تشكل المقارنة مع الآخرين آلية اجتماعية قديمة، لكنها اليوم تعزز حضورها في حياتنا بما تتيحه تكنولوجيا الاتصال الحديثة، من إمكانات هائلة لإجراء تلك المقارنات بشكل غير مسبوق. وعندما تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وتتطلع على الجوانب الاجتماعية الإيجابية التي اختار أصدقاؤك نشرها في حساباتهم وصفحاتهم، فتستقبل عشرات من الصور ومقاطع الفيديو عن اللحظات السعيدة التي يقضونها، وعن أسفارهم الممتعة، وأخبار عن إنجازاتهم الدراسية أو المهنية، والنجاحات التي حققوها، أو حققها أبناؤهم تقوم بشكل لا شعوري بمقارنة حياتك الواقعية في جوانبها السلبية مع من حولك، وينتابك شعور بأنك الوحيد الذي يعاني في هذا العالم فيما الجميع سعداء طوال الوقت. وبالطبع لا تقتصر آلية المقارنة الاجتماعية على ما تستعرضه مواقع التواصل الاجتماعي من صور الحياة السعيدة والناجحة، بل تمتد إلى التفكير والنظر في حياة من حولنا كما يعرضونها لنا، حيث يحرص الجميع على إعلان الوجه المشرق من حياتهم ولا نرى من حياتهم سوى الجانب الإيجابي، فنقع في فخ المقارنة، مقارنة ما ختار غيرنا إظهاره مع ما نعيشه نحن فعليا. لكن ما هي تأثيرات المقارنة الاجتماعية مع الغيرعلى مزاجنا وأفكارنا ومشاعرنا؟ وما تأثيرها على تقييمنا لأنفسنا؟ وما أسبابها؟ وهل جميع المقارنات الاجتماعية سلبية؟ وما أنواعها؟ نوعان من المقارنة حسب الجزيرة نت، ميز موقع" فيري ويل مايند " (Very Well Mind)، بين نوعين من المقارنة الاجتماعية: النوع الأول هو مقارنة أنفسنا بمن هم أفضل منا، والتفكير فيهم كمصدر إلهام ومحفز لتحسين أنفسنا. والنوع الآخر هو مقارنة أنفسنا بمن نشعر بأنهم أسوأ منا، في محاولة للشعور بتحسن أنفسنا ووضعنا. ويفيد هذا، حسب نفس المصدر، بأن المقارنات ليست سلبية طوال الوقت، ويمكن أن تكون محفزا، لكن يمكنها أيضا تدمير شعورنا بالسعادة والرضا عن أنفسنا وما نملك وما نحقق، ومن العوامل التي تؤثر على كون المقارنات مفيدة أو ضارة تقديرنا لذاتنا والصعاب التي نمر بها. لماذا نقارن؟ الإنسان مخلوق اجتماعي، والمقارنة مع حياة الآخرين سلوك شائع منذ بداية الخلق، وهو سبب وقوع أول جريمة قتل في تاريخ البشرية. ومع التعرض لمنصات التواصل الاجتماعي ورؤية من حولنا يملكون كل شيء نفتقر إليه، ومشاهدة المشاهير ومظاهر الحياة الباهظة والمرفهة، والإنجازات المهنية والمالية الكبيرة حول العالم، أصبحنا نشكك طوال الوقت في كل جوانب حياتنا. كما أننا نقارن غالبا أسوأ جوانب في حياتنا بأفضل جوانب حياة من حولنا، وهذا بالطبع مقارنة غير عادلة وتحرف حكمنا على أنفسنا. تأثير المقارنة تعد مقارنة نفسك بإنجازات الآخرين معركة خاسرة، فهناك عدد لا نهائي من الأشخاص الذين يمكنك مقارنة نفسك بهم، وسيكون هناك دائما شخص ما يفعل شيئا تتمنى أن تحققه أنت أيضا، ولكن لكل شخص حياته وقدراته الخاصة والمحدودة. ويؤدي الإفراط في المقارنة إلى التعاسة وعدم الرضا عن الحياة وتحطيم تقدير الذات، كما يشعرنا بالغيرة والغضب واليأس والإحباط من أنفسنا