عرف المغرب كما العالم بأسره حالة من الاضطراب في التعامل مع الجائحة بعد ظهور فيروس كوفيد 19 أواخر سنة 2019، هذه الحالة جعلت مختلف الدول عبر ربوع العالم تتخذ مجموعة من الاجراءات والتدابير التي من شأنها أن تحد من اتساع دائرة انتشار الاصابة بهذا الفيروس المستجد، وأدخلت معها العالم في حالة حجر صحي، على اعتبار أن هذا الأخير هو الحل الوحيد الذي تملكه البشرية في تلك اللحظة في ظل غياب كافة المعطيات والمعلومات حول هذا الفيروس المستجد، سواء من حيث طرق الانتشار، أو من حيث طرق العلاج والوقاية. ولعل الصورة الراسخة عن الأيام الاولى من انتشار فيروس كوفيد19 هو المتابعة اليومية لحالات الاصابة عبر ربوع العالم ومدى قدرة المنظومة الصحية للكثير من الدول على التحمل والاستيعاب. وبطبيعة الحال لم يكن المغرب استثناءا عن هذا، حيث سارعت الحكومة آن ذاك إلى الاعلان عن حجر صحي شامل، وفي ظل وجود البرلمان باعتباره السلطة التشريعية في حالة توقف خلال هذه المرحلة، باعتبارهاالفترة الفاصلة بين الدورتين، لجأت الحكومة للفصل 81 من الدستور الذي يتيح لها امكانية التشريع خلال الفترة الفاصلة بين دورتين بمقتضى مرسوم بقانون وفق المسطرة المنصوص عليه دستوريا، لإصدار المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وذلك من أجل تأطير حالة الطوارئ الصحية والاجراءات الصحية المعلن عنها تأطيرا قانونيا سليما. ومن بين المقتضيات التي جاء بها هذا المرسوم المادة الثالثة والتي يمكن اعتبارها بمثابة تفويض تشريعي منحه البرلمان للحكومة، حيث سمح للحكومة بمقتضى تلك المادة بتعطيل مختلف الأحكام التشريعية والتنظيمية خلال فترة الطوارئ الصحية، وإحلال مقتضيات جديدة تمكن من اتخاذ جميع التدابير اللازمة وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، وذلك من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض. هذا التفويض التشريعي الذي أحدث هرمية في الاشكال القانونية الواجب اعتمادها لتصريف التدابير اللازمة (مرسوم- مقرر تنظيمي- مقرر اداري- منشور- بلاغ)، وأقرن اللجوء إليه على سبيل الحصر، وذلك من أجل التدخل الفوري والعاجل للحد من تفاقم الحالة الوبائية، تمت الاساءة في استعماله من قبل الحكومة، حيث أنه شهدنا في حالات متعددة وفي غياب عنصر الاستعجال والحاجة إلى التدخل الفوري كيف أوقفت السلطات العمومية مقتضيات منصوص عليها بمقتضى قوانين تنظيمية بناء على بلاغ لا يحوز أي شكل من أشكال القوة والعمومية، وليس فيه أدنى احترام لتوازي الشكليات التي من شأنها أن تراعي الظرفية وفي نفس الوقت تستحضر هرمية النصوص القانونية. كما أنه من جهة أخرى لم يتم احترام الهرمية المنصوص عليها في المادة المذكورة، بالشكل المطلوب، وتم التوسع بشكل كبير في الاستناد لمقتضيات المادة الثالثة من المرسوم بقانون وإحلال بلاغات غير موقعة في كثير من الأحيان، محل نصوص قانونية تمس عدد من الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين والمواطنات. ناهيكعن المادة الرابعة من نفس المرسوم بقانون التي تحولت إلى مصدر جديد في العقوبات الجنائية والتي مكنت من إيقاع عقوبات على مخالفات لأوامر وقرارات لا يتوفر فيها حتى شرط النشر للعموم. وبعد مرور أكثر من سنة ونصف عن اقرار المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، ومعه مرور زهاء السنتين على تفشي جائحة كوفيد 19، والتي أصبح العالم يملك عليها قدر كبيرا من المعطيات والمعلومات، وبعد تلقي عدد كبير من المغاربة لجرعات التلقيح، وفي ظل غياب الفورية والاستعجالية للتدخل التي كانت مع الوهلة الأولى لتفشي الجائحة، ومع اساءة استخدام الحكومة للتفويض التشريعي الممنوح لها بمقتضى المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، بات من الضروري معالجة هذه الوضعية الشاده وذلك عبر مراجعة الاطار القانوني الناظم لحالة الطوارئ الصحية، وجعل كل التدابير المتخذة من قبل السلطات العمومية تتم بمقتضى قانون أو مرسوم، وفي أكثر الحالات استعجالا بمقتضى قرارات يتم نشرها عبر الجريدة الرسمية حتى تحوز صفتها القانونية والرسمية. وما يضفي الضرورة على مراجعة هذا الاطار القانوني، هو ما بات يعرف بفرض جواز التلقيح، حيث أنه يتم تعطيل ممارسة كل الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين والمواطنات – وفي مخالفة حتى لمنطوق المادة الثالثة من المرسوم بقانون-، بمقتضى بلاغ لا يملك أحد نسخة رسمية منه يمكن اعتمادها أو الطعن فيها أمام الجهات القضائية المختصة. ومن جهة أخرى قرار مثل هذا يتدخل بمقتضاه في مختلف مناحي الحياة اليومية للمواطنين والمواطنات، ويحد من حقهم الدستوري في ولوج المرافق العمومية وفي استفادتهم من مختلف الخدمات العمومية ومنها الاساسية، ومع استحضار إعلان الدولة منذ الوهلة الأولى للشروع في عمليات تلقي جرعات كوفيد19عن اختيارية التلقيح؛- قرار مثل هذا- حري به أن يكون موضوع نقاش عمومي، ومعتمد بناء على نص قانوني يوازي طبيعة التدخل والذي لا يمكن أن يكون إلى بناء على نص تشريعي، على اعتبار أنه لا يمكن تعطيل ممارسة مجموعة من الحقوق الأساسية منصوص عليها دستوريا، أو خلق حالة من التمييز في ممارستها بناء على قرار لا يتصف بأية وصف قانوني. في دولة الحق والقانون، وفي البلاد ذات العراقة المؤسساتية والدستورية، لا يملك الانسان أن يكون إلا محترما للقرارات الحائزة للمشروعية، والتي يتناسب فيها القرار مع الشكل الصادر من خلاله، ولا يمكن لبلد مثل المغرب بتاريخه وعراقته، إلا أن يصحح وضعية بات فيها الكثير من الاختلال، وأصبحت مدخلا جديدا لخلق بؤر للتوتر والاحتجاج.