لا ينتظر أن تلقى دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون، خلال المؤتمر الدولي حول ليبيا المنعقد بباريس لسحب مسلحي فاغنر من مالي، أي تجاوب أو صدى لدى الجانب الروسي، خصوصا وأن موسكو استبقت هذا المؤتمر باستقبال وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب حيث صرح سيرغي لافروف بأن بلاده ستواصل تقديم "المعدات والذخيرة والأسلحة" وتدريب العسكريين الماليين لتتمكن باماكو من الدفاع عن نفسها "بفعالية ضد التهديد الإرهابي". دعوة ماكرون تفتقد لأية مصداقية بالنظر لمسؤولية فرنسا في تدمير ليبيا في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، ولذلك حين يشير سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، الذي يتميز بذكاءٍ خارق وقدرة تواصلية هائلة على تصريف المواقف السياسية والدبلوماسية لبلاده بعبارات دقيقة، حين يشير لوجود خطر إرهابي، فإنه لا يقصد فقط وحصريا حركة القاعدة أو غيرها من التنظيمات الجهادية، بقدر ما يقصد مسؤولية فرنسا ذاتها وقطر، في دعم وتمويل هذه التيارات في غرب إفريقيا، خصوصا بعدما تسربت مؤخرا العديد من الوقائع السرية التي تؤكد الدور القطري والفرنسي في التنسيق التكتيكي بينهما وتمويل الحركات الإرهابية في كل من سوريا وليبيا وغرب إفريقيا. وحسبما نشرته جريدة "بلاست" الإلكترونية ليوم 05 نوفمبر 2021 فإن موسكو هي التي أفشلت المخطط الذي كان يهدف لإسقاط النظام السوري والذي تم إعداده، دائما حسب موقع "بلاست" بالتنسيق على أعلى مستوى بين الجانبين الفرنسي والقطري شارك فيه برنارد هنري ليفي باسم الرئيس الفرنسي في نوفمبر 2011، وذلك بعد نجاحهما في تدمير ليبيا. كما كان نفس الموقع الإلكتروني قد نشر في يونيو الماضي تقريرا عن تورط الدوحة في علاقات مع التنظيمات الإرهابية في غرب إفريقيا وتحويلات بملايين الدولارات لدعمها وتسليحها. ما يهمنا اليوم في هذا الواقع الجديد بمنطقتنا، إنما يتعلق بالوجود العسكري المتزايد والمكثف للجانب الروسي في مالي وبالتالي في غرب إفريقيا وعلى خط التجارة بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء، واحتمالات تأثير ذلك على مصالح المملكة، وإمكانية استغلال الجزائر لقربها من موسكو والتنسيق معها لإضعاف النفوذ المغربي في مالي وفي الغرب الإفريقي بشكل عام. إن المقصود أساسًا من الإنزال الروسي في مالي هو فرنسا بالدرجة الأولى ولذلك فإنه من مصلحة المغرب أن لا يجعل نفسه جزءً من الأجندة الجيوستراتيجية الفرنسية المحكومة بالفشل مسبقا والأجندة القطرية التي تنبني على علاقات هذا البلد مع التنظيمات الجهادية من غرب إفريقيا إلى أفغانستان مرورا بسوريا، الحركات التي يعتبر المغرب من أبرز ضحاياها وأهدافها بالتنسيق مع انفصاليي البوليساريو، وآخرها اعتراض الشاحنات المغربية والقتل المجاني للسائقين المدنيين. إن المغرب مطالب اليوم بإيلاء اهتمام أكبر للأزمة المالية وفتح قنوات الاتصال والحوار مع موسكو حول هذا المشكل وتعزيز التعاون مع الأطراف المالية صونا لمصالحه الاستراتيجية والاقتصادية ودرءً لأي محاولة من طرف الجزائر لاستغلال الوضع الجديد من أجل المساس بمكاسب ونفوذ المملكة في المنطقة.