رواية "أبواب الفجر" للكاتب والروائي المغربي مصطفى الورياغلي، الصادرة عن المركز الثقافي العربي في طبعتها الأولى سنة 2016 بمدينة الدارالبيضاء، رواية مغربية أصيلة تحمل في طياتها تاريخا كبيرا لأهالي الريف المغربي، ويتداخل فيها كل ما هو تاريخي اجتماعي ووجداني إنساني، وهو تاريخ طويل للقبائل الأمازيغية المعمرة في الريف، ( قبيلة بني ورياغل وبني بوفرح وبقيوة…)، التي تحكمها النزعات والنعرات العصبية وحمية دفاعهم عن الشرف والكبرياء الذي تحتمي به الجماعة للدفاع عن أفرادها ضد جور وظلم القبائل الأخرى. كما تستعيد الرواية صفحات من ذاكرة الصراع بين اسبانيا والمغرب على الحدود المغربية، وبعض الأحداث والوقائع التي كانت خلفية لظهور المقاومة المغربية في الريف بزعامة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتنقل لنا الرواية بعض أطوار هذا الصراع من وجهات نظر مختلفة، الأولى تتعلق بموقف اسبانيا من شجاعة المغاربة ( الموروس) في الدفاع عن أراضيهم المحتلة، والحقد الدفين الذي يبرر التدخل العسكري للجنود الاسبان على الحدود بين مليلية المحتلة وأراضي منطقة أجدير المغربية. وموقف المقاومة المغربية من التدخل الاسباني الاستعماري على المغرب. تدور أحداث الرواية في زمن حكم "المولى عبد العزيز"[1] خلال بداية القرن التاسع عشر، حيث عرف المغرب اضطرابات وثورات سياسية واقتصادية، لم يكن الريف المغربي في معزل عنها، حيث كانت القبائل المغربية تعيش على وقع الصراعات الداخلية والأحقاد والثارات المؤجلة، وغدر القياد والباشوات. وتسرد الرواية وقائع وأحداث حرب المقاومين الشجعان ضد المستعمر الاسباني المحتل، شارك فيها أفراد القبائل المغربية، وهي شخوص تحمل تاريخا أليما، مثقل بالنكبات والهزائم والخيبات والمصائر المشتركة، والقلوب النازفة ألما ودما. وماض يحمل تاريخا دمويا نتيجة حروب وصراعات لا نهاية لها. تبدأ الرواية بحكاية عائلة سي الطاهر الذي اتخذ قرار الهجرة، للهروب من حمل ثأر قديم، وينتهي به المقام في منطقة الريف ليستقر في أرض تابعة لقبيلة "بني بوفرح" على الحدود بين قبيلة "بقيوة" وقبيلة "بني ورياغل". ويتخذها مسكنا له هو وعائلته. و يسترجع الكاتب في الفصل الثالث والرابع من الرواية، يوميات صحافي اسباني، انتدبته القيادة العليا في مهمة خاصة لتغطية أحداث الريف، منذ بدايته، إذ تمثل في المناورة الثانية التي قامت به القيادة بزعامة الجنرال أورتيغا ردا على استفزازات المقاومين المغاربة الشجعان، وتمهيدا لبناء حصن يفصل بين مليلية المحتلة ومنطقة الريف في الأراضي التابعة لمنطقة أجدير المغربية. وقد انتهت المعركة بهزيمة الجنود الاسبان وتكبدهم خاسر فادحة، رافقتها مناورات ودسائس ومفاوضات ماكرة مع ممثل السلطان القائد بوشتى البغدادي، الذي تآمر مع الأجانب لإبادة رجال المقاومة وقتلهم وإجبارهم على الطاعة والولاء للمخزن. ثم يتوغل بنا في سرد ماتع وشيق لسبر أغوار شخصيات أبناء منطقة الريف، فيتناول شخصية سلام ولد الطاهر، ذلك الريفي الحر الذي لم ينس ما فعلته اسبانيا بأهله، وهو نموذج للفرد الشجاع والجسور، ابن منطقة الريف الصامدة في وجه المحتل الغاصب. وفي هذا الفصل أيضا يحكي استقطاب سلام لإحدى السفن الحربية واحتضانه لأسيرها الصحفي الاسباني في مغامرة أخرى اختار لها الكاتب نهايات مفتوحة وغير متوقعة في الفصول المتبقية من الرواية. ويحكي السارد ببراعة في الفصل الثامن قصة حب جميلة نشأت بين بنت الشريف الطاهر مع ابن عمها الكامل، الذي طرق كل الأبواب للزواج منها، لكن محاولاته باءت بالفشل، حيث رفض عمه الشريف الطاهر تزويج ابنته له بحجة أنه لا يقبل الإهانة من ابن أخيه الذي يحفظ سره وهو ميت، وهو يقصد هنا أخاه "قاسم" الذي كان ضحية للثأر الأول بين قبيلته وأعدائها الجسورين. يسرد الكاتب بأسلوب شيق فيه الكثير من التصوير البلاغي الجميل لنفسيات شخوصه، وهي تعيش عوالمها في أناة وصبر ويقين. وفي العدوة الكبيرة ملك الشريف الطاهر، وفي الوقت الذي كان فيه أبناء الطاهر يجسدون علاقة حبهم الطاهرة، كان الأسير النصراني يتقن دوره داخل الأحداث، ويعيش بينهم في بحبوحة عيش، مكنه منها سيدي الطاهر، وجعل له حراسا يحرسونه، فهو في حمايته. وكان من بطولاته أنه قام بمداواة ابنة الطاهر "شمس الضحى" وإنقاذها من وعكة صحية خطيرة ألمت بها. وفي الصفحات الأخيرة من الرواية، تستمر هذه القصة الجميلة بين شمس الضحى وحبيبها الكامل، يرويها لنا الجد بتفاصيل جديدة، حيث تلقت شمس الضحى وفاة زوجها وحبيبها الأول الكامل بذكريات مفعمة بالحب والاخلاص، بعد سماعها خبر استشهادهما الذي نزل عليها كالصاعقة. وفي الفصل العاشر والحادي عشر يسرد علينا الكاتب شهادة المجاهد الحسن ولد الطاهر الذي عايش أحداث حرب الريف، وكيفية انخراطه فيها مجاهدا ومدافعا عن أرضه مع المجاهد الكبير الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، حيث انضم إلى صفوفه ونصبه الأمير مسؤولا في الجهاز الإعلامي ( التلفون والتلغراف)، وليكون دليل المجاهدين في معاركهم الكبيرة ضد العدوان الذي شنه الجيش الاسباني على أهالي منطقة الريف. ليروي لنا بطولات وأمجاد خالدة للمجاهدين وللأمير، ومواقفه الشجاعة والعظيمة التي سجلها التاريخ بمداد من ذهب. كتبت الرواية بأسلوب سلس، يجمع بين رشاقة العبارة ووضوح التعبير وسلاسته، بلغة عربية آسرة وأخاذة، لكاتب وروائي متمكن من سرده، وهو يستعيد أحداثا من ذاكرة التاريخ المغربي المنسي للريف المغربي الكبير. [1] هو أحد سلاطين المغرب الذين تقلدوا الحكم، وقد تميز عهده بالاضطرابات والثورات والصراعات بين القبائل، وقد ناب عنه الوزير باحماد الذي أدخل المغرب في أزمة سياسية واقتصادية مهدت لنظام الحماية الذي فرضته فرنساواسبانيا على المغرب منذ سنة 1912م.