سجل تقرير للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020، "عشوائية" في بناء المستشفيات بالمغرب، وذلك بناء على مراقبة قام بها لتسيير مشاريع بناء وتجهيز المؤسسات الاستشفائية خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2020، وهي المهمة التي ركزت على التخطيط الاستراتيجي، وتحديد أولويات الاستثمارات، والبرمجة الطبية والتقنية والوظيفية، وتنفيذ وإدارة المشاريع، فضلا عن تشغيلها واستغلالها. وجاء في التقرير الذي رفعته زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، إلى أنظار الملك محمد السادس، أن فحص عملية التخطيط وتحديد الأولويات، ركز بشكل أساسي على الإطار العام والاستراتيجي، والأدوات التي وضعتها وزارة الصحة لتخطيط وتحديد أولويات مشاريع المستشفيات، بالإضافة إلى الإجراءات المتخذة لتخطيط هذه المشاريع. وكشف التقرير، أنه خلال العقد الماضي، كان أحد توجهات استراتيجيات وزارة الصحة هو زيادة سعة الأسرة لشبكة المستشفيات لتعويض كثافة الأسرة غير الكافية (0.7 سرير لكل ألف نسمة) وتقليل صعوبات الوصول إلى المستشفيات، مشيرا إلى أن الاستثمار في القطاع الاستشفائي قد أتاح إنشاء 35 مستشفى جديدا وتوسيع 8 منشآت مما أدى إلى زيادة سعة الأسرة لشبكة المستشفيات بمقدار 3168سريرا إضافيا. ومع ذلك، فإن هذه الزيادة لم تترجم إلى تطور في قدرة الأسرة الوظيفية التي زادت بالكاد بمقدار 854سريرا أي من 21832 سريرا عام 2010 إلى 22686 سريرا عام . قصور في إنتاج المعايير وبحسب التقرير الذي تتوفر "العمق" على نسخة منه، فإن البرمجة الطبية تقتضي تحديد أهداف المستشفى المستقبلي وتحديد قدرته الاستيعابية من حيث عدد الأسرة وكذا حجم منصته الطبية والتقنية. وبهدف الحصول على أدوات للبرمجة الطبية لمشاريع المستشفيات، وضعت وزارة الصحة أداة تسمى "مصفوفة البيانات للبرنامج الطبي" والتي تسمح بعرض الحجم المتوقع لنشاط المستشفى المستقبلي وتحديد سعته وحجم منصته التقنية. غير أن هذه المنهجية، يوضح المجلس الأعلى للحسابات، تختصر البرنامج الطبي في تحديد قدرته الاستيعابية وهيكلة التخصصات المرجوة، حيث أنه لا تحدد الأهداف العامة للمستشفى من خلال تحديد موقعه الطبي (أي التكامل مع المستشفيات العامة الأخرى) في النسق المحلي والجهوي للمستشفيات. وسجل التقرير الرسمي قصورا في إنتاج معايير بناء المستشفيات بالمملكة، مضيفا أنه بالرغم من أنه تم تحسين إجراءات البرمجة التقنية والوظيفية لمشاريع المستشفيات مقارنة بالمشاريع القديمة حيث توفر البرامج الحالية تفاصيل إضافية حول المتطلبات التنظيمية والتقنية والوظيفية والبيئية للمستشفى الذي سيتم إنشاؤه، إلا أنه ومع ذلك، لم تتم الاستفادة من هذه العناصر لاعتماد الأطر المرجعية التي تحدد، لكل مستوى مرجعي للمستشفيات، المتطلبات من حيث التنظيم المكاني والتسيير والمعدات للمنصات التقنية. