يصادف 13 مارس اليوم الوطني للمجتمع المدني بالمغرب؛ ويشكل فرصة للوقوف عند أدوار الفاعل المدني في بلادنا والاكراهات التي تعترضه؛ وفرصة لاستعادة الآمال التي حملها خاصة منذ إقرار دستور2011 وما تلاه من حوار وطني وإنتاج تشريعي، استعادة غايتها المساءلة والاستئناف نحو المستقبل. وجدير بالذكر أن الممارسة المدنية المغربية تتأسس على خبرة تاريخية أصيلة وزاخرة وراسخة منذ قرون، حيث أبدع الأجداد صيغا مختلفة من العمل الأهلي والتعاوني مازال بعضها فعالا إلى حدود اليوم؛ تلك الخبرة التي تأسست على القيم الإسلامية المحفزة للتعاون والتضامن والمبادرة للخير. كما تعززت هذه الخبرة مع جهود المغاربة في مقاومة الاستعمار من خلال الحركة الوطنية والمقاومة المدنية والمسلحة؛ وأيضا عقب استعادة الاستقلال. حيث ينبغي التذكير بمساهمة منظمات المجتمع المدني ونضالها -إلى جانب باقي الفعاليات السياسية والنقابية- في البناء الديمقراطي والدفاع عن الحقوق والحريات، والنهوض بالعمل الاجتماعي والثقافي والتنموي؛ وإسهامها في الحراك الاجتماعي والسياسي طيلة عقود، ودورها في بلورة دستور 2011. هذه الوثيقة الدستورية التي كرست مفهوم الديمقراطية التشاركية وخصصت للمجتمع المدني مقتضيات نوعية، اعترافا بأدواره، وحماية لحريته واستقلاليته، ومأسسة لمبادراته وجهوده. ويحق لنا اليوم -بعد مرور عقد من الزمن من إقرار هذه المقتضيات- تقييم هذا المنجز وتبيان مناطق العجز. وقبل ذلك لابد من تسجيل غياب الحكومة عن هذا الموعد خاصة وأن برنامج الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني التزمت أثناء تقديم قانون المالية لسنة 2022 _ التزمت_ بالاحتفاء بهذه المناسبة!!. لينضاف هذا الغياب للتجاهل الذي طال المجتمع المدني في التصريح الحكومي؛ وهو امر مؤسف أن تدشن الحكومة ولايتها بتجاهل مريب للفاعل الجمعوي . في مقابل ذلك لابد من التنويه بحجم المبادرات المدنية المغربية سواء في مجال دعم القضايا الحيوية للمغرب، وفي طليعتها قضية الصحراء المغربية؛ في إطار الدبلوماسية المدنية أو عبر النشاط الجمعوي بالمنطقة وما يمثله من انخراط شعبي في دعم قيم الوحدة والتماسك الوطني ورفض مخططات الانفصال والتجزئة. كما برزت مبادرات مدنية نوعية في المجال الاجتماعي والتضامني والتنموي استجابة للاحتياجات الشعبية التي تضاعفت مع جائحة كوفيد19. كما تجب الإشارة إلى الدور الترافعي والحقوقي لفعاليات مختلفة من المجتمع المدني إسهاما في النضال الديمقراطي ومناهضة للتجاوز في استعمال السلطة، أو حماية المستهلك والبيئة، والدفاع عن للفئات الهشة؛ طلبا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. إن الاحتفاء بهذا المنجز اليوم لا يكتمل دون تسليط للضوء على بعض جوانب القصور والعجز، يسائل الفاعل الرسمي والمدني؛ ومن أهمها: ■ أزيد من عشر سنوات مرت من إقرار الدستور الذي أحدث مؤسسات مهمة للديمقراطية التشاركية( المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة؛ المجلس الوطني للثقافة واللغات) للأسف ما تزال حبرا على ورق، رغم صدور