لا يسعني اليوم وأنا أحمل قلمي إلا أن أقدم رسالة شكر وتهنئة، رافعا قبعتي لشركات الإتصالات المغربية، التي شرفتنا كمغاربة، ورفعت شأن بلدنا بخطوة سابقة نادرة في العالم ككل، بدعمها اللامتناهي للمشاريع الشبابية والمبادرات الخيرية والأعمال التطوعية والإتصالات العائلية والدروس الطلابية والمقاولات الصغيرة المغربية، أما بعد: هنيئا لكم، على حرمان جمعياتنا من التواصل فيما بينها بخدمة نؤدي عنها، تلك الجمعية التي كانت تضم خيرة شباب هذا الوطن، والتي كانت تعقد اجتماعاتها على skype لتحدد القرية التي تزور، أو المدرسة التي ستساعد أو الأسرة التي ستقف بجابنها، أو اليتيم الذي ستكفله أو الملابس التي ستجمع أو الدخل الذي ستوفره لمحتاج.. هنيئا لكم، على حرمان شبابنا من التواصل مع زبنائهم، ذلك الشاب المغربي، الذي تخرج حديثا من الجامعة أو المدرسة وبدل أن يلعن ظلام البطالة قرر أن يشعل مصباح المقاولة، فأسس شركته الصغيرة، و بدأ يعمل على جذب زبائن من العالم ليعيل نفسه وأسرته، فوجد نفسه صباح يوم يمنع من التواصل معهم لأن شركات الاتصالات المغربية وجدت مخرجا قانونيا وقررت حظر التطبيقات التي تسمح بإجراء المحادثات الصوتية ونقل البيانات عبر شبكة الإنترنت.. هنيئا لكم، على حرمان طلبتنا من الإعداد لبحوث تخرجهم، تلك الشابة التي وصلت لسنتها الأخيرة، وطًلب منها إعداد بحثها حول موضوع معين، فتواصلت مع القريب والبعيد، لجمع معلومات تخص حاجتها، فتعرفت على أستاذ هنا، وطالب هناك، ودكتور هنا وزميل هناك، فقررت كعادتها حمل تطبيقها لتتواصل معهم ليقدموا لها يد العون فصدمتها المفاجأة، حظر الخدمة.. هنيئا لكم، على حرمان أسرنا من التواصل مع أبنائها في الخارج، تلك الأم وذلك الأب، اللذان ينفقان دم قلبها من أجل دراسة ابنهما في أكبر المدارس الدولية، أو الجامعات العربية، يجدان أنفسهما ذات صباح، أمام رسالة من تطبيقهما اليومي، يخبرهما أن شركة إتصالهم قد حظرته، فلم يعد ممكن أن يتواصلا مع ولدهما، ولا أن يشاهدا ابتسامته ولا سماع صوته، إلا بالبحث عن فورفي ''الخارج'' الغالي الثمن لتعويض تطبيقهما المجاني.. هنيئا لكم، على حرمان المغاربة جميعا، من التكنولوجيا التي اختُرعت لتسهيل العيش اليومي، باستعمالات عدة، وفوائد مختلفة، هذا القرار الجائر الذي اتخذته شركات الاتصالات المغربية بمعية ANRT، والذي تعود أسبابه إلى قرار هذه الشركات منع تقنية الحديث الصوتي عبر بروتوكول الانترنت أو ما يعرف اختصارًا بVoIP، وخصوصا منع تطبيقات سكايب وواتس آب وفايبر من استخدام تقنية التواصل الهاتفي، رجوعا إلى مبرر قانوني، بيد أن المبرّر الخفي والحقيقي هو أن هذه الخدمات تسبب خسائر كبيرة بالشركات التي تبيع المكالمات الهاتفية، ولم تجد إلا الحائط القصير في هذه الدائرة أي المواطن والمستخدم ليكون كبش الفداء، الذي تضحي به الشركات من أجل إشباع ''رغبتها'' المالية. هنا حاولت بعض الشركات نفي أن هناك رغبة مالية وراء الموضوع، لكن البلاغ الذي أصدرته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات يقول عكس ذلك، حيث قال بصريح العبارة: ''وبخصوص استعمال هذا النوع من الخدمات، فبالإضافة إلى الخسارة التي تلحق بالسوق الوطنية للاتصالات، فيما يخص رقم المعاملات، بالنظر إلى استعمال خذمات مجانية للهاتف عبر بروتوكول الانترنت..'' هذا البلاغ ينطلق من قواعد قانونية صدرت سنة 2004 و لم تطبق إلا بعض 12 سنة، وهذا يدفعنا لطرح سؤال آخر حول الموضوع، لماذا بالضبط في هذه السنة تحديدا..؟ المطلوب من المستعملين اليوم، والمواطنين عموما الوقوف ضد هذا المد الكبير لشركات الاتصالات، لجعل كل الخدمات و التي منها ما هو حق طبيعي عالمي للمستعمل، خصوصا وأن مثل هذه التطبيقات يتم استعمالها في بقاع مختلفة، إلا في حالات نادرة، الوقوف ضد هؤلاء الشركات المتغولة التي تريد أن تمتص جيوب المواطنين، عبر الآداء عن أي شيء، بأي شكل، الوقوف ضدهم ينبغي أن يكون بالانخراط في الأساليب الاحتجاجية كافة، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، فقط لنستطيع أن نوصل صوتنا إليهم والضغط عليهم للتراجع عن تلك القرارات السيئة، والتي تضر بسمعة المغرب، ونحن على مشارف سنة يتحدث في البعض عن الحكومة الإلكترونية، وخدمات القرب عبر الأنترنت.. اليوم نعيش مسرحية كبيرة، بطلها شركات الاتصالات بمباركة من الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، مشاهدها مختارة بإحكام، وجب التصدي لها والوقوف ضد من كان ووراء الفكرة في إخراجها، لتصلهم رسالتنا الفنية، أننا فعلا شعب يعشق التمثيل، لكنه يستطيع أن يقف في وجهكم و يقول هنيئا لكم..