حصيلة ثقيلة أخرى تلك التي أعلن عنها مصدر أمني بوركينابي بسقوط 11 شرطياً على الأقل بكمين نصبته لهم جماعات مسلَّحة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي تنشط شمال شرقي البلاد. تضاف إلى ما شهدته بوركينا فاسو قبل أسبوعين من مجزرة دموية راح ضحيتها أزيد من 160 مدنياً، في هجمات هي الأعنف خلال السنوات الست من تاريخها. في المقابل تأتي هذه الهجمات المتزايدة في سياق انسحاب فرنسي من عمليَّة بارخان، التي يشترك فيها جيش فرنسا إلى جانب جيوش دول خمس من غرب إفريقيا، بهدف محاربة الجماعات المسلحة التي تتخذ المنطقة مجال نشاط لها. كما تأتي في خضَم اضطرابات سياسية يعرفها عدد من دول الساحل، دولياً تأخذ شكل امتداد للنفوذ الروسي على حساب الهيمنة التقليدية لباريس، فيما سبق أن أبدت واشنطن اهتمامها البالغ بما يقع من تجاذبات. كوابيس فرنسا الروسية بعد إفريقيا الوسطى والتدخل في ليبيا تعمل روسيا على توسيع دائرة نفوذها بالقارة الإفريقية، على حساب النفوذ الفرنسي الذي يعيش لحظاته الأكثر هشاشة. إذ خسرت باريس كل رهاناتها في الساحل أمنياً، بفشل عملية بارخان في تحقيق الأهداف المنوطة بها، أي تحجيم توسع نشاط الجماعات المسلحة بالمنطقة وحماية المدنيين من نشاطاتها الإرهابية. وسياسياً هو ما نلحظه من تهاوٍ لكل حلفاء باريس ونقط ارتكاز نفوذها بالساحل لصالح الروس. بداية من مالي التي عصف بحكومتها الانتقالية انقلاب عسكري قاده عقيد موالٍ لموسكو. الحدث الذي دفع فرنسا إلى تعليق عملياتها العسكرية المشتركة مع الجيش المالي، وبعد ذلك إعلان انسحابها من بارخان. يلي ذلك مقتل حليفها الرئيس التشادي إدريس ديبي بنيران متمرِّدي قوات "فاكت" المدعومة روسياً، بل وتلقت تدريبات عسكرية بليبيا على يد مرتزقة فاغنر المقربين من الكريملين، وفقاً لتحالفٍ بموجبه تحارب فاكت إلى جانب الروس وقوات حفتر خلال عملياتهم في البلد المغاربي. في النيجر كذلك فرنسا ليست على وفاق تام مع سياسة الرئيس الجديد محمد بازوم الذي سبق أن أعلن قناعته ب"فشل بارخان" حتى قبل أن يعرب ماكرون عن نيته إنهاءها. كذلك له رأي آخر في إدارة الحرب ضد المسلحين التي أودت بحياة 700 من قواته خلال السنوات ال8 الأخيرة، بالدخول في مفاوضات معهم، وهو ما رفضته باريس جملة وتفصيلًا وفتح خط الشقاق بينها وبين نيامي. أمام هذا الواقع يزيد استفحال النفوذ الروسي بالساحل، يكتب مقال ل"لوفيغارو" الفرنسية، خصوصاً بعد إنهاء عمليَّة "بارخان". نفوذ سبق أن تحدثت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي قائلة: "إن روسيا تسعى لفرض نفسها والتسلل إلى الفجوات ودائماً لتشويه سمعتنا". هذا وشدد المقال على أن البعض في فرنسا "صارت لديهم كوابيس" بعد إعلان انتهاء "برخان" ومخاوف من استدعاء مرتزقة فاغنر الروسية التي كانت تنشر نفوذها منذ عدة سنوات مثل الأخطبوط عبر القارة الإفريقية وفي منطقة الساحل. هل ستتدخل أمريكا للحد من النفوذ الروسي في الساحل؟ عقب إعلانه نهاية "بارخان" أردف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائلاً إن "الأمر لا يتعلق بإنها وجود قوات فرنسية بالساحل لمحاربة الجماعات الجهادية، بل بإعادة إشراكها ضمن قوات دولية أوروبية وأمريكية". فيما جرت قراءته من قبل مراقبين باعتباره رسالة استنجاد إذا ما وُضع في سياق النتائج المخيِّبة لثماني سنوات من "بارخان"، وما تبع فشلها من استفحال متصاعد للنفوذ الروسي. فرنسا ذاتها سبق أن أبدت قلقها السنة الماضية من إعلان إدارة ترمب نيَّة سحب قواتها من الساحل، إذ قال وزير الدفاع الأمريكي وقتها مارك إسبر: "أعلم أن هذا (الانسحاب) يشكِّلُ قلقاً للكثيرين، لكن أقول مجدداً إننا لم نتَّخذ القرار بعد". مع إدارة بايدن الجديدة والتطوُّرات الجارية على الأرض لم يفت واشنطن الإعراب عن اهتمامها بالتحرك على مستوى جبهة الساحل. هكذا عبَّر قائد قوات أفريكوم بالجيش الأمريكي، ستيفن جي، قبل أيام في خطابه عقب ختام مناورات "الأسد الإفريقي" المشتركة مع المغرب، إذ حذَّر من تهديدات أمنية محتمل تمتد على طول منطقة الساحل. وقال المسؤول العسكري الأمريكي إنه "لهذا يجب أن تهتم الولاياتالمتحدة لأن هذه المشكلة ستستمر في الانتشار، وفي النهاية ستذهب إلى أين؟ بمجرد أن تتجذر في إفريقيا ستنتشر في أوروبا وتصل إلى الولاياتالمتحدة بنهاية المطاف". وأضاف: "قد لا تهدد الأراضي الأمريكية الآن لكنها حتماً تهدد المصالح الأمريكية في العالم". بالمقابل أصبح الساحل الآن المنطقة التي تعمل روسيا على ضمها إلى نفوذها بالقارة، فهل ما يقصده المسؤول الأمريكي مواجهة هذا النفوذ بالتوازي مع مواجهة الخطر الجهادي؟ لم تحدث حتى الآن أي خطوة عملية بهذا الصدد، غير أن أي موضع قدم أمريكي جديد في الساحل سيفتح جبهة مواجهة مع هذا النفوذ الروسي ومرتزقته.