كشفت مصادر مطلعة لجريدة "العمق"، أن الملف الذي يتابع فيه 31 موظفا عموميا ومسؤولا تجاريا لشركات أدوية، لا يتعلق ب"الشبهات" و"الاختلالات" التي وردت في تقرير المهمة الاستطلاعية حول صفقات وزارة الصحة الخاصة بتدبير "كورونا". وأضاف المصادر ذاتها، أن خيوط هذا الملف تعود إلى إعفاء مدير مديرية التجهيز والصيانة بوزارة الصحة، فور تسلم أيت الطالب لمهامه كوزير للصحة، أواخر 2019، بناء على تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، وأيضا تقارير المفتشية العامة لوزارة الصحة، التي سجلت "اختلالات" بالجملة بهذه المديرية. وبحسب المصادر ذاتها، فبالإضافة إلى مدير مديرية التجهيزات والصيانة بالوزارة ومسؤولين آخرين بنفس المديرية، فإن المتورطين في هذا الملف يتوزعون بين 4 مسؤولين بالمديرية الجهوية للوزارة بجهة الشمال، بينهم المدير الجهوي، وصيدلانيين بالوزارة، ومسؤولين بمديريتي وجدة ومراكش، إضافة إلى تقنيين ومسؤولين بشركات أدوية. وبالعودة إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات سنة 2018، فقد سجل قضاة المجلس آنذاك "اختلالات" خلال اقتناء المعدات الطبية المنجزة من طرف مديرية التجهيز والصيانة، منها نقائص في تنفيذ مقتضيات دفاتر الشروط الخاصة، على مستوى عمليات تسليم العتاد والآليات التي تم توريدها، حيث تم ذلك في أماكن غير تلك المتعاقد بشأنها بموجب الصفقات وقبل استكمال أشغال البناء. وأشار التقرير إلى أنه "بالرجوع إلى محاضر استلام المعدات وتصريحات المسؤولين، لوحظ أنه يتم القيام بالاستلام المرحلي للمعدات، من دون الوفاء بالالتزامات الفرعية التي تقع على عاتق صاحب الصفقة كتركيب وتجريب وتشغيل العتاد". ولاحظ أن الوزارة لا تتوفر على آليات تسمح لها بالتأكد من قيام أصحاب الصفقات من تنفيذ الصيانة الاستباقية، حيث لم يتم تقديم أي إثبات يفيد بأن الموردين قاموا بالالتزام بالصيانة المطلوبة، وذلك يخالف مقتضيات دفتر الشروط الخاصة كما تنص على ذلك المادة 13 منه. وسجل التقرير، غياب مسطرة خاصة بأرشيف الملفات بمصالح التجهيز والصيانة، حيث لوحظ أن التخزين يتم دون ترتيب محكم ودون تنسيق بين هذه المصالح، مما يؤدي إلى غياب قاعدة معطيات تشمل مجموع هذه الملفات والوثائق الخاصة بها، وهو ما يتعذر معه الاستغلال الأمثل لهذه المعلومات. كما لوحظ من خلال المعاينة الميدانية غياب مسطرة للأرشفة ومكان مخصص لهذا الغرض، حيث توضع الملفات دون توفر الشروط الملائمة للأرشيف. مما يصعب معه الاطلاع على بعض الملفات نظرا لعدم توفرها على جل المحتويات وكذلك لصعوبة البحث على بعض الملفات. فيما يخص تدبير بعض المشاريع والصفقات أسفرت المراقبة التي قام بها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، تأخر مخرجات صفقات الدراسات وضعف جودتها، كما لاحظوا أن الوزارة لا تتوفر على ما يصطلح عليه ببنك المعلومات حول الموردين والأثمنة والسلع، الأمر الذي كان من شأنه أن يساعد على اختيار أحسن الموردين سواء على مستوى الأثمان أو جودة. وبالنسبة للأدوية، سجل تقرير المجلس، الترخيص الاستثنائي باستلام أدوية رغم قصر مدة صلاحيتها، حيث تم الوقوف على ترخيصات استثنائية، تنافي الشروط المعمول بها، تجسدت في رسائل موقعة من طرف رئيس القسم المسؤول عن التموين يدعو فيها هذه المصلحة إلى استلام الأدوية رغم أن مدد صلاحيتها تقل عن المدد المحددة في دفاتر الشروط الخاصة باقتناء الأدوية، وتشير