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ المجلس الأعلى للحسابات، خلال عمليات المراقبة التي قام بها، غياب مراجع تقنية تسمح بتحديد المواصفات التقنية لمباني القطاعات المختلفة للمستشفى والتي من شأنها أن تؤطر الحلول التقنية المقترحة من قبل إدارة المشروع، والتحقق من مطابقتها للمتطلبات الفنية المطلوبة. مستشفيات قرب مصادر للتلوث وسجل مجلس العدوي، كذلك، غياب معايير تحدد شروط اختيار الأراضي المخصصة لإيواء مشاريع بناء المستشفيات، حيث أدى ذلك إلى إنشاء مستشفيات في مواقع غير مناسبة، إما بالقرب من مصادر للتلوث، أو على تضاريس وعرة أو أراض غير متصلة بشبكة الطرق المتوفرة. وأردف التقرير، أن البرامج التقنية والوظيفية لمشاريع المستشفيات، والتي تم التحقق منها والموافقة عليها من قبل لجان متعددة التخصصات، تشكل الوثائق المعتمدة طيلة مراحل المشروع مند تصميمه حتى اكتماله. وتعد الانحرافات المتكررة خلال مرحلة البناء عن البرمجة التقنية والوظيفية المصادق عليها أحد الأسباب الرئيسية للتكاليف الإضافية لبعض المشاريع. وشدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ملائمة المعدات والمباني، مشيرا إلى أن تناسق المبنى والمعدات يعد أمرا أساسيا حيث يتعين تصميم المبنى والتركيبات التقنية المرافقة لها بحيث يمكنها استقبال المعدات، مع مراعاة القيود التي يفرض تركيبها، مسجلا أن حص البرامج التقنية والوظيفية لبعض المشروعات أظهر أن هذه الوثائق لا تقدم سوى مؤشرات موجزة عن هذا الجانب. انطلاق الأشغال قبل نهاية الدراسات بالإضافة إلى ذلك، سجل التقرير، أن برامج التجهيز تحدد المتطلبات التقنية وقيود التركيب اعتمادا على نوع المعدات، لتوفير التعديلات التي يتعين إجراؤها على المباني التي ستستقبلها. ويؤدي هذا في بعض الأحيان إلى إنجاز أشغال مكلفة على المباني والتركيبات التقنية من أجل ملاءمتها مع المعدات والأجهزة الطبية. وأوضح مجلس العدوي، أن إنجاز جل الدراسات التقنية قبل بدء الأشغال، يمكن من التحكم في التكاليف وإنجاز المشاريع في موعدها. إلا أنه لوحظ بالنسبة لبعض المشاريع، أن بدأ الأشغال يتم حتى قبل الانتهاء من الدراسات التقنية الخاصة بها. مستشفيات غير مشغلة وسجل التقرير أن الوصول إلى مختلف الأهداف المرتبطة بتطوير البنيات التحتية بشكل خاص والعرض الصحي بشكل عام لا يقتصر فقط على بناء وإعادة هيكلة الوحدات الصحية، بل يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى توفير الأطر الطبية لتشغيلها وكذا المحافظة عليها. وفي هذا الإطار، لاحظ المجلس الأعلى للحسابات، أن عددا من المؤسسات الاستشفائية غير مشغلة، رغم الانتهاء من أشغال بنائها أو إعادة هيكلتها، لافتا إلى أن زيارة عدد من المؤسسات الاستشفائية المنجزة حديثا، مكنت من الوقوف على تباين بين الاختصاصات المقدمة بها وتلك الواجب تقديمها بناء على النصوص التنظيمية والبرامج الطبية المتعلقة بها، مشيرا إلى أن الخصاص في الموارد البشرية بهذه المؤسسات يؤثر سلبا على استغلالها. توصيات ومن أجل تجويد عمليات برمجة وتصميم وتنفيذ واستغلال مشاريع بنايات أو تأهيل وتجهيز المؤسسات الاستشفائية، أوصى المجلس الأعلى للحسابات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بإتمام إعداد الخريطة الصحية المنصوص عليها في القانون الإطار رقم 09-34والسهر على المصادقة عليها واعتمادها، وكذا تحسين آليات ومناهج البرمجة الطبية والتقنية، وتطوير نظام حكامة المشاريع المنجزة وفق نظام التدبير المفوض باحترام وتوضيح وتبسيط المقتضيات والاتفاقيات المتعلقة بها.