النصوص التشريعية المنظمة لها. ■ ما زالت السلطة المحلية تتعامل أحيانا بمنطق ما قبل دستور2011 في مقاربتها للعمل الجمعوي، فترفض أحيانا تسلم الملفات القانونية؛ وترفض منح الوصل القانوني المؤقت أو النهائي أحيانا أخرى؛ وتتدخل لمنع بعض الأنشطة الجمعوية ؛ وغيرها من مظاهر التضييق، التي تسائل تعاطي الدولة مع الحريات العامة. وتسيء لصورة المغرب لدى المواطنين والمواطنات، ولدى المنظمات الدولية والمنتظم العالمي. ■ تتعامل بعض القطاعات الحكومية وأغلب الجماعات الترابية بمنطق انتقائي في الانفتاح على الهيئات الجمعوية، وفي منح الدعم المالي العمومي والولوج للإعلام العمومي، بحيث يطغى المنطق الانتخابي على معايير المساواة والانصاف بين الجمعيات. كما أن تفعيل الهيئات الاستشارية بالجماعات الترابية ما زال محدود جدا ولا أثر لها في السياسات الترابية – تقريبا-، وهو ما يعبر عن تخلف الهيئات المنتخبة عن مواكبة المقتضيات الدستورية والتشريعية. فضلا عن التأخر في إصدار قانون التشاور العمومي. ■ من جهة مقابلة ما تزال حصيلة المبادرة التشريعية للمجتمع المدني حصيلة متواضعة، وخاصة ما يتعلق بالمقتضيات المتعلقة بالعرائض والملتمسات في مجال التشريع -و هي مقتضيات هامة جدا بالنسبة للمجتمع من أجل المشاركة في صناعة القرار العمومي-، ولكن الحصيلة اليوم هزيلة بكل أسف، حيث تم تقديم ملتمسين فقط من طرف الجمعيات ( بعدد توقيعات محدود جدا) ، وتقديم11 عريضة فقط ، تم رفض سبعة منها لأنها لم تحترم الشروط الشكلية المطلوبة، وهو ما يطرح إشكالات عديدة سواء على مستوى التعقيدات الموجودة في القانونين المتعلقين بالعرائض و الملتمسات، ويسائل أيضا قدرات الجمعيات والحاجة لتأهيلها وتمكينها من المعرفة القانونية و المسطرية المطلوبة. إن تطور الممارسة المدنية وتفعيل الديمقراطية التشاركية يبقى مؤشرا لمدى التقدم أو التراجع الديمقراطي وعلامة من علامات الرقي والتطور، وتهميش وإضعاف مؤسسات الوساطة في المجتمع يشكل خطرا ليس فقط على البناء الديمقراطي، بل على الاستقرار السياسي والاجتماعي ويجعل الشارع دون تأطير وعرضة للمجهول. كما أن دعم الريع الجمعوي والسكوت عن بعض مظاهر الفساد الجمعوي وجعل الجمعيات ملحقات حزبية وخزان انتخابي من شأنه الإضرار البليغ بالمجتمع والدولة، وإجهاض القوة الإصلاحية والتنموية للمجتمع. إن احتفاء بلادنا باليوم الوطني للمجتمع المدني، فرصة لتوجيه التحية للآلاف من المغاربة المنخرطات والمنخرطين في مؤسسات المجتمع المدني والتأكيد على أهمية هذا الرأسمال الإجتماعي، والانتباه إلى مظاهر النقص والخصاص، واستئناف الأدوار الإصلاحية والتنموية والديمقراطية للمجتمع المدني. وتظل مصلحة البلاد في مجتمع مدني حي وحر ومستقل ومتضامن، ضميرا للدولة والمجتمع، معبرا عن آمال وآلام الفئات الشعبية، ومبادرا بتقديم الحلول والمشاريع الخادمة للنهوض، ومنبها ومنتقدا نقدا بناء لجهود السلطة والحكومة والدولة. فالمجتمع القوي هو الذي ينتج مؤسسات قوية ودولة قوية خادمة للمجتمع. هكذا علمتنا خبرة التاريخ والتجارب الناجحة المقارنة.