كانت شامة الملقبة تاكفات (بمعنى المحبوبة بضواحي الأطلس) امرأة محبوبة من قبل الجميع،وكانت تهوى صناعة الزرابي التقليدية المزركشة بالألوان المستوحات من الطبيعة والأرض المعطاء،يعشقها الكبير والصغير،تتفنن في نقش أيادي بنات ونسوة القبيلة بالحناء وكأنها فنانة تشكيلية،تعشق ركوب الخيل والتبوريدة،صفاتها الأنثوية تثير إعجاب كل رجل رآها،لكنها كانت ممتلئة بالنشاط والحيوية ، حازمة في أحكامها وصارمة في مواقفها. تقدم لخطبتها معظم رجال القبيلة،لكنها كانت ترفض وتضع شروطا لمن يود الزواج بها،ومن شروطها أن يكون الرجل لايخاف لومة لائم،فارسا ويجيد ركوب الخيل ومحبا للناس أكثر مما يحب نفسه وأن يبقى تحت المطر والبرد القارص لمدة أسبوع دون أن يبرح مكانه.وكانت تعلم أن شروطها شروطا تعجيزية حتى يصرف عنها الرجال موضوع الزواج بها. في إحدى ليالي الخريف حيث كانت السماء ممطرة والثلوج تتساقط ،والظلام الدامس يغطي المكان ،سمع أهل القبيلة صهيل فرس يركض بخطى متسارعة وهو يمر بين جنبات المنازل المبنية بشكل هندسي تقليدي على سفح الجبل، فبدأ أهل القبيلة في استراق النظر من خلال نوافذهم الضيقة بغية معرفة هذا الفارس الذي يمر عبر القبيلة في هذه العتمة. لكن الظلام حال دون تمكنهم من رؤية الهدف. في الصباح بدأت الساكنة في الحديث عن الفرس وفارسه الغريب الذي مر بالقبيلة دون التوقف أو الاستفسار أو طلب المساعدة،وهم يتساءلون عن منطلقه ووجهته،لكن أسئلتهم كانت كزبد البحر لاجدوى من إيجاد الأجوبة الملائمة لها. أما شامة بصرف النظر عن القبيلة وتساؤلاتهم فقد دخلت عالما آخر من الخيال والحلم ،إذ قضت ليلتها في نسج حكاية الفارس المار من قبيلتهم وقد رسمت له في مخيلتها الصغيرة صورة أميرية وملائكية واعتبرته فارس أحلامها الذي تتوفر فيه شروطها التعجيزية.فعاشت مع حلمها وهي تنتظر عودة الغريب إلى قبيلتها ليأخذها على حصانه ويرحل بها إلى أرض بعيدة حيث ينبت الحلم ويستقر الأمل. مرت أيام قليلة حتى بدأ الجميع ينسى ،فإذا بنفس الفرس المصهال والفارس المغوار يمر كعادته السابقة دون توقف وكأنه يود أن يترك للجميع رسالة مبهمة،فخرجت شامة من مخدعها مهرولة نحو الزقاق لتوقف فارسها. لكن الفارس مر دون توقف وقد لاح لها بعلبة خشبية. أخذتها وعادت إلى مخدعها وهي مندهشة عن سر العلبة وعن محتواها،ولما فتحتها وجدت بها رسالة يقول لها فيها: لقد بلغني الخبر أنك ترغبين الزواج من رجل نصفه صخر ونصفه مطر لايهاب الليل و لا يؤمن بالخطر يرافق الخيل في السحر ويحب نقش الحناء ولحن الناي والوتر يذيب الحديد وينقش تانيت من أغصان الشجر (تانيت إلهة الحب والخصوبة عند قدماء الأمازيغ) يعشق زين ووشم النساء ويركب البحر فهل من جواب يا نجمة القدر قرأتها شامة ما يقارب المائة مرة دون أن تكل أو تمل،وقد داهمها الأرق وصاحبها السهر ،متسائلة عن هذا الفارس الملثم الذي لم يفصح في رسالته عن هويته. بدأت بكلامه تتعلق وبشخصيته الغريبة تحلم في انتظار موعد آخر دون أن تخبر أحدا عن مضمون الرسالة. مرت شهور دون أن يمر الفارس ،حتى بدأت شامة تيأس وقد تملكها الحب لكثرة تكرار قراءة مضمون الرسالة. وفي يوم من أيام الصيف حيث كانت رفقة صديقاتها قرب الوادي يقمن بغسيل الملابس ،فإذا برجل مار وهو يقود حمارا ويلبس جلبابا رثا وهو يردد لحنا غريب: يابنات الحي إني أبحث عن امرأة تجيد الحكي وتداوي الجرح بدون كي في ليلة ضاعت مني رسالة أخذتها وتركتني بدون إجابة قلت لها فيها أعز الكلام ولم تسمع مني تحية السلام تركتها ورحلت ورسمتها في روحي بريشة الأحلام فمن منكن تعرف امرأة تجيد الحكي وتداوي الجرح من دون كي فأجابته شامة قائلة: إن كان في الدنيا رجل نصفه ماء ونصفه صخر فقد تبخر ماؤه وسقط مثل المطر وتفتت صخره حتى صار كرماد الجمر منذ أن أضاع الرسالة صار في صدر من وجدتها كالقلادة في الليل يحيى وفي الصبح يصير كالخرافة فأجابها قائلا: كذلك كان وكذلك صار فهل تدليني عن امرأة تركب الخيول وتقرع الطبول في عينيها حور وخدها دوما خجول ترسم التصاوير بالحناء ولا تعشق الاختباء فردت شامة قائلة: ياصاحب الحمار في حديثك لغز واحتيار فهل جئتنا سائلا أم أنك من هواة الاختبار فلست من أهل القبيلة وتحاكينا بافتخار ولسانك فصيح بالأشعار فأجابها: لو كان لي فرس أمتطيه في جنح الليل أسابق الريح وأرتشف زخات المطر وأصنع بردي من البرد وسحر السحر وفي العلب الخشبية ألملم مشاعري وأناجي الجبال والقمر لوجدت امرأتي ذات الوشم قبل طلوع الفجر كي تمنحني جوابا وتمنحني انعتاقي كي أخرج من دائرة الضجر سأعود إليها وفي كفي غصن زيتون وحزمة نعناع ومنديلا أخضر سأعود إليها قبل أن يزف الصبح عتمة الفجر إبتسمت شامة وقد بلغها الخبر وفرحت لعودة فارسها الذي لطالما انتظرته في أحلامها وانتظرته قبل مطلع الفجر. عاد الفارس بحصانه وتوقف عند سفح الجبل،خرجت شامة خلسة من البيت متقفية صوت حوافر الفرس حتى بلغت المكان ،فإذا بالفارس واقفا في انتظارها وهو حاملا بين جوانحه حبا نقيا ووفاء ومهجة واحتراقا وعشقا ووئام. إلتقيا وانسجما وراحا يرسمان على صفحات السماء بيتا وحديقة صغيرة وبئرا واتفقا على الزواج. تزوجا وأقاما حفلا بهيجا ،وأنجبا بنات وأولاد واستمرت الحياة حتى الحياة.