هذه الرسائل إضافة إلى ذلك إلى أن صاحب الصفقة يتعهد باستبدال هذه الأدوية في حال انتهت صلاحيتها. ولاحظ المجلس، أن الأدوية التي انتهت مدة صلاحيتها والتي تم استلامها في إطار الترخيص سالف الذكر، لم يتم استبدالها من طرف أصحاب الصفقات كما تعهد بذلك رئيس القسم المعني في رسائل الترخيص، بل تمت إحالتها على مخزون الأدوية المنتهية الصلاحية في انتظار إتلافها. وكان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أنه بناء على المعطيات والمعلومات التي تم التوصل بها من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بخصوص وجود شبهة التلاعب في مجموعة من الصفقات العمومية الخاصة بالمؤسسات التابعة لقطاع الصحة إضرارا بالمال العام، أمرت هذه النيابة العامة بفتح بحث قضائي قصد القيام بكافة الأبحاث والتحريات اللازمة والاستماع إلى كل الاطراف المعنية بالموضوع. وبحسب بلاغ للوكيل العام، أن نتائج هذه الأبحاث والتحريات أسفرت عن الاشتباه في تورط مجموعة من الأطر والموظفين والمهندسين العاملين بالمصالح المركزية والجهوية لقطاع الصحة وبعض أصحاب الشركات والمقاولات والمستخدمين فيها تمارس أنشطة تجارية ذات صلة بنفس القطاع، في ارتكاب أفعال منافية للقانون تمثلت في تذليل وتسهيل تمرير ونيل صفقات عمومية خلال السنوات الفارطة تهم عمليات توريد واقتناء أجهزة ومعدات طبية مخصصة لتجهيز مستشفيات القطاع العام، مقابل الحصول على عمولات وتلقي مبالغ مالية ومنافع عينية. وأضاف البلاغ، أنه هذه النيابة العامة أمرت بصفة احترازية بعقل وحجز ممتلكات بعض المتورطين المشتبه في تحصلها من الأفعال المنسوبة إليهم، كما مكنت الأبحاث والتحريات من حجز مبالغ مالية مهمة لدى بعض المشتبه فيهم، مشيرا إلى أنه بتاريخ 29 مارس 2022 قدمت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بموجب هذه الأبحاث أمام هذه النيابة العامة 31 شخصا مشتبها فيهم، من بينهم 18 موظفا عموميا بقطاع الصحة و13 شخصا منهم أرباب شركات ومستخدمون. وزاد المصدر ذاته، أنه على إثر دراسة هذه النيابة العامة لوقائع الأبحاث المنجزة في الموضوع، عملت على تقديم ملتمس بإجراء تحقيق إلى السيد قاضي التحقيق المكلف بقسم الجرائم المالية، من اجل الاشتباه في ارتكاب المعنيين بالأمر لجرائم مختلفة تراوحت بين تكوين عصابة إجرامية، والارشاء، والارتشاء، وتبديد المال العام، وتزوير محررات رسمية، وتزوير وثائق تصدرها الإدارة العامة واستعمالها، وإتلاف وثيقة عامة من شأنها أن تسهل البحث عن الجنايات والجنح وكشف أدلتها وعقاب مرتكبيها، والتحريض على ارتكاب جنح، وإفشاء أسرار مهنية. وعلى إثر ذلك أمر قاضي التحقيق بعد استنطاق المعنيين بالأمر، يضيف البلاغ، بإيداع 19 منهم رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن، فيما قرر إخضاع الباقي لبعض تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية تراوحت بين إغلاق الحدود وإيداع كفالات مالية بصندوق المحكمة ضمانا لحضور إجراءات التحقيق. ولا تزال الأبحاث جارية من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في حق باقي المشتبه فيهم، وأكد الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، ناجيم بنسامي، أن النيابة العامة ستعمل على مواكبة إجراءات التحقيق، وتقديم الملتمسات المناسبة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المال العام ومحاربة كل أشكال الفساد المالي.