لأننا "لسنا جيدين بالشكل الكافي"، وهو ما قد يؤدي إلى الإصابة بالقلق المفرط أو الاكتئاب. وينتج عن المقارنات سلوك غير صحي، إذ يبحث البعض عن أخطاء الآخرين أو الجوانب السلبية من حياتهم، ليجعلوا أنفسهم يشعرون بتحسن، مما يجعل آلام الآخرين مصدر راحة لنا. وإليك بعض الأمور التي يمكنك القيام بها لمساعدة نفسك على التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين: 1- حدد ما يحفزك وتجنبه ضع قائمة بالمواقف والظروف التي تجعلك تقارن نفسك بالآخرين، وتؤثر على تقديرك لذاتك، مثل الوجود في مجموعة أصدقاء يهتمون بالأشياء المادية دائما، أو التجول في متجر باهظ الثمن، وغير ذلك من الأشياء التي تحفز دماغك على المقارنة. 2- قلل من وقتك على مواقع التواصل يمكنك إلغاء متابعة الحسابات التي تجعلك تقارن نفسك بالآخرين، أو إغلاق حساباتك فترة حتى تتمكن من إعادة التفكير في حياتك والنظر للنعم التي تملكها وتحسين صورتك عن نفسك وحياتك، من دون تأثيرات غير مفيدة وأخبار عن حياة الآخرين. 3- تذكر أن الصورة ليست مكتملة لا أحد يعرف حقا ما يحدث وراء الكواليس في حياة شخص آخر؛ فالجميع يواجهون معاناتهم الخاصة، وحتى مع عدّ ذلك بديهيا، فإننا نحتاج أحيانا أن نذكّر أنفسنا بذلك. 4- ألزم نفسك بالامتنان يصعب تسلل المشاعر السلبية لنا عندما نكون محصنين بالامتنان ونرى النعم التي لدينا بشكل واضح، ويمكنك جعل عدّ النعم في حياتك عادة يومية، حتى لا تُدفن تحت المقارنات ويصعب تذكرها. 5- اجعل المقارنة دافعا بدل تجنب الأشخاص الذين يثيرون المقارنة الذاتية طوال الوقت والشعور بالحسد تجاههم، يمكنك النظر إلى إنجازاتهم بوصفها دافعا ومحفزا لك لبذل المزيد من المجهود والإيمان بقدراتك. 6- ركز على نقاط قوتك لا بأس أن تكون متواضعا، ولكن يجب أن تفخر أيضا بما أنجزته؛ فالإفراط في التواضع ضار مثل الإفراط في الثقة بالنفس. 7- لست وحدك تذكر أن الجميع لديهم نقاط ضعف وجوانب لا يريدون أن يطلع عليها أحد، ومن الطبيعي أن تقارن نفسك بالآخرين، فكلنا نشكك في أنفسنا وتنتابنا المخاوف بين الحين والآخر. 8- وثق إنجازاتك خلال الأوقات التي نشعر فيها بالضعف والفشل وتسيطر علينا المشاعر السلبية، ولا نستطيع تذكر إنجازاتنا، سيساعدنا تدوين الإنجازات في تجاوز هذه الأوقات العصيبة. ويمكن جعلها عادة يومية، وكتابة إنجاز يومي سواء كان كبيرا مثل مناقشة رسالة الماجستير، أو صغيرا مثل مقاومة رغبتك في تناول طعام غير صحي خلال الليل. 9- قارن نفسك بنفسك فقط الشخص الوحيد الذي يمكنك مقارنة نفسك به هو أنت في الماضي. انظر إلى حالك قبل شهر من الآن أو عام، وفكر في التطور الذي حققته، والصعاب التي واجهتها وما تعلمته وكيف قومت نفسك، ويحق لك الفخر بنفسك عما حققته وتجاوزته. 10- اختر رفيقك يمكنك اختيار صديق لتحفيز بعضكما البعض لتحقيق أهداف مشتركة، والاحتفال معا، والمساعدة في الالتزام بالخطة. ويساعد مشاركة الأهداف في توفير دعم معنوي، والشعور بالمسؤولية للالتزام بالخطة، كما يجعل الاحتفال بالانتصارات الصغيرة أكثر متعة.