة اعتراضا مشتركا، وقالوا "أيا كان المدى الفعلي للقوانين المقبلة، فهناك نتيجة واحدة مؤكدة لقرار اليوم، وهي الحد من حقوق النساء وبوضعهن كمواطنات لديهن الحرية والمساواة". ووصفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الحكم بأنه إهانة لكل النساء، مؤكدة أن إلغاء حق الإجهاض يحقق الهدف المتطرف للحزب الجمهوري. في حين قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إن المحكمة الأميركية العليا استهدفت الحريات الأساسية للأميركيين. بدورها، قالت منظمة العفو الدولية إن قرار المحكمة العليا الأميركية إلغاء الحق في الإجهاض يمثل علامة قاتمة في تاريخ الولاياتالمتحدة، على حد قولها. وأضافوا أن حكم اليوم يعني أن المرأة لن يكون لها أي حقوق تذكر منذ اللحظة الأولى في التخصيب، ويمكن للولاية أن تجبرها على إتمام الحمل حتى في ظل أصعب الآثار على المستوى الشخصي والأسري. وكان الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب قد وعد في حملته الانتخابية عام 2016 بتعيين قضاة في المحكمة العليا يبطلون حكم "رو ضد وايد"، وقد تمكن بالفعل من تعيين 3 قضاة محافظين خلال ولايته التي استمرت 4 سنوات، مما رجح كفة اليمينيين في المحكمة وأسس لأغلبية محافظة من 6 قضاة مقابل 3 ليبراليين. وندد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن -بعد التسريب- باحتمال إبطال حكم "رو ضد وايد"، ووصفه بأنه "خطوة متطرفة"، وحث الكونغرس على إصدار تشريع يحمي حق الإجهاض على مستوى البلاد، لكن النواب الجمهوريين عرقلوا هذه الخطوة. + تفاعل دولي دوليا، أشادت "الأكاديمية البابوية من أجل الحياة" الجمعة بقرار المحكمة العليا في الولاياتالمتحدة بشأن الإجهاض، وقالت إنه "يتحدى العالم أجمع" في ما يخص قضايا الحياة. وقالت الأكاديمية التابعة للفاتيكان -في بيان- إن الدفاع عن الحياة البشرية لا يمكن أن يتم حصره في حقوق فردية، لأن الحياة أمر له أهمية اجتماعية واسعة. في المقابل، أعلنت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة ميشيل باشليه أن إلغاء الحق في الإجهاض الذي قررته المحكمة الأميركية العليا "يشكل ضربة موجعة للحقوق الإنسانية للنساء". وقالت باشليه -في بيان- إن الحق في الإجهاض الآمن والقانوني والفاعل متجذر بعمق في القانون الإنساني الدولي، وهو في صلب استقلالية النساء وقدرتهن على القيام بخياراتهن بأنفسهن، مبدية أسفها لقرار "يشكل تراجعا كبيرا". من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه متضامن مع النساء اللواتي تم الطعن في حرياتهن اليوم من قبل المحكمة العليا الأميركية. بايدن يندد بقرار المحكمة بشأن حمل الأسلحة قضت المحكمة العليا الأميركية، الخميس، بأن للمواطنين الحق في حمل مسدس في الأماكن العامة، حسب قناة الحرة، وهو قرار تاريخي له تداعيات بعيدة المدى على الولايات والمدن في أنحاء البلاد التي تشهد تصاعدا للعنف المسلح. وحسب نفس المصدر، يلغي القرار قانونا في ولاية نيويورك سُن قبل أكثر من قرن ينص على إثبات وجود حاجة مشروعة أو "سبب مناسب" للحصول على تصريح لحمل مسدس في الأماكن العامة. وقد سنت ولايات أخرى من بينها كاليفورنيا قوانين مماثلة، وسيحد قرار المحكمة من قدرتها على تقييد حمل الأسلحة. وندد الرئيس الديموقراطي جو بايدن بالقرار قائلا إنه "يتعارض مع المنطق السليم والدستور، وينبغي أن يزعجنا جميعا بشدة". وأضاف بايدن "علينا أن نفعل المزيد كمجتمع – وليس أقل – لحماية إخواننا الأميركيين... أدعو الأميركيين في أنحاء البلاد إلى إسماع أصواتهم بشأن سلامة الأسلحة". رغم الدعوات المتزايدة لفرض قيود على الأسلحة النارية بعد عمليتي إطلاق نار جماعيتين مروعتين في مايو، أيدت المحكمة المعسكر الذي يؤكد أن دستور الولاياتالمتحدة يضمن الحق في امتلاك الأسلحة وحملها بدون قيود. هذا الحكم هو الأول الذي تصدره المحكمة في قضية رئيسية تخص التعديل الثاني من الدستور منذ أكثر من عقد، وكانت قد قضت عام 2008 بأن للأميركيين الحق في الاحتفاظ بمسدس في المنزل للدفاع عن النفس. وقال نائب الرئيس التنفيذي للجمعية الوطنية للبنادق وين لابير في بيان إن "قرار اليوم انتصار فاصل للرجال والنساء الطيبين في أنحاء أميركا، وهو نتيجة معركة استمرت عقودا قادتها الجمعية الوطنية للبنادق". وأضاف أن "الحق في الدفاع عن النفس والدفاع عن أسرتك وأحبائك يجب ألا يقف عند منزلك". من جهتها وصفت حاكمة نيويورك كاثي هوشول صدور القرار بأنه "يوم مظلم"، في حين وصف حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم القرار بأنه "مخز". كتب القاضي كلارنس توماس نص القرار الذي أيده القضاة المحافظون الخمسة الآخرون في المحكمة المكونة من تسعة أعضاء ثلاثة منهم رشحهم الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. وقال توماس إن قانون نيويورك يمنع "المواطنين الملتزمين بالقانون ذوي الاحتياجات العادية للدفاع عن النفس من ممارسة حقهم بموجب التعديل الثاني في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها في الأماكن العامة للدفاع عن النفس". وخلص القاضي "نستنتج أن نظام التراخيص في الولاية ينتهك الدستور".